منذ مقتل النائب العام المصري السابق المستشار هشام بركات في تفجير استهدف موكبه في التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 2015، وثمة لغز يُحيط بقضية اغتياله ومن يقف وراءها، وكان على أجهزة الأمن المصري أن تحل هذا اللغز، ولكن المفاجئ أن النظام المصري كان يعطي الرأي العام الإجابة الخاطئة ثلاث مرات متتالية، ويستكملها بإجابة رابعة لا نعرف حتى الآن إذا كانت جوابًا نهائيًا أم لا.
الإجابة رقم 4
أعلنت السلطات المصرية بالأمس أن أجهزة الأمن تمكنت من ضبط 6 أشخاص من منفذي حادث اغتيال النائب العام السابق، وقد قرر المستشار نبيل أحمد صادق، النائب العام، حبس المنفذين الستة 15 يومًا على ذمة التحقيقات، رغم إذاعة وزارة الداخلية المصرية في مؤتمر صحافي تفاصيل ما أسمتها “اعترافات المتهمين” بعد ملاحقتهم بمعرفة جهاز الأمن الوطني “أمن الدولة” سابقًا ومصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية.
التحقيقات ستجري مع المتهمين كما أعلن النائب الحالي، لكن النظام صمم على إذاعة اعترافات لا يُعرف كيفية انتزاعها، كما أصرت أجهزة الأمن على تبني رواية منقولة عن تحريات الأمن الوطني دون أن تقول الهيئات القضائية كلمتها الفصل في هذه الرواية.
https://www.facebook.com/MoiEgy/posts/1042931762417153?__mref=message_bubble
الراوية الجديدة تقول إن جماعة الإخوان المسلمين وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” هما الجهتان اللتين يقفان خلف تدبير الحادث.
تحدث وزير الداخلية مجدي عبدالغفار عن ضبط خلية مكونة من 48 شخصًا ادعى تبعيتهم لجماعة الإخوان المسلمين، وقال إن 14 منهم ضالعين في تنفيذ عملية اغتيال النائب العام، بناء على تكليف من الدكتور يحيى موسى الذي وصف في إعلان الداخلية بأنه قيادي في الجماعة بتركيا، بالاشتراك مع أحد ضباط الاستخبارات في حركة حماس الفلسطينية، والذي اتهم حسب الاعترافات بأنه درب وأشرف على الإعداد للعملية.
المتهمون الأربعة الذين ظهروا في المقطع المصور الذي بثته وزارة الداخلية هم: “محمد أحمد سيد إبراهيم – الشرقية” طالب بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، والطالب بكلية الدعوة الإسلامية “أبوالقاسم أحمد علي منصور – أسوان”، و”محمود الأحمدي عبدالرحمن – الشرقية”، بالإضافة إلى الطالب بمعهد التحاليل الطبيبة بجامعة الأزهر “أحمد جمال أحمد محمود حجازي – الشرقية”.
الجدير بالذكر أن الطالب محمود الأحمدي قد أعلن ذووه أنه مختفٍ قسريًا منذ التاسع والعشرين من فبراير الماضي، وكذلك الطالب أبوالقاسم أحمد الذي اعتقل بنفس التاريخ ليفاجأ الجميع بظهورهم بالأمس متهمين في قضية اغتيال النائب العام.
وكان مرصد أزهري للحقوق والحريات قد أعلن في السابق عن اختفاء مجموعة من طلاب الأزهر يوم 22 فبراير من بينهم الطالب أحمد حجازي الذي ظهر بالأمس في مقطع الفيديو متهمًا أيضًا في نفس القضية.
وقد صرحت والدة الطالب أحمد حجازي أن نجلها الذي وجهت له تهمة المشاركة في اغتيال النائب العام السابق لا علاقة له بجماعة الإخوان المسلمين، وأضافت في تصريحات لموقع “مصر العربية ” قولها: “مش عارفه ليه أخدوا ابني مع إن عيلتنا كلها ملهاش علاقة بالإخوان، عم ابني رئيس الأركان وباقي قرايبه ضباط في المخابرات والجيش”، في إشارة إلى وجود صلة قرابة مع الفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري.
كما أوضحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أيضًا أن أسر الطلاب المذكورين في بيان الداخلية قامت بإرسال العديد من الشكاوى والتلغرافات إلى النائب العام ووزارة الداخلية بعد اعتقال أبنائهم مباشرة تُفيد بتعرضهم للإختفاء القسري.
هذه الدلائل تُشير بوضوح إلى اختطاف هؤلاء الطلاب من قِبل جهاز الأمن الوطني وتعرضهم لمسلسل معروف جيدًا لدى أجهزة الأمن المصري، يبدأ بالإخفاء القسري والتعذيب وانتزاع الاعترافات والتصوير والعرض علي الرأي العام، وعقب ذلك ينكر المتهمون هذه الاعترافات كلية أمام القضاء بسبب انتزاعها تحت ضغط التعذيب.
وهو ما يعني أن هذه الإجابة ليست نهائية كما يريد النظام تصويرها، بعدما أرجع مراقبون صعود نغمة اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب من قبل النظام الحالي، إلى خفوت نبرة العداء الشعبي للجماعة الذي كان يبرر السكوت على فشل النظام الاقتصادي والأمني، مما استدعى عند النظام ضرورة الزج باسم الجماعة مرة أخرى إلى الساحة الشعبية تحت مزاعم التورط في اغتيال النائب العام.
