ترجمة وتحرير نون بوست
أثارت الاتهامات التي أطلقها وزير الداخلية المصري يوم الأحد المنصرم حول اغتيال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للنائب العام المصري، نقاشًا مستعرًا حول مصداقية وسلوك الأجهزة الأمنية المصرية في خضم كفاحها لمواجهة الهجمات المستمرة من قِبل المسلحين، حيث أشار وزير الداخلية المصري، اللواء مجدي عبد الغفار، في مؤتمر صحفي بأن أعضاء الجماعة الإسلامية نفذوا التفجير الذي أودى بحياة النائب العام هشام بركات في يونيو الماضي، بعد أن خضعوا للتدريب على أيدي مجموعة حماس المسلحة في قطاع غزة، وبالتنسيق مع قادة الإخوان المنفيين الذين يعيشون في تركيا.
يأتي هذا الاتهام في الوقت الذي تواجه فيه وزارة الداخلية المتعثرة تمحيصًا وتدقيقًا متزايدًا جرّاء الاتهامات رفيعة المستوى التي تطالها حول الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن المصرية؛ ففي فبراير المنصرم، اتهم ناشطون قوات الأمن المصرية بقتل طالب الدكتوراه الإيطالي، جوليو ريجيني، الذي اختفى وسط القاهرة في أواخر يناير الماضي، ووجدت جثته مع علامات تعذيب بادية عليها، وجنبًا إلى جنب مع قضية مقتل الطالب، تجابه الداخلية تحقيقات بقضية منفصلة حول قيام ضابط شرطة مصري بقتل سائق في شوارع القاهرة، ونتيجة لذلك تجددت دعوات جماعات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام المصرية والمشرعين لإجراء إصلاحات حقيقية في قطاع الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية، وهي مجموعة من المؤسسات التي تمثل إرث عقود من الحكم الاستبدادي الذي شهدته البلاد على مدى تاريخها الحديث، حيث يقول المحللون بأن هذه السجالات وغيرها من المرجح أن تكثّف الشكوك الدولية حول مسؤولية وزارة الخارجية عن حوادث القتل.
“الكثير من المحللين يتوقعون بأن الجناة الذين يقفون خلف اغتيال النائب العام هم على الأرجح عناصر مارقة من المؤيدين للإخوان المسلمين، ولكن هذا لا يعني بأن التصريحات الأخيرة لوزارة الداخلية المصرية ستُأخذ على محمل الجد”، يقول هشام هيلير، الباحث في الشؤون العربية في مجلس الأطلسي في واشنطن والمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، ويتابع: “مصداقية وزارة الداخلية المصرية على الصعيد الدولي وصلت إلى أدنى مستوياتها، سيّما في ضوء التقارير واسعة النطاق حول موت وتعذيب الطالب الإيطالي في القاهرة، فضلًا عن حالات الاختفاء القسري، مما سيقوض أي جهود تمارسها الوزارة لإلقاء اللوم على أي طرف، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين”.
يهدف التصريح الأخير لوزير الداخلية المصري لتسليط الضوء على أحد أكثر حوادث العنف السياسي حيرة وإذهالًا التي وقعت في مصر بالسنوات الأخيرة، تلك الحادثة التي هزت كيان المؤسسة السياسية في البلاد، حيث توفي بركات متأثرًا بجروح أصيب بها جرّاء تفجير سيارته في وضح النهار في أحد أرقى أحياء القاهرة في يونيو عام 2015، في عملية اغتيال استهدفت أرفع مسؤول حكومي في مصر منذ 25 عامًا.
جاء مقتل بركات وسط موجة من الهجمات التي أعقبت إطاحة الجيش المصري بالرئيس الإسلامي محمد مرسي من السلطة في يوليو 2013، حيث أعلن المقاتلون الذين يتخذون من شبه جزيرة سيناء مقرًا لهم، والذين يدينون بالولاء حاليًا لتنظيم داعش، عن مسؤوليتهم عن العديد من الهجمات القاتلة التي نُفّذت بالمقام الأول ضد أعضاء قوات الشرطة والأمن، كما أعلنت الجماعة، التي تطلق على نفسها اليوم اسم “ولاية سيناء” التابعة للدولة الإسلامية، مسؤوليتها عن إسقاط طائرة روسية في أكتوبر عام 2015، مما أسفر عن مقتل 224 شخصًا، حيث اعترف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإسقاط الطائرة نتيجة لأعمال أرهابية للمرة الأولى في يوم 24 فبراير، بعد أشهر من مقاومة حكومته لاستنتاجات المسؤولين الروس وغيرهم الذين أكدوا بأن الحادث كان عملًا من أعمال الإرهاب.
