غالبًا ما تُعد المرأة المستهدفة الأولى في جميع الحروب والصراعات، ويتم اعتمادها كوسيلة ضغط على الطرف الآخر وكرهينة سهلة للاستفزاز.
عانت النساء في سوريا وما زلن يعانين من أزمة الحرب والاستغلال الذي يتعرضن له، كونهن كما يعتقد أطراف النزاع الحلقة الأضعف التي يسهل السيطرة عليها، وكون العرف والتقليد الاجتماعي السائد في البلاد متعلق بجسد المرأة والحفاظ عليها كشرف أو عرض لا كروح أو كينونة، تستخدم النساء لإذلال الطرف الآخر من خلال تعرضها للاغتصاب والتحرش الجنسي وغيرها من أشكال العنف.
ومع اختلاف المناطق وأطراف النزاع داخل سوريا، تكاد لا تخلو أي منطقة من المناطق المنتشرة من الانتهاك الواقع على النساء، فظروف الحرب السائدة تزيد من حرمانها من حقوقها بشكل مضاعف عن الرجل الذي غالبًا ما يكون لديه الحق في التحكم والسيطرة نوعًا ما على الوضع السائد.
الزواج القسري وظروف الحرب القاسية
مع تفشي التسيب المدرسي والانفلات الأمني، يلجأ بعض الأهل لما يسمى “تحصين” الفتاة بتزويجها تحت السن القانونية، حتى مع عدم موافقة الفتاة على طلب الزواج، وتزداد حالات التزويج القسري أو ما يسمى الزواج المبكر في حالات الحرب، حيث تضطر خلاله قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 12 أو 14 سنة إلى الزواج ممن يكبرهن سنًا أو من أجانب، فقط لأن ظروفهن الاجتماعية والمادية صعبة، وقد زاد من تعقيد هذا الوضع عدم إدراك المجتمع لخطورة العنف والاعتداءات الجنسية خلال النزاعات، فـغلب الأهالي يعتقدون أن لهم الحق في التصرف ببناتهم دون اللجوء إلى رأيهن الشخصي وذلك من باب الحرص عليهن، وتلك الحالات هي من أصعب الحالات التي توثق المشهدية الصعبة التي تتعرض لها النساء في سوريا، حيث إن الفتاة ليس لديها المعرفة بالعنف الواقع عليها، وقد لا تستطيع الناجية إعلان ما تعرضت له، بسبب النظرة الاجتماعية والخوف من نظرات الأقارب، ومما يزيد صعوبة التوثيق والبحث هو عدم قدرة وصول الباحثين إلى مختلف مناطق النزاع في سوريا والاعتماد على شهادات النساء اللاتي التقوا بهن.
أشارت التقارير التي أعدتها الأمم المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية في سوريا إلى تصاعد وتيرة العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي، وازدياد حالات الزواج القسري والمبكر إضافة إلى البغاء وجرائم الشرف وحالات الطلاق، وينتشر هذا الوضع بين النازحين ضمن الأراضي السورية وبين اللاجئين داخل المخيمات وخارجها في الدول المجاورة، ومن الصعب الحصول على أرقام دقيقة تعكس العنف الجنسي في سوريا بسبب امتناع الضحايا عن الإبلاغ بتعرضهم لمثل هذه الانتهاكات.
التحرش داخل الأفرع السورية
“حاول التحرش بها بإصبعه ليتأكد أنها ليست عذراءً…”
تقول الناجية إن المحقق داخل الفرع الأمني التابع للنظام السوري وخلال عملية التفتيش حاول التحرش بها، ولم يقف عند تلك المحاولات بل حاول إدخال عضوه الذكري في فرجها محاولًا استغلال وضعية القرفصاء، ولكن الفطريات النسائية التي أُصيبت بها بسبب سوء النظافة داخل الأفرع التي تنقلت بها، كانت سببًا لكي يتوقف عن عملية اغتصابها والتراجع عن انتهاك جسدها.
تتعرض أغلب المحتجزات السياسيات فور وصولهنّ إلى المراكز الأمنية إلى تفتيش بدني مُهين تحت مسمى “الحركات الأمنية” بحسب التقرير الذي صدر عن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وهذا التفتيش يشمل حركات القرفصاء عدة مرات صعودًا ونزولًا لكي يتأكد المفتش من أن المحتجزة لا تُخفِ شيئًا في بطنها.
تروي ناجية أنواع الأوامر التي كان يطلبها المحقق، حيث كان يأمرهن بأن يتحرشنّ ببعضهن البعض أمامه، وبرغم ذلك كان يخاف كثيرًا من أن يتم فضّ غشاء بكارة إحداهنّ، خوفًا من أن تتقدم تلك الفتاة لرئيس الفرع بشكوى في حال طلب مقابلتها، ولكن بدون علمه – أو بتستره – تبقى الأمور تسير على ذلك المنوال طوال فترة التحقيق.
