لا يفتأ السيد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان يعود من جولة حتى يبدأ أخرى، فمنذ توتر العلاقات مع روسيا والرئيس يجول العالم شرقًا وغربًا لإيجاد أسواق لتصدير المنتجات التركيا عوضًا عن الأسواق الروسية، ولم يذهب الرئيس في جولة إلا والطائرة ممتلئة يرافقه فيها رجال أعمال واقتصاديين ووزراء لتوقيع العقود واقتناص الفرص الاستثمارية في البلاد التي يذهب إليها، فذهب الرئيس في زيارة رسمية في بداية شهر فبراير إلى كل من تشيلي والإكوادور والبيرو في سبيل تقوية الروابط الاقتصادية التركية وترسيخها مع دول أمريكا الجنوبية؛ إذ وصل حجم التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار عام 2014 لتتوسع التجارة بين تركيا ودول أمريكا بنسبة 800% على مدى سنوات العقد الماضي.
“غدا هو عيد ميلاد السيد الرئيس ألفا، وبهذه المناسبة أريد أن أقدم بشرى سارة لكم، ستقوم بلدية إسطنبول بإهداء العاصمة الغينية كوناكري 50 حافلة نقل داخلي وسيقومون بإجراء العناية اللازمة على الحافلات من الألف إلى الياء كما سيتم تدريب الطاقم الذي سنصطحبه معنا من هنا إلى تركيا وبعد الانتهاء من تدريبهم سيتم إرسال خمسين حافلة معهم إلى غينيا”.
كان هذا ختام زيارة الرئيس أردوغان لدولة غينيا عاقدًا عدة لقاءات مع الرئيس الغيني ألفا كوندي، حيث وقّع البلدان عدة اتفاقيات في مجالات مختلفة أبرزها الصحة والسياحة والطاقة والتعاون العسكري والكهرباء والتعدين والبيئة، وتم تأسيس مجلس أعمال مشترك بين البلدين، وشدد أردوغان على أن تركيا تريد أن تأتي إلى غينيا بروابط الإخوة فهي “دولة صديقة وشقيقة” لا “بالاستعمار كما فعل الغير في الماضي”، وأعلن أردوغان انطلاق رحلات الخطوط الجوية التركية من بلاده إلى غينيا بدءًا من يونيو المقبل، وكانت غينيا هي ختام الجولة التي قام بها أردوغان إلى أفريقيا بدأها بساحل العاج وغانا ونيجيريا.
وحال عودة الرئيس ذهب أحمد داود أوغلو إلى إيران مطلع الأسبوع الماضي لمناقشة سبل زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين في المرحلة المقبلة وتم عقد لقاءات مشتركة بين رجال أعمال من البلدين، واصطحب أوغلو معه وفدًا اقتصاديًا ضم وزراء الاقتصاد والجمارك والتجارة والطاقة والشحن والمواصلات والتنمية والملاحة البحرية ومجموعة من رجال الأعمال، وأكد أوغلو أن بلاده تستهدف رفع حجم التبادل التجاري مع إيران من 10 إلى 30 مليار دولار في المرحلة المقبلة خصوصًا بعد رفع العقوبات عن طهران ونيتها جذب الاستثمارات الأجنبية إليها لتطوير اقتصادها الوطني، ولهذا سيتم افتتاح مركز تجاري تركي في طهران بهدف الحصول على مكانة أكثر قوة ونفوذًا في السوق الإيرانية بحسب رئيس مجلس المصدرين الأتراك وتتوقع تركيا تعزيز الشراكات الاقتصادية مع إيران في مجال تجارة التجزئة.
كما صرح داوود أوغلو خلال الزيارة “لقد ناقشنا رفع مستوى العلاقات الثنائية من أجل تعزيز التعاون في مجال الطاقة والخدمات المصرفية والنقل والسياحة وذلك سيمكننا أيضًا من حل الخلافات السياسية في المنطقة”.
