عبيد السوشال ميديا، هذا ما أصبحنا عليه في العقدين الأخيرين على وجه التحديد، والأمر في تطور مثير للدهشة، فانقسم الناس الآن إلى فريقين، أحدهما مؤيد لدور مواقع التواصل الاجتماعي ويراه الحل الأفضل لجعل العالم متصلًا كقرية صغيرة، والآخر يراه العالم الافتراضي، الذي جعل من البشر مخزون حيوي ومتكرر لتلك المواقع، تتغذى عليه ولا تعمل بدونه، تتغذى على أخباره وتدويناته وتغريداته وصوره الشخصية وصور رحلاته، ليتحول البشر، لا إراديًا، من مستخدمي السوشال ميديا، إلى عبيد للسوشال ميديا.
هل تستخدم الفيس بوك؟ إذا كانت الإجابة بنعم فأنت شخص مؤهل لإقامة تواصل اجتماعي مقبول في 2016، وإذا كانت الإجابة بلا، ستواجهك النظرات المتسائلة عن كيفما يمر يومك هكذا بطريقة عادية وأنت لا تمتلك فيس بوك ولا تتواصل مع أصدقائك وتعرف أخبارهم، بل وسيزيد الأمر إلى الشك في قدرتك على إقامة علاقات اجتماعية، ومن الممكن اتهامك بكونك انطوائي، فأحيانًا، من لا يمتلك حسابًا على فيس بوك، فهو لا وجود له في حُسبان الكثيرين.
لا شك أن ما حدث يُعتبر ثورة حقيقية ومُعترّف بها في عالم الاتصال، حيث وصل مستخدمو فيس بوك الآن بالمليارات، وبنظرة عامة فإن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في علاقة طردية مع الزمن، فكل ثانية يرتفع عدد المستخدمين بشكل جنوني من مختلف الشرائح العمرية ومن مختلف طبقات المجتمع.
بدأ مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في ملاحظة مدى استغلال تلك المواقع لحياتهم الشخصية، ومدى تأثيرها على أفكارهم وحياتهم، فمنهم من وجد نفسه يصدق بسذاجة كل ما يقرأه عليها ويتحول إلى مجرد تابع بعقل خاوٍ، والآخر يجد حياته الشخصية معروضة لمن يهتم ومن لا يهتم، أما الجميع فأصبحوا “محتلين أنفسهم” “Self-Occupation” بمعنى أنهم يحبون أن العالم كله يدور حولهم، ومهتم لأخبارهم وتغريداتهم، ومهتم للإعجباب بصورهم الشخصية، ولكن في الحقيقة فإن العالم لديه العديد من الأزمات التي يمكن أن تشغله عن الاهتمام بتدوينة شخص يشعر بالمرض على سبيل المثال، ولكن من هنا تأتي الأنانية، الكل مستقل بذاته ” Self-Centered” في دائرة كبيرة تضمنا جميعًا، وإذا لم نحاول السيطرة على ذلك، فربما سنتحول إلى عبيد كبقية الجموع.
سامسونج واختراع آخر للعزلة
مارك زوكيربيرغ في مؤتمر سامسونج الصحفي الأخير
لم تتردد شركة سامسونج في تسمية الجهاز بـ “الواقع الافتراضي”، جهاز Gear VR، وتكلفته 99 دولارًا أمريكيًا، والذي يجعل المستخدم يستمتع بمتعة المشاهدة وكأنها واقع حقيقي، وهو في مجال التكنولوجيا يُعد ابتكارًا عظيمًا من سامسونج سيغير طريقة عرض المحتوى الإلكتروني عبر هذه النظارة المبتكرة، التي تجعلك نظريًا في قلب الحدث، فيمكن الآن مشاهدة مبارة لكرة القدم في ملعب في ريال مدريد وأنت في منزلك بالسعودية.
شاهد الفيديو التعريفي بالجهاز وطريقة استخدامه:
وصفت صحيفة الغارديان الجهاز في تقرير أخير لها بأنه هجرة البشر إلى داخل الشاشة الإلكترونية، وهو أمر ليس بغريب على البشرية، فظلت البشرية لعقود في حالة هجرة مستمرة من الواقع إلى العمل أو إلى ألعاب الفيديو، أو إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشهد المدير التنفيذي مارك زوكيربيغ لشركة فيس بوك بين الجموع المرتدين نظارات سامسونج الجديدة يوحي لأول وهلة بأن الإنسان قد اخترع إنجازًا سيعم بالنفع على البشرية كلها، في حين أن تلك النظارات هي سبيل البشرية للانعزال بطريقة أكثر احترافية عن ذي قبل عن الواقع المحيط هروبًا إلى الواقع الافتراضي.
لا يبدو أن لتقنية مواقع التواصل الاجتماعي تأثيرًا جيدًا على علاقتنا الاجتماعية، حيث أثبتت أبحاث الأنثروبولوجي “علم الإنسان” بأنه لا يستطيع الانسان الواقع تحت تأثير إدمان السوشال ميديا أن يُفرق بين العلاقات الحقيقة الممتدة وبين العلاقات السطحية العابرة التي أنشأها الواقع الافتراضي، حيث يميل الشخص المدمن على استخدام تلك المواقع إلى “الفورية”، أي العلاقات الفورية، السعادة الفورية، المعلومة الفورية، الاندماج الفوري، والذي أدى إلى حالات متقدمة من الانطوائية والعزلة عن المجتمع المحيط، والإدمان على الواقع الافتراضي، كما أدى في بعض الحالات المتقدمة إلى حالات النصب والسرقة، وأحيانًا إلى الانتحار.
لا ينكر أحد أن تطور التكونولوجيا في تقنية وسائل التواصل الاجتماعي لها دور مهم في الاقتصاد ودور مهم في التواصل الدولي والداخلي، كما كان لها تأثيرًا إيجابيًا في الانفتاح والعولمة، ولكنها في ذات الوقت لها تأثير مباشر على إنتاجية الفرد، واختياره لأسلوب حياته، كما في بعض الأحيان له تأثير على صحته العقلية والنفسية، والأمر إن خرج عن السيطرة، يمكن أن يصل في بعض الحالات إلى أمراض عقلية ونفسية شديدة الخطورة.
بعد اختراع سامسونج لنظارات الواقع الافتراضي، هل من الممكن أن تصل البشرية إلى حقبة من الزمن لا يستطيع الفرد فيها التفريق بين الواقع والخيال، أو لا يستطيع التفريق بين الملموس وغير الملموس، ماذا عن السعادة إذًا! هل ستختلف معايرها كليًا وتظل مُعلقة على روابط إلكترونية من الممكن أن تربط شخصين جسديًا في نفس المكان لكن عقليًا في مكانين مختلفين تمامًا!