ترجمة حفصة جودة
إنني شخص مهم جدا ومشغولٌ جدا، ففي كثير من الأحيان أستيقظ ولا يكون لديّ وقت لتناول الفطور، لأن لدي الكثير لأفعله، وعادةً ما أتفقد بريدي الإلكتروني في مترو الأنفاق حتى أستطيع البدء في العمل سريعًا عندما أصل لمكتبي في مانهاتن، ولكن كما تعلمون، من المستحيل القيام بذلك دائما فلدي رسائل كثيرة في بريدي الإلكتروني.
ليس لديّ مكتب رئيسي، لكن لنقل أنني أجلس في ركن المكتب، ومن هذا الركن، أقضي يومي منشغلة بالتواصل مع الناس وإضافة الأشخاص لصفحتي الشخصية على موقع “لينكد إن”، وفي بعض الأحيان يتخلل اليوم الكثير من التواصل حتى أتساءل إن كنت قد أصبحت ثملة.
بالطبع أنا مرحة، فيجب علي أن أخفي أوهام العظمة للتفكير في وظيفتي التي لا معنى لها في الإعلان بتلك الشروط، هذه الأوهام ليست أمرًا سيئًا، في الحقيقة إذا كنت ترغب في المضي قدمًا بعالم الشركات، فهذه الأوهام ضرورية، فإذا كنت ترغب في قضاء حياتك في العمل بجنون فيجب أن تشعر أنك تقوم بأمرجلل وأنك شخص مهم، ولهذا السبب تقوم الشركات،خاصة الأمريكية منها، بمنحك ألقاب مثل الرئيس، ونائب الرئيس، أو مدير هذا وتلك.
يجب أن تتعلم أيضًا التحدث بلغة خاصة متأنقة تلائم الإجراءات العادية في لعبة التغيير والإسهاب بكلمات من خارج الصندوق، ولهذا السبب نحن جميعًا “مشغولون”، بالرغم من أننا مشغولون فقط بالعمل المتواصل.
وأخيرًا، فلهذا السبب يشعر بعض الناس بأن هناك مبررًا لحصولهم على رواتب كبيرة بشكل غير متكافىء من العمل في المنزل بوظائف تساهم بنسبة قليلة في المجتمع.
إذا كنت موهومًا تمامًا فمن المرجح أنك تشعر بخيبة أمل في حياتك العملية، بالطبع من المحتمل أن يكون لديك عمل تحبه وذو معنى، أو أنك ببساطة تشعر بالسعادة للحصول على راتب من العمل وأنك تحقق ذاتك خارج المفاهيم الرأسمالية المحددة للنجاح، ولكن من أجل الفقرة التالية، دعونا نبقى مع هؤلاء الذين يشعرون “بخيبة أمل” إن لم يكونوا “بائسين تمامًا”.
في دراسة حديثة أجرتها كلية لندن للمال والأعمال، وجدت أن 47% من العاملين في المملكة المتحدة يرغبون في تغيير وظائفهم، وقد قفز الرقم إلى 66% بين جيل الألفية (ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و34)، بالإضافة إلى ذلك، وجد التقرير أن حوالي نصف العاملين يخططون لترك وظائفهم هذا العام.
يبدو أن الاستقالة قادمة، فأكثر من ثلاثة ملايين أمريكي استقالوا من عملهم في ديسمبر الماضي، وهو أعلى رقم منذ عشر سنوات، وهذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي يبلي بلاءًا حسنًا، ولكنه يشير أيضًا إلى أن مواقفنا تجاه العمل قد تغيرت، ففجأة أصبحت الاستقالة هي الاتجاه الجديد.
هذا هو محور النقاش حول تغير المواقف تجاه العمل، حيث يخوض الناس في تعميمات متذمرة بعنوان جيل الألفية، ولا يفهمون كيف يعمل “العالم الحقيقي”، ويتوقعون أن تُقدَّم لهم وظائف ممتعة وبرواتب جيدة على طبق من ذهب، هؤلاء الأطفال لن يشعروا بالرضا حقًا إلا إذا أصبحوا رؤساء وزارة، أو حصلوا على جائزة نوبل في الأدب، وحتى ذلك الحين، فهم ما زالوا يتساءلون، هل أتّبع شغفي حقًا؟
الشعور بالضغط نتيجة العمل في وظيفة لا تقبلها، هو بالطبع مشكلة وجيهة جدًا، لكن أتعلمون ما المشكلة أيضًا؟ القبول بأن العالم الذي صنعته الرأسمالية هو العالم الحقيقي وأنه يعمل بطريقة معينة ولذا ينبغي علينا العمل بنفس الطريقة.
