جاء رفض سلطات مملكة البحرين دخول اثنين من قادة الاتحاد العام التونسي للشغل – الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2015 – لأراضيها، وذلك بعد أيام من تنديد هذه المنظمة النقابية بتصنيف دول الخليج لحزب الله اللبناني كـ “منظمة إرهابية ” ليضع العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل العلاقات بين تونس والبحرين في ظل تصاعد التوتر بين الجانبين جراء هذا الموقف السياسي.
الكثير من الخبراء والمحللين المتابعين للمشهد عن كثب أكدوا أن هناك أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق قريبًا بين دول الخليج من جانب وبقية دول المنطقة من جانب آخر، الأزمة مفادها العلاقة مع إيران وأذرعها السياسية في دول المنطقة، حيث يقاس عمق ومتانة العلاقة بين الخليج وأي دولة أخرى بناء على ترمومتر علاقة هذه الدولة بإيران وحزب الله، وهو ما قد ينبئ بأزمات سياسية تصل مع بعض الدول حد القطيعة، لاسيما في ظل ما يتردد بشأن فتح قنوات اتصال جديدة بين إيران وبعض الدول المؤيدة والداعمة لبعض دول الخليج وفي مقدمتها تركيا ومصر، مما يجعل من إعادة رسم خريطة التحالفات السياسية في المنطقة أمرًا حتميًا في السنوات القادمة.
العلاقات بين تونس والبحرين
شهدت العلاقات التونسية البحرينية العديد من منحنيات الصعود والهبوط انعكاسًا للظرف السياسي أو الأمني الذي تمر به الدولتين، ويمكن تقسيم العلاقات بين البلدين إلى مرحلتين رئيسيتين، الأولى: ما قبل ثورة تونس الخضراء، حيث شهدت العلاقات بين البحرين وتونس حينها ازدهارًا ومتانة لم تشهدها من قبل، ووصل عدد الجالية التونسية في البحرين إلى ما يزيد عن ألف تونسي من أكفأ الخبراء في شتى المجالات، أما المرحلة الثانية: ما بعد الثورة، حيث تعرضت تونس كغيرها من بلدان الربيع العربي لفتور في العلاقات مع الكيانات الرافضة لفكرة الثورة وتغيير الأنظمة ومنها دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والبحرين والإمارات.
وتستند العلاقات السياسية بين البلدين، إلى إطار قانوني ثري متكون من 13 اتفاقًا وبرنامجًا تنفيذيًا، تغطٌي المجالات الاقتصادية والفنية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والصحٌية، وإلى هياكل تعاون متعدٌدة، على غرار اللجنة المشتركة التونسية البحرينية، ولجنة المتابعة والتشاور السياسي، ومجلس رجال الأعمال المشترك التونسي البحريني.
وفي قراءة سريعة لمنظومة العلاقات بين البلدين نجد أن هناك تراجعًا نسبيًا في حجم التعاون في الآونة الأخيرة قياسًا بما كانت عليه الأمور قبل ذلك، ففي خصوص علاقات التٌعاون التٌجاري، سجلت المبادلات التٌجارية الثٌنائية تراجعًا بالمقارنة مع السنوات السابقة، مع تسجيل عجز في الميزان التٌجاري لفائدة البحرين، علمًا وأن أهم المواد المصدرة هي المواد الغذائية والإلكترونية والكهربائية، في حين يعد الغاز والنفط والألمنيوم أبرز المواد الموردة.
أما بالنسبة للتٌعاون في مجال الاستثمار، فتساهم البحرين في رأس مال بعض المؤسسات البنكية المنتصبة بتونس، وهي بنك التعاون العربي والبنك التونسي الدولي، إلى جانب مشروع المرفأ المالي برواد لبيت التٌمويل الخليجي، وهو مشروع ضخم تقدر كلفته الجملية بـ 5.3 مليار دولار ينتظر إنجازه على قطعة أرض تمسح 521 هكتارًا.