إلا أنه وبحسب محللين فإن الأسواق الجديدة التي تحاول تركيا جاهدة فتحها تواجه معها تحديات جمة أهمها البُعد الجغرافي؛ فالنجاح الذي حققته تركيا على الصعيد التجاري كان على مستوى آسيا وأوروبا القريبة من تركيا والتي تأثرت وتيرتها بعد الأزمة المالية التي ضربت المنطقة عام 2008 ومشاكل اقتصادية في اليونان وبلغاريا وأثرت على التجارة الخارجية فضلاً عن الاضطرابات الحاصلة في العراق وسوريا ودول عربية أخرى، إذن رحلات مكوكية تنطلق من تركيا إلى دول أفريقيا وإيران وأمريكا والدول العربية سعيًا منها لدرء الفجوة التجارية التي خلفتها الدول المجاورة مع تركيا.
الخبير الاقتصادي عبد الله كاراكوش المرافق لأردوغان في زيارته الأفريقية قال لموقع صحيفة “ميلييت” الإلكترونية إن الزيارة حملت أفق التعاون الاقتصادي مع القارة السمراء بعد تأثر الصادرات التركية نتيجة لما تمر به منطقة الشرق الأوسط_ التي تشكل سوقًا استهلاكيًا مهمًا لها_ من أزمات سياسية حادة، وقال أيضًا إن الدول الأفريقية تتشابه إلى حد كبير في الفرص الاستثمارية التي تعرضها، مؤكدًا أن هناك الكثير من المشاريع التي تقدمها هذه الدول ولكنها تحتاج إلى من يتعاون معها ويمدها بالخبرة والمعدات اللازمة لتحقق نهضتها الداخلية وتعود على الشركات الأجنبية المستثمرة بمردود جيد.
ويقدر التبادل التجاري بين القارة السمراء وتركيا منذ تولي داود أوغلو وزارة الخارجية عام 2009 بنحو 24.4 مليار دولار وتسعى تركيا لرفع حجم التبادل التجاري مع أفريقيا إلى 50 مليار دولار.
ولو استثنينا البُعد الجغرافي بين تركيا والقارة الأفريقية فإن هناك تحدٍ آخر وهو المنافسة المحتدمة مع الصين وفرنسا ودول أخرى كانت قد سبقت تركيا قبل سنوات إليها وبدأت بمشاريع استثمارية وتقدم معونات ومساعدات مالية وتظفر بالمشاريع الاستثمارية الدسمة هناك.
والجدير بالذكر أنه بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الجمارك والتجارة الخارجية فقد سجلت الصادرات التركية ارتفاعًا خلال شهر فبراير الماضي بنسبة 3.25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث قدرت قيمة المواد المصدرة 12.414 مليار دولار في حين تراجعت الواردات من الخارج بنسبة 7.66% مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي حيث قدرت قيمة الواردات 15.580 مليار دولار وعليه فقد تراجع عجز الميزان التجاري الخارجي بنسبة 34.71% خلال الشهر الماضي.
علما أن الصادرات التركية شهدت تراجعا بنسبة 8.7% العام الماضي حيث بلغت 144 مليار دولار للعام 2015 مقارنة بالعام 2014 الذي وصلت فيه حجم الصادرات 157.6 مليار دولار، فهل تثمر زيارات أردوغان المتفرقة لدول العالم بتحسين هذه الأرقام على المدى المتوسط.
من الواضح أن تركيا تحاول إعادة بوصلتها الاقتصادية لردم الانخفاض الحاصل في اقتصادها العام الماضي من خلال عمل شبكة علاقات تجارية واسعة النطاق مع دول العالم سواء قربت أو بعدت المسافة الجغرافية، كما تحاول في هذه الانطلاقة أن تكون براغماتية إلى حد ما حيث سعت للتقرب من إيران وزيادة أواصر التعاون الاقتصادي بين البلدين على الرغم من الاختلافات السياسية الجوهرية بينهما في الملف السوري.