مع اقتراب معركة تحرير الموصل، فإن القوة التي ستشارك بالتحرير حُددت ملامحها قبل أيام من قِبل البنتاغون، باعتباره المشرف التنفيذي عن أية عملية ضد داعش في العراق، وهي 8-12 لواءً من الجيش العراقي ولواءين من البشمركة الكردية فضلًا عن وحدات من قوات مكافحة الإرهاب، لكن هناك قوة متمركزة بالقرب من الموصل مكونة من متطوعين من أبنائها تسمى “حشد نينوى الوطني”.
يؤكد محافظ نينوى السابق أن لحشد نينوى دورًا أساسيًا في تحرير الموصل، ويروج لذلك إعلاميًا، إلا أن إشكاليات قانونية ترتبط بهذا الحشد والصورة التي ستمكنه من المشاركة في التحرير، بغياب التوصيف والغطاء القانوني لعمله.
تأسيس الحشد
بعد أن احتل تنظيم داعش مدينة الموصل في حزيران 2014، واقترابه من مدينة سامراء، خرجت المرجعية الشيعية العراقية بفتوى الجهاد الكفائي للدفاع عن المراقد الدينية، واستغل نوري المالكي الذي كان بمنصب رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة إضافة إلى خمسة مناصب أمنية أخرى، هذه الفتوى لتأسيس ما أسماه الحشد الشعبي من المتطوعين، وهو يحاكي فصائل الجيش الشعبي الذي أسسه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين إبان الحرب العراقية الإيرانية، وارتبط في وقتها بمنظمات حزب البعث.
ووضع المالكي غطاءً قانونيًا للحشد الشعبي وجعل منه هيئة وربطه بمنصبه كرئيس مجلس الوزراء، وجمع فيه الفصائل الشيعية المسلحة والمتطوعين، ثم التحقت بالحشد فصائل صغيرة من الإزيدية والمسيحيين في محافظة نينوى، لضمان موطئ قدم في الساحة القتالية في العراق والانتقام من داعش، والعمل تحت غطاء قانوني يتيح لهم تقاضي مرتبات.
حشد نينوى
في كانون الثاني 2015، أعلن محافظ نينوى أثيل النجيفي إضافة لمنصبه كرئيس للجنة الأمنية في المحافظة، عن تشكيل قوة أمنية أطلق عليها الحشد الوطني مستعينًا بحاشيته من ضباط في الجيش السابق أبرزهم العميد يحيى الطالب مسؤول المعسكر حاليًا، وسعى لأن يحاكي تجربة الحشد الشعبي، على الرغم من العداء السياسي بين أثيل والمالكي ومحاولته لأن يكون قوة مستقلة مرتبطة به، لكن في شباط 2015 أعلن أثيل النجيفي عن اعتماد مستشارية الأمن الوطني الوجبة الثانية من الحشد الوطني في معسكر تحرير نينوى بعدد 1032 متطوعًا، مشيرًا إلى أن الوجبة الأولى صدرت قبلها بأسبوع باعتماد 370 متطوعًا، فيما أوضح أن الوجبة الثالثة ستصدر لاحقا بعدد 1650 متطوعًا، وبدا المتطوعون يستلمون رواتبهم من هيئة الحشد الشعبي لوجود غطاء قانوني لارتباطهم بمنصب حكومي رسمي وهو محافظ نينوى.
تواجد الحشد الوطني داخل معسكر في منطقة زليكان 30 كيلومترًا شمال شرق الموصل، بدأ بعدة متطوعين من مقاتلين مقربين من النجيفي حتى أولاده الشاب عبدالله والصبي مصعب دون العشرين عامًا التحقا بالمعسكر، التحق بهم أيضًا ضباط مقربين من هذه العائلة، ثم تدخلت تركيا لرعاية المعسكر من حيث التدريب وبعض الدعم اللوجستي.
إقالة أثيل
في شهر حزيران 2015، أقال البرلمان العراقي أثيل النجيفي من منصبه كمحافظ نينوى بناء على توصية من مجلس المحافظة، وفي أيلول 2015 خسر النجيفي الدعوة القضائي التي رفعها ضد قرار البرلمان وبتت المحكمة الاتحادية بصحة قرار الإقالة واستحق الدرجة القطعية، وبذلك فقد النجيفي مسؤوليته الأخرى المرتبطة بمنصب المحافظ وهي رئيس اللجنة الأمنية العليا للمحافظة والتي من المفترض أن تكون الغطاء القانوني للحشد الوطني.
تم اختيار محافظ جديد لنينوى وهو نوفل العاكوب في تشرين الثاني 2015، وتسلم بذلك كافة الصلاحيات الممنوحة للمنصب ومن ضمنها رئيس اللجنة الأمنية العليا للمحافظة، ولها صلاحيات أمنية في قانون إدارة المحافظات غير المرتبطة بإقليم، من ضمنها الإشراف على أي قوة عسكرية أو أمنية محلية.
النجيفي بقي متمسكًا بإدارة الحشد بالرغم من فقدانه جميع الصلاحيات الرسمية، فضلاً عن المطالبات المتكررة من قِبل عدة جهات بتسليم إدارة المعسكر للمحافظ الجديد حسب السياقات الإدارية، كذلك بهدف إكسابه صفة قانونية تمكن المتطوعين من القتال إلى جانب القوات العراقية ويتم تدريبهم وتسلحيهم من الدولة العراقية والتحالف الدولي، لكن النجيفي أصر على عدم تسليم المعسكر.