وفي مجال التعاون الفني، فقد تقلص عدد المتعاونين التونسيين بالبحرين من أكثر ما يزيد عن ألف تونسي إلى 818 يتوزعون بالأساس على قطاعات التعليم الابتدائي والثانوي والعالي والسياحة والطيران، إلى جانب عدد من الإطارات بالبنوك والشركات الخاصة.
تصنيف حزب الله كـ “منظمة إرهابية”
في خطوة متوقعة، أصدر وزراء الداخلية العرب الأسبوع الماضي بيانًا اعتبروا فيه “حزب الله اللبناني” منظمة إرهابية، متهمين إياه بزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية.
وزراء الداخلية العرب في البيان الختامي لاجتماعهم في تونس مؤخرًا، أكدوا على الإدانة الكاملة لحزب الله باعتباره المسؤول الأول عن حالة فقد الاتزان بالمنطقة في الآونة الأخيرة، وقد جاءت تلك الخطوة بعد تصنيف مجلس التعاون الخليجي في وقت سابق للحزب كمنظمة إرهابية.
لكن من الواضح أن هذا القرار لم يلق الإجماع من كافة الدول العربية، حيث أعرب لبنان والعراق عن تحفظهما على اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، فمن جهته قال وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق “نحن نؤيد اعتبار إيران مصدر لزعزعة السلم في المنطقة ولكن نتحفظ على تصنيف حزب الله منظمة إرهابية”.
وفي السياق نفسه قال وزير الداخلية العراقي محمد الغبان بعد انسحابه من جلسة مغلقة “نحن هنا لمناقشة خطط مشتركة للتصدي للإرهاب ووضع إستراتجيات عمل وتنسيق الجهود، لا إصدار بيانات سياسية لخدمة أطراف سياسية معينة”، في إشارة للسعودية على الأرجح.
وأضاف أنه رفض تصنيف حزب الله جماعة إرهابية لأنه موضوع خلافي يفجر مزيدًا من المشاكل في المنطقة العربية، قائلاً إن مكان البلاغات السياسية ليس مؤتمر وزراء الداخلية العرب.
تونس تتبرأ من البيان
الكثير من منظمات المجتمع المدني التونسي شنت هجومًا حادًا على حكومتها بسبب التوقيع على بيان اعتبار حزب الله تنظيمًا إرهابيًا، في مقدمتها الاتحاد التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والحزب الجمهوري التونسي وحركة الشعب التونسية، حيث اعتبروا أن هذا القرار ليس أكثر من مجاملة لدول الخليج، فضلاً عن إقحامه لتونس في صراعات إقليمية لا قبل لها بها، وهو ما أكده القياديان في الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وعبد الكريم جراد، واللذان تم منعهما من دخول البحرين من أجل المشاركة في مؤتمر اتحاد العمال والمنعقد في العاصمة البحرينية المنامة.
الطبوبي استنكر موقف حكومة دولته الموقعة على هذا البيان الصادر من وزراء الداخلية العرب خلال اجتماعهم الأخير بتونس، مؤكدًا على موقع الاتحاد على “فيسبوك” أن الاتحاد لم ولن يساوم مع القضايا العربية والقومية العادلة وأن الموقف البحريني يؤكد أن الاتحاد على الطريق الصحيح خدمة لقضايا الشعوب العربية.
وشاركه في الرأي كما سامي الطاهري القيادي في الاتحاد أيضًا، حيث ندد بما أسماه “ممارسة غير ديمقراطية ومنافية للقوانين الدولية، مما دفعهما لمناشدة الحكومة التونسية إلى التراجع عن هذا القرار وعدم الامتثال له، كونه يقحم تونس في قضايا لا تخدم البلاد ولا مصلحة الوطن العربي، على حد قولهما.
من جانبه اعتبر وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، أن قرار وزراء الداخلية العرب الموقع في 3 مارس الجاري لا يعكس موقف تونس، والبيان الصادر ليس له صفة إقرارية.
