يواصل البرلمان التونسي، اليوم، مناقشة مشروع قانون أساسي عدد (2014/ 55) المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة بعد أن تمت مناقشته والمصادقة عليه في لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في البرلمان.
ويضمن مشروع هذا القانون حقّ كل شخص طبيعي أو معنوي في النفاذ إلى المعلومات التي بحوزة الهياكل العمومية وذلك بغية تعزيز مبدأي الشفافية والمساءلة في القطاع العمومي، تحسين جودة الخدمات العمومية ودعم ثقة المواطنين بالهياكل العمومية، تحسين مسار اتخاذ القرار عبر دعم مشاركة العموم في وضع السياسات العمومية، وتحسين أساليب التنظيم والتصنيف والتصرف في الوثائق التي تنشئها أو تحصل عليها الهياكل العمومية.
واعتبرت الجمعية التونسية للصحافيين البرلمانيين أن الصيغة النهائية من مشروع القانون المتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة لا يستجيب إلى مقتضيات الفصل 32 من الدستور الذي يلزم الدولة بضمان الحق في النفاذ للمعلومة ويعدّ التفافًا على هذا الحق، وينص هذا الفصل على “تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة، وتسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال”.
وعبرت الجمعية في بيان لها تلقى نون بوست نسخة منه، عن امتعاضها مما وصفته بالارتجال والتسرع في المصادقة على الصيغة الثانية من المشروع في ظروف تثير الشبهات بعقد 5 جلسات دون تشريكٍ أو استماع إلى الهياكل المعنية والمنظمات ذات الصلة.
واتهمت العديد من منظمات المجتمع المدني والهياكل الصحفية في تونس لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بإقصائها من مناقشة الصيغة الجديدة لمشروع القانون، واعتبرت المنظمات أن ذلك يعكس سلوكًا مريبًا يخدم رؤية الحكومة للنصّ ويؤسس إلى الامتناع عن تقديم المعلومة لا ضمان حق النفاذ إليها.
ودعت الجمعية مجلس نواب الشعبإلى التروي قبل المصادقة على هذه الصيغة وعدم الانخراط في عملية التضييق على الحق في النفاذ إلى المعلومة بإغراق النص بالاستثناءات وتقنين التعتيم على المعلومة وغلق المنافذ أمام بلوغ الحقائق، و”تأجيل النظر في هذا المشروع من جلسة 8 مارس 2016 إلى موعد لاحق نظرًا لأهمية هذا المشروع ولدقّة محتواه وفتح المجال أمام تعديله من قِبل نواب الشعب استئناسًا بآراء المنظمات والجمعيات المتصلة بالحق في النفاذ إلى المعلومة”.
بدورها طالبت نقابة الصحفيين التونسيين ومنظمة بوصلة (منظمة غير حكومية تعني بمراقبة أعمال البرلمان)، بتغيير الفصل 24 المتعلّق بالاستثناءات في مشروع قانون الحق في النفاذ إلى المعلومة.
ويقر الفصل 24 من المشروع الأساسي المعلق بحق النفاذ إلى المعلومة بأحقية الھیكل المعني أن یرفض مطلب النفاذ إلى المعلومة بمجالات الأمن والدفاع الوطني، العلاقات الدولیة، المصالح الاقتصادیة للدولة والغیر، سیر الإجراءات أمام المحاكم والبحث في الجرائم و الوقاية منھا، حمایة الحیاة الخاصة والمعطيات الشخصية، المصالح التجارية المشروعة للھیاكل الخاضعة لأحكام ھذا القانون والغیر بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والصناعية والمداولات وتبادل الآراء ووجھات النظر والاستشارات.
بدوره اعتبر نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، أن “تمرير مشروع قانون النفاذ إلى المعلومة في شكله الحالي هو طعنة في مسار الانتقال الديمقراطي وتعبيد الطريق لعودة الاستبداد”، وأضاف: “مناقشة مشروع القانون والتصويت عليه سيرفع القناع عن الأحزاب والجهات السياسية التي ستشرّع للفساد والاستبداد”.
كما اقترحت الجمعيات المهتمة بهذا الشأن اعتماد الصيغة الأولى التي توصّلت إليها لجنة الحقوق والحرّيات والعلاقات الخارجية قبل سحب المشروع من قِبل الحكومة يوليو الماضي، والتي تنصّ على أن “للهيكل المعني أن يرفض طلب النفاذ إلى المعلومة التي يمكن أن ينجرّ عن النفاذ إليها ضرر بالأمن أو الدفاع الوطني أو بالعلاقات الدولية أو بحقوق الغير في حماية حياته الخاصة ومعطياته الشخصية وملكيته الفكرية”.
وشددت هذه الجمعيات على ضرورة الحد من الاستثناءات والعودة إلى الفصل 32 من الدستور الذى كرس الحق في النفاذ إلى المعلومة والتقيد بالضوابط الواردة في الفصل 49 من الدستور وبتحديد مفهوم الضرر في القانون حتى لا يستغل الأمر بغية حجب المعلومة وبتوصيف الضرر بالجسيم.
وينصالفصل 49من الدستور التونسي على أن “يحدّد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها، ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها، وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك، لا يجوز لأي تعديل أن ينال من مكتسبات حقوق الإنسان وحرياته المضمونة في هذا الدستور”.
وأكدت هذه الجمعيات أن الدستور التونسي وضع ضوابطًا واضحة لحماية حقوق الغير والمعطيات الشخصية والأمن والدفاع الوطني، ولا داعي لتجاوزها لمزيد التضييق على الحق في الحصول على المعلومات الإدارية.
في مقابل ذلك كتبت النائبة فريدة العبيدي تغريدة في موقع البرلمان التونسي على تويتر تعقيبًا على الجدل الحاصل حول الاستثناءات التي يقرها مشروع هذا القانون “لا حق مطلق وبالتالي يجب احترام الاستثناءات التي أوردها مشروع القانون”.
وكتبت النائبة سناء المرسني “الحق في النفاذ إلى المعلومة غير مطلق لذلك هنالك جملة من الضوابط التي يجب احترامها خاصةً مع الوضع الراهن للبلاد”.
بدورها كتبت النائبة رابحة بن حسين تغريدة في موقع البرلمان “هذا القانون هو أساس تحقيق الشفافية، لكن هذا الحق في النفاذ إلى المعلومة لا يجب أن يكون مطلقًا”.
ومن شأن تكريس الحق في النفاذ إلى المعلومة أن يساهم في إرساء ثقافة المحاسبة ومطالبة الحكومة بالتصرف الرشيد وتكريس مبدأ الشفافية والمصداقية وتقييم أداء الحكومات والمسؤولين وتعزز قدراته التي ستساعده في كشف حالات الفساد وصولاً إلى التقليل من وجوده في مؤسسات الدولة.