بحسب الشبكة المتوسطية لحقوق الإنسان، واحدة من كل خمس نساء يتعرضنّ للاغتصاب الكامل (هتك غشاء البكارة) داخل الأفرع التابعة للنظام السوري.
تتابع الناجية “لم تسلم السيدات الحوامل من التحرش الجسدي، فهنالك بعض السيدات اللاتي فقدن أجنّتهن داخل السجون من خلال الاعتداء الجنسي عليهن بطريقة عنيفة جدًا، والمترافقة مع الضرب المبرح والذي تسبب بنزيف حاد داخل الرحم أفقدها طفلها”.
وتذكر أيضًا “قد تكون رحلة الذهاب للحمامات المخصصة للمعتقلات، هي رحلة عذاب وموت بالنسبة لهنّ وبيئة ممهدة لعمليات الاغتصاب والتحرش الجنسي”.
بحسب التقرير الصادر عن الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، فإن واحدة من أصل 20 ناجية من الاعتقال لم تتعرض لمضايقة لفظية أو تحرش جنسي داخل الأفرع.
تتابع الناجية: “رغم قسوة سماع أصوات المعتقلين وهم يتعرضون للتعذيب على مدار الساعة، فإن صوت معتقلة واحدة وهي تتعرض للضرب أو للتعليق من ذراعيها – وهو ما يعرف بالشبح – كان كافيًا ليخرجنا عن طورنا، وكنت أتساءل على الدوام إن كان المحقق أو الجلاد يشعر باللذة أو التفوق وهو يعذب المعتقلة، لكي ينتزع منها اعترافات على أفعال لم ترتكبها على الأغلب؟ إلا أنني لم أجد الجواب”.
الحرب تدبك على جسد الأنثى
لا بد من أن التغير الديموغرافي للسكان والحياة المعيشية للنازح السوري داخل البلاد أو خارجها لها أثارها النفسية الكبيرة، وغالبًا ما تكون ضحية تلك الآثار النساء اللواتي يعشن مع الرجال، حيث تكون ضرب الزوجة أو الأخت ذريعة لتفريغ الكبت النفسي الناتج عن الحرب، مما زاد على ذلك عدد حالات الاغتصاب للنساء والأطفال، وارتفع بشكل ملحوظ، مما شكّل ضغطًا سكانيًا على العديد من المناطق ومنها دمشق.
إن المجتمع السوري يتعرض للكثير من المخاطر، نتيجة ظهور بوادر تفكك الأسرة، وخاصة من ناحية العنف الذي تتعرض له كل من المرأة والطفل، حيث إن الأزمة أفرزت هذا العنف غير المقبول، ولا بد من إعادة النظر في القوانين الخاصة بهذا المجال، ولاسيما تلك المواد الواردة في قانون العقوبات السوري التي تظلم المرأة بشكل كبير رغم المطالبات العديدة بتعديله.
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 15 ألف امرأة على يد قوات النظام السوري، واعتقال أكثر من 6500 امرأة، إضافة إلى تعرض أكثر من 7500 امرأة لحالات من العنف الجنسي، إلا أنه وبالرغم من تلك الأرقام لا تزال أفعال العنف المرتكبة ضد النساء السوريات سارية المفعول حتى هذه اللحظة وتتعدى حدود البلاد السورية وتستمر باستمرار الحرب ورحلات النزوح.
القبول المجتمعي للمتعرضات للتحرش والعنف الجنسي
تذكر خبيرة اجتماعية من مركز نون لبناء السلام، أن بعض المعتقلات يتمنّين ألا يخرجنّ من السجن أو لا يصرحّن عن تعنيفهن، لأنهن يعرفن أن أحدًا ما ينتظرهن لكي يقضي على حياتهنّ لأن باعتقالهن أو بتعرضهن للعنف شكلن وصمة عار على مجتمعهنّ، وقد تضطر الناجية للهروب من أهلها وحياتها السابقة فور الإفراج عنها والاتجاه لطريق آخر، مثل اللجوء لمنازل الدعارة والمخدرات أو قد ينعكس أيضًا للنكران والشعور بالإذلال وانعدام الكرامة والانطواء، وقد تواجه الناجيات المتزوجات صعوبة في استئناف حياتهنّ الزوجية، وقد تكون هناك حالات طلاق على شبّاك الزيارات داخل السجون المركزية في أول زيارة للزوج للناجية، وقد يؤدي أيضًا لنبذ الأولاد للأم التي عايشت تجربة الاعتقال والاختفاء المفاجئ بالنسبة لهم، وقد يتطور الأمر إلى القتل تحت مسمى جرائم الشرف من قِبل الأهل بحجة “مسح العار”، فـ 50% من الناجيات لا يتم التعامل معهن بالقبول الاجتماعي حال خروجهن من المعتقلات بحسب جمعية نون لبناء السلام.