ترجمة حفصة جودة
العداء بين دول الخليج وحزب الله بلبنان ليس أمرًا جديدًا، ولكن التدابير الجديدة التي تتخذها دول الخليج ضد الحزب وحكومة لبنان – والتي يشكل حزب الله جزءًا منها – لها آثار محلية وإقليمية واسعة، وتمثل أزمة غير مسبوقة في العلاقات بين الدول.
إحباط دول الخليج من تأثير حزب الله على الدولة يشاركهم فيه العديد من اللبنانيين، فقد استقال وزير العدل أشرف ريفي بسبب هذه القضية في الشهر الماضي، وعلى كل حال، هذه التدابير غالبًا ما ستؤدي إلى نتائج عكسية بشأن الهدف المعلن وهو كبح جماح حزب الله ونفوذ حليفته، إيران، في لبنان، فكلًاهما أظهرا ردات فعل متحدية.
هذه التدابير قد تُضعف أيضًا حلفاء دول الخليج من اللبنانيين، وسوف ينظر إليها الجمهور اللبناني، الذي يستشهدون برفاهيته دومًا، كعقاب جماعي.
في المقابل، هذه المطالبات من دول الخليج ليست مقنعة، لأنه ومع افتراض حسن النوايا، بعض هذه التدابير سوف تؤثر بشكل واضح على لبنان ككل، وسوف تعطي فرصة لتوسيع العلاقات العامة لحزب من خلال الإدلاء بخطاب شعبوي وصرف الانتباه عن دوره في الأزمة.
يتسائل حسن نصر قائد حزب الله قائلًا، هل للسعودية الحق في عقاب لبنان، دولتها وجيشها، بسبب حزب معين قرر أن يرفع صوته؟ ويتابع قائلًا: “إذا كانت لديهم مشكلة معنا، فيجب أن تظل معنا فقط، ويجب تجنيب لبنان واللبنانيين هذا الصراع”.
بغض النظر عن أجندة حزب الله، فبعض خصومه المحليين يفكرون بنفس الطريقة، حيث تم اتخاذ سلسلة من التدابير عقب رفض وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الشهر الماضي – والذي تتهمه دول الخليج بأنه دمية في يد إيران- لدعم قرارات سعودية ضد طهران خلال اجتماعين لوزراء الخارجية العرب والمسلمين.
الدافع وراء تلك القرارات، هي اعتداءات المتظاهرين على السفارة السعودية والقنصلية في إيران عقب قيام السعودية بقطع رأس رجل الدين الشيعي نمر النمر في يناير الماضي.
قام مجلس التعاون الخليجي يوم الأربعاء بإعلان “حزب الله” جماعة إرهابية، وفي الأسبوع الماضي قامت الرياض بوضع أربع شركات وثلاث لبنانيين على القائمة السوداء لعلاقتهم بحزب الله.
وبينما لم يحدد المجلس تداعيات هذا الإعلان بعد، تقول التقارير أنه سيمكن الكتلة من استهداف تمويل حزب الله، ولا يبدو واضحًا كم الأموال التي حصل عليها الحزب من الخليج منذ أن أصبح غير مرحب به، ومع ذلك، من المرجح أن يكون الرقم متواضعًا بالمقارنة مع مصادر الحزب المحلية والدعم الذي يتلقاه من إيران.
بالنسبة لإيران فهي غير مرتبطة الآن بأي عقوبات دولية عقب الاتفاقية النووية في العام الماضي، مما يمكّنها من سدّ أي نقص بسهولة، وهذا ما فعلته مع حماس بعد توقيع عقوبات على الحركة وحصار قطاع غزة في أعقاب فوز الحركة بالانتخابات عام 2006، مما يعطي إيران النفوذ الذي يرغب أعداء حماس في تجنبه.
استهداف تمويل حزب الله يثير مخاوف الشيعة اللبنانيين في دول الخليج من أن يتم استهدافهم على أساس طائفي، بدافع الشك في حوالاتهم المالية في أنها تملأ جيوب الحزب، وهناك مخاوف أيضًا بين المجتمع اللبناني من أن يكون وضع عشرات آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج، في خطر.
“متوسط حوالات اللبنانيين النقدية من دول الخليج بلغ حوالي 5 مليار دولار في السنوات الأخيرة، وهذا يشكل 70% من جميع الحوالات المالية التي تعد ركنًا هامًا في الاقتصاد اللبناني” يقول رامي خوري، باحث كبير بمعهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية ببيروت.