استغلال النظام المصري لحادث الاغتيال
منذ اليوم الأول الذي أعقب عملية اغتيال المستشار هشام بركات لجأ النظام إلى توظيف الحادث واستخدامه لشيطنة معارضيه وإلصاق التهمة بهم دون أن تثبت أية تحقيقات نزيهة حقيقة الحادث، فتارة يخرج رئيس الجمهورية ليتحدث عن يد العدالة المغلولة التي لا تستطيع إعدام المعارضين، مؤكدًا أنه سيتم تغيير هذه القوانين لكي يتمكن النظام من إعدام معارضيه المحكومين بالإعدام سريعًا دون مزيد من إجراءات التقاضي التي تبرئهم في نهاية المطاف.
كما كانت حادثة النائب العام هذه ذريعة جيدة لدى النظام لتنفيذ إعدامات ميدانية بحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان “تورطهم في مقتل النائب العام”، لتكون هذه إحدى الإجابات المتعددة من قبل النظام المصري وأجهزة أمنه على لغز مقتل النائب العام السابق.
إعدامات شقة أكتوبر
قامت أجهزة الأمن المصرية بتصفية 13 قياديًا من جماعة الإخوان المسلمين أثناء اجتماعهم في مدينة السادس من أكتوبر في مطلع يوليو من العام 2015، وقد صرحت وزارة الداخلية حينها أن هذه المجموعة متورطة في عملية اغتيال النائب العام، وقد تم قتلهم أثناء اشتباكات كما ادعت الداخلية، لكن تشريح الجثث أثبت تصفيتهم تصفية مباشرة بإطلاق النار عليهم دون مقاومة.
وقد صرحت مصادر أمنية في ذلك الوقت أنها عثرت على مضبوطات وأدلة ستساعد بشكل مباشر في الكشف عن قتلة النائب العام، فيما نشرت صحيفة الأهرام في اليوم التالي للحادث نقلًا عن مصادر أمنية خبرًا تحت عنوان “خططوا لاغتيال النائب العام.. مصرع 9 بينهم قيادي بالتنظيم الدولي للإخوان”.
الضابط هشام عشماوي
وفي نفس التوقيت صدرت رواية أخرى عن مصادر أمنية بوزارة الداخلية تتهم ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي مؤسس جماعة المرابطين التابعة لتنظيم القاعدة بالتدبير والوقوف خلف عملية اغتيال النائب العام، فيما تناولت وسائل الإعلام أخبارًا تفيد أن عشماوي ارتكب العديد من الحوادث الإرهابية كان آخرها اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
ويتضح من هذا التخبط أن إلصاق التهمة بقيادات الإخوان في شقة أكتوبر كان لمجرد التغطية على جريمة القتل خارج إطار القانون التي ارتكبتها عناصر الأمن بحق 13 قياديًا من الجماعة لأسباب غير معروفة حتى الآن، وقد تم استخدام اتهام التورط في اغتيال النائب العام للتعمية على السبب الرئيسي وراء قتلهم المباشر.
اشتباكات المعادي
أعلنت وزارة الداخلية لثالث مرة على التوالي تصفيتها لقاتلي النائب العام هشام بركات في منطقة حدائق المعادي بعد اشتباكات دامت لساعات معهم، وذلك قبل أيام من الإعلان للمرة الرابعة بعد ذلك عن القبض على “منفذين جدد لنفس عملية الاغتيال”.
حيث أكدت المصادر الأمنية أن قتلة النائب العام السابق كانوا يخططون لعملية إرهابية باستخدام سيارات تحمل لوحات دبلوماسية، بحسب ما نشرته صحيفة “الأخبار” المصرية.
فيما أفاد بيان وزارة الداخلية أن من تم تصفيتهم أعضاء في جماعة “أجناد مصر” السلفية الجهادية.
جواب غير نهائي
الآن أصبح أمام الرأي العام 4 إجابات على نفس السؤال من نفس أجهزة الأمن المصرية التي تتحدث في كل مرة بثقة تامة عن تصفية الخلية التي قتلت النائب العام، ليفاجأ الجميع بعد أيام قليلة بالقبض على خلية أخرى متهمة بنفس تهمة الخلية الأولى.
والملاحظ هنا أن أجهزة الأمن المصرية تتخبط في إجابتها على سؤال “من قتل النائب العام”؟ بداية من إعلان أن مجموعة إخوان أكتوبر هما المخطط للعملية، ثم بعد ذلك اتهام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة أسسها ضابط مفصول من الجيش وهي على النقيض الأيديولجي من جماعة الإخوان، ثم اتهام جماعة ثالثة وهي أجناد مصر بالضلوع في العملية، وأخيرًا اتهام أعضاء من جماعة الإخوان بالتعاون مع حركة حماس وأنصار بيت المقدس في تنفيذ العملية في تشكيلة عجيبة دون الإشارة إلى اتهامات الخلايا السابقة.
ليبقى الشيء اليقيني الوحيد أن أجهزة الأمن المصري ومن خلفها النظام تستخدم تهمة اغتيال النائب العام لتصفية حسابات سياسية مع معارضيها، والدليل على ذلك أربع روايات مختلفة تمامًا عن حادثة واحدة المشترك الوحيد بينها “قتل مجموعات معارضة مختلفة” دون معرفة الأسباب الحقيقية، والقبض على البعض الآخر، ليبقى تساؤل لدى الرأي العام المصري موجه للنظام “هل هذا جواب نهائي على من قتل النائب العام السابق أم ننتظر المزيد”؟