محاولة لفهم دونالد ترامب

09wed1web-master675

ترجمة وتحرير نون بوست

قد يعتقد أي شخص بأنه في حال قيام أحد زعماء الدول الصديقة لأمريكا بتشبيه أحد المنافسين المهمين في سباق الرئاسة الأمريكية لأكبر طاغيتين في القرن العشرين، فإن ذلك التصريح قد يفجّر ضجة عارمة، ولكن على الرغم من قيام دونالد ترامب بإهانة لهجة السباق الرئاسي الأمريكي، لم ينبس العالم ببنت شفة عندما انتقده الرئيس الميكسيكي، إنريكي بينيا نييتو، هذا الأسبوع؛ فالأخير لم يعلن فقط عن أن المكسيك لن تشارك بتمويل حائط الفصل الذي اقترح ترامب بناءه على طول الحدود المكسيكية- الأمريكية، بل عبّر أيضًا عن أن هذا النوع من ديماغوجية الخطاب، هو تمامًا “ما أوصل موسوليني وهتلر إلى السلطة”.

قد يكون هذا رد فعل طبيعي نظرًا للكراهية التي أطلقها ترامب مرارًا تجاه المكسيك، ولكن نييتو ليس وحده الذي يشعر بالخوف على نحو متزايد من التصريحات غير المسؤولة والجاهلة التي يلقيها رجل قد يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري، حيث استطاع ترامب الحصول على المزيد من التأييد من ولايتين أمريكيتين أخرتين، هما ميشيغان وميسيسيبي، يوم الثلاثاء الماضي.

في يناير المنصرم، عقد البرلمان البريطاني مناقشة استثنائية حول ما إذا كان يتوجب منع ترامب من زيارة بريطانيا بناءًا على أن تعليقاته حول المسلمين قد بلغت حد “خطاب الكراهية”، ولكن لم يجرِ أي تصويت على الموضوع حينها، وفي الأسبوع الماضي، أدى تقريع ترامب لليابان إلى إثارة موجة ذعر في وزارة الخارجية اليابانية، أما تجاه الصين، فتركت تصريحاته المتذبذبة، ما بين إعلانه لـ”حب” الصينيين والأخرى الملتهبة حول الإجراءات الصارمة التي يتعين اتخاذها ضد الصينين لـ”تمزيقهم بلادنا”، الخبراء والسياسيين في حيرة من أمرهم، وفي هذا السياق، أشار أحد الدبلوماسيين لصحيفة النيويورك تايمز بأن حكومة أجنبية واحدة على الأقل حاولت معرفة المزيد عن مواقف ترامب السياسية من خلال الاتصال المباشر مع حملته الانتخابية، ولكنه لم يتعرف على الوسيط الرسمي لتلك المقاربة.

فكر ترامب السياسي حول العالم يفيض بالسوداوية والتظلم؛ فالصين واليابان والمكسيك وأوروبا وجميع البلدان يجب أن تتوقف عن استغلال الاقتصاد الأميركي، كما يقول، ويجب أن يتم إجبار الحلفاء لدفع المزيد من الأموال مقابل الحماية الأمريكية، وحدود الدولة يجب أن تضحي كتيمة حيال مرور تجار المخدرات والمغتصبين والمجرمين، أما باقي دوامة تصريحات ترامب السياسية، فناجمة عن ردود فعل غريزية وفطرية؛ فهو يرحب بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، سيقصف داعش بالعراق بلا هوادة، سيستأنف أساليب التعذيب من خلال الإغراق بالماء، وسيبقي معتقل غوانتانامو مُشرّع الأبواب.

بالنسبة لمؤيدي ترامب، ترقى هذه الأحاديث لتكون “تصريحًا واضحًا بالحقيقة كما هي” دون مورابة، كما تتلائم مع الوعود التي أطلقها حول “جعل أميركا بلدًا عظيمًا مرة أخرى” بشكل أو بآخر، ولكن بالنسبة لأقرب حلفاء أميركا في أوروبا، والذين عولوا على الولايات المتحدة منذ زمن لتكون مرتكزًا للديمقراطية الليبرالية، فإن مثل هذه التصريحات تدق ناقوس الخطر؛ فهم يدركون، من خلال تجربتهم الشخصية العويصة سواء في الماضي أو بالحاضر، ما الذي عليهم أن يتوقعوه من قادة فاشيين ومحقونين بكراهية الأجانب، ممن يناشدون أسوأ الدوافع لدى الجمهور.

“سواء دونالد ترامب، مارين لوبان، أو خيرت فيلدرز، جميع أولئك الشعبويين اليمنيين، لا يشكلون تهديدًا للسلام والتماسك الاجتماعي فحسب، وإنما يهددون أيضًا التنمية الاقتصادية”، قال نائب المستشارة الألمانية، سيغمار غابرييل، لصحيفة فيلت إم سونتاغ.

لوبان، التي قارنت ما بين المسلمين الذين يصلّون في الشوارع والاحتلال النازي، هي زعيمة حزب اليمين المتطرف “الجبهة الوطنية” في فرنسا، والذي يؤسس غالبية حملته بناء على السياسات المعادية للمهاجرين، أما فيلدرز، رئيس الحزب اليميني الهولندي المتطرف “من أجل الحرية”، فقد أطلق أيضًا تصريحات محتدمة ومتطرفة ضد الإسلام، وطالب بفرض حظر على القرآن، كما ويرى بعض الأوروبيين بأن ترامب هو انعكاس لسيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الإيطالي السابق ورجل الأعمال الثري الذي أحرج وأضر بسمعة بلاده من خلال تهكماته حول موسوليني، سلوكه المبتذل، وسياساته المدمرة.

التعامل مع العالم المعقد والخطير للغاية هي مسؤوليات كبرى ملقاة على كاهل رئيس الولايات المتحدة، ولهذا السبب يرى نييتو وكثيرون غيره صعود ترامب أمرًا مهمًا ومأساويًا على حد سواء.

المصدر: نيويورك تايمز