يتابين البشر في رأيهم عن السعادة، فالسعادة بالنسبة للكثير هي وسيلة، بينما هي غاية لآخرين، أو هي مجرد شعور لحظي، يتابين في شدته وضعفه مع الزمن وعلى حسب الحالة المزاجية والعوامل المحيطة، فعلى سبيل المثال عند ابن حزم، المفكر في الفلسفة الإسلامية، أنه مهما تباين الناس فإن هدفهم في هذه الحياة هو إزالة الهم، فهو مذهب اتفقت عليه الأمم منذ بدأ الخليقة وحتى يوم الحساب، الناس في دائرة مستمرة عن البحث عن راحة البال، وإزالة الهم، وصولًا إلى السعادة، يقول ابن حزم في كتابه الأخلاق والسير في مداولة النفوس: “طلبْتُ غرضًا يستوي الناس كلهم في استحسانه وفي طلبه، فلم أجده إلا واحدًا، وهو طرد الهم، فلما تدبرته علمْتُ أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه فقط، ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم وتبايُن هممهم وإراداتهم، لا يتحركون حركة أصلاً إلا فيما يعانون به إزاحته عن أنفسهم”.
هناك فرق بين الوصول إلى الرضا عن النفس، والوصول إلى السعادة، الرضا عن النفس ينعكس على أدائك واختياراتك في الحياة، أما السعادة فهي مجرد شعور، لا يمكن لإنسان أن يكون سعيدًا للأبد، ولا حتى طوال يومه، السعادة تأتي وتذهب كما يفعل الحزن، فالبعض يحب أن يصفها بأنها الموقف الذي تتمنى فيه للزمن أن يتوقف، على الرغم من أنك متأكد أنه لحظي وسيمر بأسرع مما تتخيل.
كيف هي السعادة عند فلاسفة المسلمين؟
الفارابي، والذي يحتل وزنًا استثنائيًا في الفلسفة الإسلامية، فهو المعلم الثاني بعد أرسطو، والمؤسس الثاني للفلسفة الذي قام بـإعادة تأسيس مصداقيتها في الملة الإسلامية، يقول الفارابي عن السعادة، “العلم المدني يفحص عن أصناف الأفعال والسير الإرادية، وعن الملكات والأخلاق والسجايا والشيم التي عنها تكون تلك الأفعال والسير، وعن الغايات التي لأجلها تفعل، وكيف ينبغي أن تكون موجودة في الإنسان، وكيف الوجه في ترتيبها فيه على النحو الذي ينبغي أن يكون وجودها فيه، والوجه في حفظها عليه، ويميز بين الغايات التي لأجلها تفعل الأفعال وتستعمل السير، ويبين أن منها ما هي في الحقيقة سعادة، وأن منها ما هي مظنون أنها سعادة من غير أن تكون كذلك، وأن التي هي في الحقيقة سعادة لا يمكن أن تكون في هذه الحياة، بل في حياة أخرى بعد هذه، وهي الحياة الآخرة”.
ببساطة يحاول الفارابي القول بأن غاية الإنسان في تحصيل السعادة تبدأ قي تحصيله لها في الدنيا في الحياة الأولى، والسعادة القصوى في الحياة الآخرة، بحيث يتوقف ذلك على النيل والمعرفة.
هل السعادة إرضاء لشهوات البدن، أو العقل أم القلب؟
المذهب الأفلاطوني – الأرسطي يمجد العقل، ويجد أن إشباع رغباته أسمى منزلة من إشباع رغبات البدن، اعتبر هذا المذهب أن من يؤمنون بأن السعادة هي إشباع للشهوات واللذات هم من العامة الرعاع، واختزلوا كل قوى الإنسان في إشباع رغباته البدنية، كما صور هذا المذهب بأن من يُكرس حياته من أجل تحصيل الملذات فإنه قد رضى بأرخص أنواع العبودية.
هذه بعض الإجابات العشوائية من مختلف الأجناس عن السعادة وما تمثله لهم
لندن، إنجلترا
أعتقد بأنني إذا أحببت نفسي بالشكل الكافي فهذا يُعتبر نوعًا من السعادة، السعادة بالنسبة لي هي أن أتحدى كل الصعوبات التي أواجهها في يومي وحياتي، وأن أعتبرها دروسًا تساعدني في النضوج، وأن تكون سببًا آخر لسعادتي.
تكساس، الولايات المتحدة
يمكنني القول بأن أسعد لحظات حياتي كانت عندما توقفت عن التفكير في نفسي، وبدأت في التفكير فيمن هم حولي، عائلتي وأصدقائي، وأي شخص سواي، فاستطعت أن أتوقف عن قلقي المستمر في البحث عن سعادتي الخاصة، فكلما استطعت جعل من حولي سعداء، صب ذلك في ميزاني أنا، وأصبحت سعيدًا بالتبعية.
كوستاريكا
أعتقد بأن السؤال يضعنا في دوامة من التحدي بعض الشيء، “ما هو السبيل إلى السعادة؟”، كما لو كانت السعادة هدفًا، أو كأنها مخرج في نهاية الطريق، تنتظره أثناء قيادتك بفارغ الصبر، وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة، في حين أن الاستمتاع بالرحلة ذاتها التي يخوضها الإنسان من أجل الوصول إلى راحة البال هي السعادة الحقيقية.
ترتبط السعادة عند أرسطو بفعل الخير، والسعادة تتحدد باللذة، والفضيلة التي تقود إلى السعادة ليست عاطفة أو قوة، بل هي عادة إرادية، ففي النهاية السعادة بالنسبة لأرسطو هي مسألة جماعية أكثر منها فردية.
لا تصدق من يخبرك بأن للسعادة مفاتيح، وأن لها معايير خاصة بها وحدها تختلف عن أي شعور إنساني آخر، وأنها مرتبطة بأشياء كثيرة على الشخص السعيد امتلاكها أو فعلها، السعادة ليست غاية يبحث الإنسان عنها، ولا هي نهاية رحلته في الدنيا، ولا هي المرحلة الأخيرة من تحقيق الذات والشعور بالراحة المطلقة، السعادة ليست بهذه الأهمية، هي تأتي وتذهب، وهي ليست المفتاح للنجاح، ولا يمكن التعامل معها على أنها النهاية على الإطلاق.