ترجمة وتحرير نون بوست
في يوم الاثنين الماضي أخبرت حكومة كوريا الشمالية العالم بأنه يجب أن يستعد لمواجهة حرب نووية في شبه الجزيرة الكورية؛ فوفقًا للبيان الرسمي الصادر عن القوات المسلحة الكورية الشمالية “تمتلك كوريا الشمالية خطة عسكرية، مشابهة لطراز خططنا، لتحرير جنوب كوريا وضرب أراضي الولايات المتحدة”.
عادة ما يحب محررو الأخبار مثل هذه التصريحات الصادرة عن بيونغ يانغ، فهي بالنهاية تشكل عناوينًا صحفية لامعة وجذابة، في حين يقابل مراقبو كوريا الشمالية هذه اللهجات العدوانية بلا مبالاة عظيمة، خاصة في ظل إطلاق مثل هذه التصريحات من قِبل الدولة بشكل شبه منتظم؛ ففي عام 2013، أظهر التلفزيون الكوري الشمالي الرئيس الكوري، كيم جونغ أون، أمام خارطة كبيرة حُدد عليها أهداف الضربات النووية لكوريا الشمالية، ولم تشمل هذه الأهداف واشنطن ونيويورك فقط، بل شملت أيضًا، وبشكل غريب، مقاطعة أوستن في تكساس.
ولكن هذه المرة، قد تكون الأمور أكثر خطورة، فقد لا تمتلك بيونغ يانغ أي نية لبدء حرب نووية، ولكن التطورات الأخيرة جعلت المواجهة في شبه الجزيرة الكورية أكثر احتمالًا من أي وقت مضى.
العنصر المُغيّر لقواعد اللعبة
ما غيّر قواعد اللعبة الراهنة هو القرار رقم 2270 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 2 مارس، والذي جاء ردًا على التجربة النووية لكوريا الشمالية التي أُجريت في يناير، والتي تبعها إطلاق صاروخ في فبراير الماضي، علمًا بأن القرار 2270 يعد أكثر حزمًا وقسوة من باقي القرارات السابقة الصادرة بحق كوريا الشمالية، كما يعد في جوهره، الأول من نوعه.
من بين أمور أخرى، يحظر القرار الصادر عن مجلس الأمن تصدير المعادن من كوريا الشمالية، مثل الذهب والتيتانيوم والفاناديوم، حتى أن القرار قد يحظر صادرات الفحم، رغم أن صياغته لهذه الجهة تبدو غامضة نوعا مًا، علمًا بأن هذه المعادن تشكّل أكثر من نصف صادرات كوريا الشمالية، حيث يشكّل الفحم وحده نحو 40% من صادرات الدولة.
علاوة على ما تقدم، يفرض القرار حظرًا على بيع وقود الطائرات إلى كوريا الشمالية، فضلًا عن القيود القاسية التي فرضها على الشحنات الواصلة إليها، والعمليات المالية وما شابه ذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية عقوبات أحادية على كوريا الشمالية خاصة بهما، حيث أغلقت سيول منطقة كايسونج الصناعية، وهو مشروع صناعي مشترك توظف فيه حوالي 120 شركة كورية جنوبية نحو 50.000 عامل كوري شمالي، وفي الوقت عينه، تعهدت الولايات المتحدة بمعاقبة البنوك وغيرها من الشركات التي قد تمارس أعمالًا ومعاملات مع كوريا الشمالية، وإذا نُفّذت هذه التدابير بشكل كامل، فإنها ستستبعد كوريا الشمالية تمامًا من نطاق النظام المالي العالمي.
إذا تم فرض العقوبات بشكل منتظم، فإن كوريا الشمالية ستتعرض لضربة كبيرة، ومن المرجح أن يعاني اقتصادها، الذي بدأ بالتعافي في السنوات الأخيرة، من الانكماش مرة أخرى، كما ستنخفض مستويات المعيشة في البلاد بشكل محتم.
تعد هذه النتائج حتمية تقريبًا بالنظر إلى تبخر نصف عائدات التصدير في البلاد بين عشية وضحاها جرّاء هذه القرارات، وهذه النتائح تشجع مؤيدي العقوبات الذين يعتقدون بأن هذه الإجراءات غير المسبوقة ستدفع كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات وربما ستؤدي أيضًا إلى إنهاء البرنامج النووي الخطير لكوريا الشمالية.