غياب الارتباط الحكومي
في نهاية كانون الأول 2015 كشف مجلس محافظة نينوى، أن قوات الحشد الوطني غير مرتبطة بأية جهة حكومية، مؤكدًا وجود ضباط من زمن النظام السابق ضمن هذه القوات، وقال نائب رئيس المجلس نور الدين قبلان في حديث لـ السومرية نيوز، إن “الأربعة أشهر الأولى من تشكيل قوات الحشد الوطني، كان عناصره يتسلمون رواتب من هيئة الحشد الشعبي، ولكن بعد هذه المدة لم يتسلموا رواتب من الهيئة” – وهو توقيت إقالة النجيفي من منصبه من قِبل البرلمان -، مشيرًا إلى أن “قوات الحشد الوطني في معسكر زليكان غير تابعة لأي جهة”.
بسبب رفض النجيفي تسليم حشد نينوى لأي جهة رسمية، لا توجد حتى اليوم أي إشارات حول وجود تنسيق بين الحشد الوطني الذي لا يزيد تعداد مقاتليه عن 1500 في أفضل الحالات، وبين أي جهة حكومية مدينة أو أمنية سواء كانت عراقية أو التحالف الدولي، وربما لديه تنسيق مع البشمركة وهذا واقع حال كون معسكره يقع في منطقة خاضعة لسيطرتهم الأمنية لكن لم يؤشر أي تعاون على مستوى التدريب أو التسليح.
حتى الزيارة التي قام بها وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في نهاية العام الماضي إلى معسكر الحشد جاءت بفعل العلاقة بينه وبين أثيل ولم تكون ذا صبغة رسمية، فلم تقدم وزارة الدفاع أي دعم للمعسكر ولم تعلن عن توصيفه العسكري أو الوظيفي.
كيف سيشارك بالتحرير؟
اليوم ومع بوادر اقتراب عمليات تحرير نينوى، يبقى السؤال: ما هو دور معسكر حشد نينوى في العمليات، إن لم يكن هناك أي جهة ينسق معها وخصوصًا التحالف الدولي الذي يشرف ويدير بشكل مباشر العمليات، وكيف ستكون حركته العسكرية وما هي المهام التي سيقوم بها في معركة التحرير والتي يؤكد النجيفي في أكثر من مناسبة وتصريح، أن لحشد نينوى الوطني “دورًا بارزًا في تحرير الموصل”، وإن لم يقم بكل ما ذُكر فما هي فائدة هذا المعسكر، لماذا يرفض النجيفي وبشدة – إن كانت رغبته الحقيقية من المعسكر تحرير الموصل -، تحويل مقاتليه إلى وحدات عسكرية رسمية للاستفادة من هؤلاء المقاتلين بشكل صحيح.
خشية من مستقبل الحشد
بعض المراقبين والسياسيين من أهالي المحافظة لا يكتمون خشيتهم، فيما إذا استمر غياب الغطاء القانوني لحشد نينوى والتبعية السياسية التي ستحول دون مشاركتهم في عملية تحرير نينوى، فلن يختلف حالهم عن المليشيات أو حتى تنظيم داعش، وسيتحول عناصره إلى مرتزقة يعملون لمن يدفع، لأن غياب المرجعية الرسمية لن يكفل لهم تسديد مرتباتهم.
تركيا تعد الراعي الرسمي للمعسكر كما أعلن أثيل النجيفي، فقد قال في مؤتمر صحفي بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لتأسيس الحشد الوطني 16 يناير 2016، إن “تركيا تدعم الحشد الوطني عبر التدريب والدعم اللوجيستي”، أخبار أخرى في بداية هذا العام لم يتم التأكد من مصداقيتها، أفادت أن تركيا هي من تسدد رواتب معسكر حشد نينوى، فما هو التبويب القانوني أو المالي لمثل هذا الإجراء وما هو المقابل، فإذا كان دعمًا رسميًا لمتطوعين فيجب أن يكون عن طريق السياقات الرسمية وهي حكومة نينوى المحلية، فعندئذ أثيل لا علاقة له بالمعسكر كونه مجرد من أي وظيفة حكومية.
كما هناك خشية من أن يكون هؤلاء المتطوعون عبارة عن مليشيا ولاءهم لمن أسس المعسكر، يستعين بها النجيفي لتعزيز موقعه السياسي بالقوة وضمان عودته إلى المحافظة وإقصاء خصومه السياسيين، خصوصًا وأنه عُرف عن أثيل أنه يرى أن كل من ليس معه فهو خصم يجب إقصاءه.
أو أن يكون هذا المعسكر عبارة عن أداة لدول أو قوة سياسية داخلية وخارجية ولمن يدفع، كما أن النجيفي في وضع قانوني غير مستقر؛ فقد ورد اسمه ضمن قائمة المتورطين بسقوط الموصل بيد التنظيم فضلاً عن ملفات فساد متعددة قد تحيله إلى المحاكم وربما قد يشق طريقه إلى خارج العراق كما فعل مسؤولون كثر، فماذا يكون مصير هذا المعسكر.
تأويلات كثيرة لحشد نينوى، وإيجاد حل سريع لموضوعه وغطائه القانوني بات أمرًا ملحًا، من خلال إبعاده عن أي مرجعية سياسية أو حزبية وجعل مرجعيته الإدارة المحلية لنينوى أو حله وتوزيع مقاتليه على القوات الأمنية، وهو أمر ضروري قبل بدء معركة تحرير نينوى، لقطع الطريق أمام المشاكل المستقبلية بعد التحرير.