ويبدو أن التدابير الأخرى التي تم اتخاذها الشهر الماضي، تشمل نطاقًا أوسع بكثير من حزب الله وقاعدته الشعبية، فقد قامت خمس دول من أعضاء مجلس التعاون الخليجي الست –الكويت وقطر والسعودية والإمارات والبحرين- بدعوة مواطنيها لمغادرة لبنان أو تجنب السفر إليها.
يأتي هذا في الوقت الذي تضررت فيه السياحة اللبنانية بسبب الظروف المحلية والإقليمية، حيث كان مواطني الخليج هم الأكثر إنفاقًا في لبنان، وقبل ذلك، أوقفت الرياض مليارات الدولارات من المساعدات التي كانت تقدمها للجيش اللبناني، وذكر مسؤول سعودي بأن “المواقف اللبنانية المعادية، نجمت عن قبضة حزب الله على الدولة”، وأضاف أن الرياض ستجري “مراجعة شاملة بشأن علاقاتها مع الجمهورية اللبنانية”.
يبدو التفكير في دعم دولة يهيمن عليها الأعداء بتبرعاتهم، غير مجديًا، بل خطيرًا، حيث قامت دول الخليج باتباع نفس الطريقة في اليمن، قبل مباشرة عملية “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية، فقد أوقفوا المساعدات الاقتصادية والعسكرية لليمن وسط تحقيق المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح لمكاسب إقليمية، حيث استطاعوا الاستيلاء على العاصمة صنعاء.
يبدو المنطق من وراء هذه الطريقة مفهومًا، لكن من المرجح أن يكون غير فعالًا في لبنان مثلما كان غير فعال في اليمن؛ فالتدابير التي تضعف الدولة عسكريًا و اقتصاديًا، خاصة دولة مثل لبنان والتي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية وسياسية وعسكرية، تجعل من السهل على حزب الله أن ينشر سيطرته عليها.
إذا كان الهدف هو دفع حلفاء لبنان الخليجيين لتحدي هيمنة الحزب بشكل أكثر قوة، فمن المرجح أن يكون التأثير عكسيًا، فالمسألة لا تتعلق بنقص الإرادة ولكن بنقص الوسائل والإمكانيات، وتدابير مجلس التعاون الخليجي لا تعزز من سيطرة حلفائه.
ومع فقدان مجلس التعاون الخليجي لنفوذه، وتنفير اللبنانيين الذين لا يتعاطفون مع حزب اللله، فهذه التدابير منحت إيران الفرصة لزيادة نفوذها، فقد عرضت طهران ملء الفراغ الناجم عن انسحاب السعودية من خلال تقديم المساعدات العسكرية.
علاوة على ذلك، فهناك خطر يتمثل بتوقع اتخاذ الحكومة اللبنانية، التي تضم أعضاءًا من كلا الائتلافين السياسيين، لخطوات غير واقعية بشأن قضايا السياسة الخارجية، حيث تتجنب الحكومات اللبنانية اتخاذ موقف حاد حول الأزمة الأقليمية حتى لا تتورط فيها أو تزيد من تفاقم التوترات الداخلية.
وكما هو الحال مع الهجمات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، فقد يؤخذ الأمر على أنه ضعف أو امتنان أو تحيز، ومع ذلك فيجب النظر إليه في سياق محاولة تجنب تمزقات أكبر في بلد ومجتمع يعاني بالفعل من الاستقطاب، ومتضرر من البيئة المحيطة به.
وفي النهاية، لا يعني ذلك أن بيروت تدعم الهجمات الإيرانية، أو أن الوزراء (ومن ضمنهم رئيس الوزراء تمام سلام) لا يدينون تلك الهجمات.
قد تتم عرقلة الحكومات الائتلافية أو التي تبدو ثنائية القطب، لكن البديل في بلد غير مستقر قد يكون صراعًا مفتوحًا، وهو ما يرغب اللبنانيون في تجنبه، خاصة في ضوء تاريخهم من الحرب الأهلية، حيث كانت البلاد مسرحًا لحروب الوكالة لفترة طويلة، لكن نجاح الأنصار الخارجيين يعتمد على دعمهم للحلفاء المحليين، ووسط الرغبة في إظهار حلول، قد تقوم دول الخليج بدعم أعدائها بدون قصد.
المصدر : ميدل إيست آي