التهديدات الخارجية
للأسف، هذه التوقعات لا أساس لها على أرض الواقع؛ فالنخبة الحاكمة في كوريا الشمالية تصر على أن البلاد بحاجة إلى أسلحة نووية لمواجهة التهديدات الخارجية، كما أنها تتذكر جيدًا النهاية المؤسفة للزعيم الليبي معمر القذافي، الرجل القوي الوحيد الذي وافق على تسليم برنامجه النووي، فضلًا عن أنها لم تنسَ كيف ذهبت تعهدات وضمانات المجتمع الدولي المقدمة لأوكرانيا أدراج الرياح، بعد أن أُعطيت لها في عام 1994 ضمانات دولية للحفاظ على وحدة أراضيها كمكافأة على استعدادها للتخلي عن الأسلحة النووية التي تعود للحقبة السوفيتية.
في الوقت عينه، ونتيجة لتضاؤل أخطار أي تمرد مسلح، لا يمتلك الجمهور الكوري الشمالي عمليًا أي وسيلة للتأثير في سياسات الحكومة؛ فبعد كل شيء، كوريا الشمالية هي دولة تزعم منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي بأن نسبة دعم المرشحين الذين عينتهم الحكومة على المستوى الشعبي تبلغ 100% في جميع الانتخابات.
من المناسب أن نتذكر أيضًا بأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية أخذ شكله الحالي في نهايات التسعنيات وبواكير القرن الحالي، وذلك في خضم المجاعة المدمرة التي تضور فيها ما يقارب المليون كوري جوعًا حتى الموت، إلا أن هذه الصعوبات لم تؤثر في سياسة الحكومة، لأن صناع القرار كانوا يعتقدون أن بقاء الدولة والنظام هو على رأس جميع الأولويات؛ فالوصول لامتلاك الأسلحة نووية تم بغض النظر عن الثمن المقدم، حيث كان يُنظر إلى ضحايا المجاعة كثمن مؤسف، ولكن ضروري، يبنغي دفعه بغية بقاء الدولة.
موقف بيونغ يانغ
هذه المرة أيضًا لا يوجد أي سبب يحفزنا للاعتقاد بأن موقف بيونغ يانغ سيختلف عن مواقفها المتخذة سابقًا؛ فصحيح أن العقوبات ستجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لكوريا الشمالية، لكنها لن تقدم على الأرجح النتيجة المرجوة.
وعلاوة على ذلك، قد تسفر هذه الضغوطات عن نتائج غير مرجوة أيضًا، فجرّاء تزايد شعورها بالحصار، قد تلجأ الحكومة الكورية الشمالية إلى أساليبها القديمة لتصنيع الأزمة، حيث تعمد أولًا لخلق وضع خطير، ومن ثم تتجه نحو انتزاع التنازلات من العالم كمكافأة على رغبتها في التراجع عن مواقفها.
اليوم لم يعد لدى بيونغ يانع ما تخسره تقريبًا؛ فبعد القرار 2270، من الصعب أن نتخيل ما الذي يمكن للعالم الخارجي أن يقوم به بعد الآن لدفع هذه الدولة المارقة للتخلي عن مواقفها المتعنتة، لذا، ينبغي على المرء أن يستعد لمعرفة ما إذا كانت الأفعال ستُحلق بتصريحات بيونغ يانغ الصارمة، والتي ربما قد تنطوي على استخدام الأسلحة.
بطبيعة الحال، استخدام الأسلحة النووية أمر مستبعد للغاية، ولكن نظرًا للتوترات العامة التي تشحن الأجواء، وتكرار رغبة الكوريين الجنوبيين للرد بقوة، يمكن لبضع قذائف مدفعية حتى أن تثير مواجهات دامية.
إذن، وبالمحصلة، قرارات مجلس الأمن الدولي لا تجعل شبه الجزيرة الكورية أكثر أمانًا، كما أنها بالكاد تساعد في التخفيف من حدة التهديد النووي.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية