أعلن تنظيم الدولة الاسلامية تبنيه الهجوم الإرهابي المسلح الذي شنه إرهابيون على مدينة بنقردان التونسية فجر الإثنين الماضي.
وقال بيان صادر عن مؤسسة “البتار” الذراع الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية – سرعان ما تم حذفه من الإنترنت – “إن هذه الأحداث هي معركة العقيدة”، وأكد البيان أنها بداية الحرب التي لا هوادة فيها وأنها تمثل جزءًا يسيرًا من فاتورة تنتظر تونس، مؤكدًا أن العساكر وقفوا في طريقهم الذي سلكوه ولذلك هم وكل من يقف في صفهم سيكون هدفًا لسكاكينهم.
وخصص الجزء الأكبر من البيان بالتوجه إلى الجيش والأمن، حيث تمت دعوتهم إلى “التوبة” – وفق تعبير داعش – وإلا فإن ثمن عكس ذلك ستكون أرواحهم.
ودعت مؤسسة “البتار” الإرهابيين في تونس والخلايا النائمة إلى إعلان الحرب، وقتل كل “صليبي” و”يهودي” يواجههم في تونس.
وقالت مؤسسة “البتار” في بيان آخر لها صدر في وقت متأخر من مساء أمس وحمل توقيع أبي بكر القيرواني: “قريبًا تقفون أمامنا وجهًا لوجه ولتنفعكم وعود فرنسا أو تطمينات أمريكا، فالكل مشغول بنفسه وعالق في ورطته، فإن أقوى الجيوش العربية كما يزعمون يُشيع هلكاه بصفة يومية؛ فكيف بجيش البطون الذي يُعتبر كتيبةً بجيش مصر، فإننا حكمنا البلاد لشهور ببعض السيوف والعِصي، فكيف وقد جهزتنا وزارة الحرب وأمدتنا بالكوادر والخطط؟ وكيف ونحن نرى أسلحتنا بأيديكم؟ فسنغنمها منكم ونقتلكم بها بحول الله وقوته، فابنوا السواتر والثكنات وحصنوا واكثروا من الدفاعات فلن تكون كموصل العراق، فتحها الله رغم كل التحصينات، وإن كنا نعتقد أن القتال معكم لن يطول وستنهار قواكم في أولى الجولات بعون الله، فالخزينة فارغة وأسيادكم مشغولون وشعبكم ساخط عليكم وجيرانكم مُهددون، أما نحن فربنا معنا وهو صادق الوعود”.
وفي تعليقه على الهجوم قال رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، إن الهدف من الهجوم الذي شنه الإرهابيون فجر يوم الإثنين في مدينة بنقردان بولاية مدنين الحدودية مع ليبيا، هو إقامة “إمارة داعشية” – نسبة إلى تنظيم داعش – في المنطقة.
وفي الثاني من مارس، أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في خطاب ألقاه في افتتاح اجتماع وزراء الداخلية العرب بتونس أن “تواصل تدهور الأوضاع في ليبيا يمثل تهديدًا مباشرًا لتونس التي تعد أكثر البلدان عرضة لتداعيات الأزمة في هذا البلد”.
وشهدت مدينة بنقردان، الحدودية مع ليبيا جنوبي البلاد، يوم الإثنين، اشتباكات بين قوات الأمن والجيش التونسيين من جهة، ومسلحين حاولوا مهاجمة مقار أمنية وعسكرية في المدينة من جهة أخرى؛ ما أسفر عن مقتل 46 مسلحًا، وإلقاء القبض على 7 إرهابيين وفق حصيلة رسمية غير نهائية.
وأعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الإثنين أنه أمر ملح لكل المنطقة، ألا يجد تنظيم الدولة الاسلامية بعد اليوم قاعدة خلفية آمنة في ليبيا، ودعا إلى التركيز على تعزيز أمن الحدود التونسية.
وفي 29 فبراير، أعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن بلاده سترسل فريقًا تدريبيًا من نحو 20 جنديًا إلى تونس للمساعدة على الحد من دخول الأشخاص بشكل غير قانوني من ليبيا المجاورة.
وأكدت فرنسا في وقت سابق وقوفها الدائم مع تونس في مجال مكافحة الإرهاب ودعمها في حربها ضد هذه الظاهرة التي أودت بحياة عشرات التونسيين بين مدنيين وعسكريين وأمنيين.
وفي بداية فبراير الماضي، قررت الحكومة التونسية تعزيز الوجود العسكري والأمني على الحدود مع ليبيا، مع تمدد تنظيم “داعش” في الدولة الجارة.