إنني مؤيدة كبيرة للاستقالة، فأنا أفعل ذلك بانتظام، فقد بدأت أول استقالة من عملي بالمحاماة، فقد وجدت نفسي نوعًا ما بالطريق الخطأ في هذا العمل من البداية، وبعد دراسة الأدب الإنجليزي –والذي يعتبر أساسًا ممتازًا للعيش في خيبة أمل دائمة، حصلت على وظيفة في شركة محاماة حيث يبدو أن هذا ما يفعله الكثير من الناس، فهم يمولون دورة تحويل قانونية، ويلي ذلك عقد تدريب لمدة عامين بأجر جيد، فيبدو أن الأمر لا يستحق عناء التفكير.
كتب الباحث والمؤلف نسيم طالب قائلًا: “أخطر أنواع الإدمان ثلاث، وهم الهيروين والكربوهيدرات والراتب الشهري”، في الحقيقة يبدو أن العديد من تلك الوظائف العليا المرغوبة، تضع حجر الأساس لإدمان المال مدى الحياة، حيث تعتاد على نمط حياة معين وبعدها بقليل ترتبط به برهن عقاري، وأحيانًا لا يتعلق الأمر بالمال، بل بالوضع الاجتماعي، حيث يصبح لديك إجابة مثيرة للإعجاب عندما يسألك الناس: ماذا تفعل؟
أفضل ما تفعله إذا أردت تجنب وضع إدمان الراتب هو الاستقالة قبل التقدم في العمل، وقبل أن تترقى في السلم الوظيفي للمرحلة التي يصبح فيها كسب القليل من المال أمرًا غير وارد.
بالنسبة لي، كان من السهل القيام بذلك مع عملي بالمحاماة، لأنني كنت سيئة بالفعل في هذا العمل، فقد كنت أعمل في قضية تتعلق بالآيس كريم والتي كانت مستمرة لمدة 19 عامًا، وبدأت في مشاهدة كوابيس ليلية عن الآيس كريم.
ومع ذلك، في بعض الأحيان نجد أن المؤشرات غير واضحة، فعمري الآن 32 عامًا، مما يضعني في مرحلة اللاعودة، إنها المرحلة مابين عمر الـ 29 و الـ 35 عامًا، حيث يصبح من الأسهل التوقف عن التفكير في الاستقالة وتجاوز هذا الأمر، فهي تشبه قليلًا انتهاء وقت سياسة إرجاع حذائك، لكن بالنسبة لحياتك.
في مرحلة اللاعودة، تتخلى عن أحلامك الحمقاء التي تمسكت بها كثيرًا وتقبل بدلًا منها بالعالم الحقيقي، ويبدو أن هذا ما يفعله الكثير من زملائي حقًا؛ فالكثيرون ممن كانوا شعراء يحاولون الآن المشاركة في شركة محاماة، ونتيجة لذلك، فقد قررت الاستقالة من عملي مرة أخرى حتى أستطيع الحصول على وقت مستقطع، واستجماع قواي العقلية، واستعادة بعض تصوراتي والتوقف عن الانشغال بالتواصل مع الناس، ويجب أن آخذ ذلك على محمل الجد.
في المستقبل، آمل أن تقوم التكنولوجيا بأتمتة بعض الوظائف بما يمنحنا فرصة لنقوم بإعادة تعريف أنواع عملنا نحو الأفضل، ولندرك نوع العمل الذي نقدّره، وفي الوقت نفسه، فهناك الكثير مما يمكن قوله حول التوقف عن سباق الفئران، حتى لا تجد نفسك أحد هؤلاء الأشخاص الذين يقضون حياتهم مشغولين، ومشغولين، ومشغولين، فالمنشغل دائمًا لا يفعل أي شيء على الإطلاق.
المصدر : الغارديان