عملية اغتيال بركات تشكل هجومًا معقدًا ومتطورًا يتطلب مستوى عالٍ من الخبرة والتخطيط، ولكن خلافًا لغيره من الهجمات، لم تعلن أي جهة عن مسؤوليتها الواضحة عن اغتيال المدعي العام، وفي هذا السياق، أعلن اللواء عبد الغفار في تصريحاته الصادرة يوم الأحد، بأن يحيى موسى، وهو عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي كان يشغل منصب الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة تحت حكم مرسي، قد ساعد في تنظيم الهجوم من تركيا، وهو المكان الذي فر إليه بعض مسؤولي الإخوان بعد استيلاء الجيش المصري على السلطة، حيث أشار الوزير إلى إرسال أعضاء المؤامرة المزعومة لتلقي التدريب على الأسلحة مع حركة حماس في قطاع غزة، كما وصرحت وزارة الداخلية في بيان لها بأن العناصر المزعومين المشاركين في الهجوم دخلوا مصر عن طريق السودان بمساعدة المهربين، وأنه تم القبض على حوالي 48 شخصًا ممن شاركوا في المؤامرة المفترضة.
عمرو دراج، الذي شغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة مرسي، نفى هذه الاتهامات جملة وتفصيلًا في مقابلة أجرتها معه صحيفة التايم عن طريق الهاتف من منفاه في تركيا، “هذه ليست منهجية الإخوان”، قال دراج، وتابع: “الجماعة عبّرت مرارًا وتكرارًا بأن السلمية هي النهج الصحيح لمواجهة النظام، فلو كان العنف هو منهج الإخوان المسلمين، لشاهدنا المزيد من الفوضى، أكثر مما نراه في الوقت الراهن”.
وجدير بالذكر أيضًا بأن حركة حماس نفت اتهامات الوزير المصري، علمًا بأن اتهامات وزارة الداخلية المصرية من المحتمل أن تعرقل أي جهد للمصالحة ما بين مصر وحماس، الحركة التي يمكن أن نُرجع جذورها إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ فلسنوات عديدة تحت عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حافظت القاهرة على علاقة ثابتة مع حماس، حيث غالبًا ما كان يتم استخدام النظام المصري كوسيط ما بين الحركة وإسرائيل، ولكن بعد عام من العلاقات التي شهدت انخراطًا أكثر ودية تحت إدارة مرسي، تدهورت العلاقات المصرية مع حماس في أعقاب الانقلاب العسكري، بالتزامن مع إطلاق حكومة السيسي لحملة شعواء ضد الجماعات الإسلامية.
علاوة على ما تقدم، تبرز تصريحات اللواء عبد الغفار التي تورط قادة الإخوان المسلمين الذين فروا إلى تركيا في أعقاب الانقلاب العسكري لعام 2013 في عملية اغتيال بركات، العلاقة المتوترة بشكل متزايد ما بين القاهرة وحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث تمتعت الحكومة التركية ذات الميول الإسلامية بعلاقات أكثر دفئًا مع مرسي والحكومة التي يقودها الإخوان المسلمين قبل عام 2013، كما قدمت اللجوء لبعض القادة الإسلاميين المنفيين بعد الإطاحة بمرسي.
“سوف تفسر القاهرة هذه الحادثة على أنها شكل من أشكال الإرهاب الدولي، وهذا الوضع لن يبدو جيدًا بالنسبة لأوراق أنقرة السياسة”، يقول المحلل السياسي التركي دوجو أرجيل، ويتابع: “جميع ذلك يتوقف على صحة الأدلة التي سيتم تقديمها، لأن هذه الاتهامات قد تكون مجرد إشاعات مغرضة كذلك”.
المصدر: التايم الأمريكية