وقال “مثل هذا القرار يصدر بالتشاور بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وتعلنه وزارة الخارجية وليس الداخلية”، لافتًا إلى أن “علاقة تونس بلبنان وإيران متطورة جدًا، وموافقة وزير الداخلية تأتي في إطار الإجماع العربي لا غير”.
أزمة دبلوماسية وشيكة
جاءت واقعة منع الوفد النقابي التونسي من دخول البحرين لتلقي بظلالها القاتمة على أجواء العلاقات بين الدولتين، حيث استنكرت عدد من منظمات المجتمع المدني وقطاع كبير من الشعب التونسي هذه الحادثة، واعتبروها نوعًا من الإهانة والتعالي غير المقبول، لاسيما بعد فشل كافة محاولات السفير التونسي بالبحرين لإدخالهم، مما يؤكد على أن ما حدث ليس حدثًا عارضًا قدر ما هو تعبيرًا عن سياسة المنامة تجاه المعارضين لبعض توجهاتها مهما كانت عمق العلاقة بينها وبين تلك الدول.
الدبلوماسيون البحرينيون أكدوا أن ما حدث لا يعد مطلقًا توترًا في العلاقات بين الدولتين، إنما تعبير عن رفض المملكة للتوجهات السياسية لهذه المنظمة النقابية التونسية والتي رفضت تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية، كما أعلنت – بكل وضوح – عن دعمها لإيران أيضًا، مما يعد تهديدًا لأمن المملكة حال دخولهم، ومن ثم تم اتخاذ هذا القرار.
كما أكد الدبلوماسيون أيضًا على عمق العلاقات بين تونس والبحرين، وأن الخلافات في التوجهات السياسية لا يجب أن تنعكس على العلاقات الدولية، مشيرين إلى الحفاوة التي اُستقبل بها الرئيس التونسي خلال زيارته للبحرين أوائل العام الجاري.
وفي المقابل شن عدد من الباحثين والمحللين التونسيين هجومًا لاذعًا على موقف مملكة البحرين الأخير والذي يشير إلى “هشاشة” العلاقات بين البلدين.
الباحثون التونسيون أكدوا أن هناك خلافات جذرية واضحة بين تونس والبحرين لاسيما بعد الثورة المباركة والتي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، أكبر الأنظمة الداعمة لتوجهات دول الخليج، منوهين إلى أن الزيارات المتبادلة بين البلدين لا تعكس مطلقًا العمق الحقيقي للعلاقات بينهما.
العديد من الأسئلة طرحها بعض المحللين التونسيين فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين البلدين والتي تمثل تحديًا حقيقيًا واختبارًا واقعيًا لطبيعة وقوة ومتانة تلك العلاقات، منها: ماذا لو زار الرئيس التونسي إيران أو العكس؟ ما هو موقف المنامة حال زيادة التبادل التجاري بين تونس وطهران؟
الواضح أن الأيام المقبلة ستشهد تغييرًا جذريًا في طبيعة العلاقات بين دول المنطقة بعضها البعض، لاسيما بعد إعلان طهران عزمها فتح قنوات اتصال مع الدول العربية وتحسين العلاقات مجددًا، خاصة بعد كسر الحصار المفروض على إيران، مما جعل من طهران مكسبًا اقتصاديًا وسوقًا مربحًا للعديد من الدول العربية،وهو ما قد يجعل من إعادة النظر في علاقات بعض الدول العربية معها أمرًا متوقعًا.
فكيف ستصبح شكل العلاقات بين دول الخليج وغيرها من الدول العربية الأخرى حال نجاح طهران في تحسين علاقاتها بدول المنطقة؟ وهل تقوى دول الخليج على مقاطعة الدول ذات العلاقة مع إيران؟ وما هو رد فعل تلك الدول تجاه السياسة الخليجية في هذه الحالة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.