وشرعت الحكومة التونسية منذ 2015 في بناء ساتر ترابي على طول 250 كيلومترًا على الحدود مع ليبيا (الشريط الحدودي طوله 500 كيلومتر)، وتدعيمه بتقنيات مراقبة إلكترونية من خلال التعاون مع ألمانيا وواشنطن وبريطانيا، كما عززت تواجد القوات الأمنية والعسكرية في المنطقة بقرار من رئاسة الحكومة.
وسبق للمكتب الإعلامي لما يسمى “ولاية برقة” التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، أن نشر فيديو ظهر فيه إرهابي تونسي وهو يوجه تهديدات للنظام والشعب التونسيين، حيث قال أبو طلحة التونسي مخاطبًا من أسماهم “طواغيت تونس” (أي السلطة الحاكمة): “سندككم في معاقلكم، ستصل المفخخات من برج الخضراء إلى بنزرت، سنأتيكم بالذبح”.
من جهته حث مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ، التونسيين على مؤازرة جهود الجيش والأمن بقوة في حربهما ضد الإرهاب، ودعا المفتي في بيان له نشر يوم الثلاثاء، إلى هبة تضامنية قوية مع القوات المسلحة الباسلة بمختلف تشكيلاتها العسكرية والأمنية، وأشار إلى أنه لا مكان للإرهاب في أرض تونس.
وأضاف بطيخ “تونس التي استهدفتها مرة أخرى أيادي الإجرام والإرهاب الغادر ستبقى عصية على أعدائها لما يتمتع به شعبها من خصال في حب الوطن والغيرة عليه”.
واعتبر عدد من المراقبين والمتابعين للوضع الأمني في تونس أن مثل تلك الهجمات كانت متوقعة بالنظر للوضع في ليبيا المتاخمة لبنقردان، وربط بعضهم الحادثة بما جرى في صبراتة الليبية أواخر فبراير الماضي، عقب استهداف غارة أمريكية معسكرًا تابعًا لتنظيم الدولة الاسلامية في المدينة الليبية حيث كان يوجد أحد كبار قادة التنظيم، يشتبه بضلوعه في عملية إرهابية استهدفت متحف باردو بتونس العام الماضي.
في مقابل ذلك أكدت تقارير فشل تنظيم الدولة الإسلامية في إيجاد موطئ قدم له في تونس رغم نشاطه في الجارة ليبيا نتيجة لعدة اعتبارات.
فالتونسيون أكثر تحضرًا وثقافة قياسًا بالدول العربية الأخرى، وهو ما يعكس رفضهم للإرهابيين؛ مما جعلهم يخرجون من تونس بأعداد كبيرة ويتوجهون إلى العراق وسوريا وليبيا ودول أخرى للقتال هناك، فتونس وشعبها يرفضان هذه الأفكار والممارسات.
كما أن تونس محصنة من هذا الخطر خاصة بسبب غياب الحاضنة الاجتماعية الكبيرة له، فلا يوجد في تونس قبائل أو إثنيات تتبنى هذا الفكر ومستعدة لمده لوجستيًا ومعنويًا وفكريًا.
فلا يمكن الحديث عن وجود هيكلي لتنظيم الدولة الإسلامية في تونس، وأكثر ما يمكن الحديث عنه هو تأثر بعض الشباب بفكره والترويج له عبر الإنترنت؛ فهذا التنظيم لا يتركز إلا في الدول الفاشلة وغير المستقرة أمنيًا وسياسيًا مثل سوريا والعراق أي أنه يتغذى أساسًا على الحروب والفوضى.
ومن أهم مرتكزات “داعش” هو انتشار السلاح وتشتت المجتمع وهو غير موجود في تونس، بل على العكس فإن تماسك المجتمع التونسي والوفاق السياسي الكبير حول قلع آفة الإرهاب إضافة إلى امتلاكنا جيشًا موحدًا وقوات أمنية عصرية يجعل تنظيم داعش يحسب لتحركاته في البلاد إن تحرك ألف حساب.
ورغم خسائرها، فقد كذبت هذه الهجمات الإرهابية ما كان يروج له في الإعلام التونسي أن الجنوب يمثل حاضنة للإرهاب وتغيب فيه الوطنية وحب البلاد، وأثبت ذلك رفض أهالي الجنوب لمثل تلك المجموعات الإرهابية.
وتواصل قوات أمنية وعسكرية تونسية، لليوم الرابع على التوالي، ملاحقة عناصر مسلحة في مناطق متفرقة بمدينة بنقردان المتاخمة لليبيا، جنوبي البلاد، حيث يقوم الأمن بمداهمات في منازل مشبوهة وذلك بعد الهجمات التي طالت أهدافًا أمنية وعسكرية بالمدينة، فجر الإثنين.
وكانت قوات الأمن قتلت في الثاني من مارس الحالي في مدينة بن قردان خمسة مسلحين بينهم أربعة تونسيين، قالت الحكومة إنهم تسللوا من ليبيا وخططوا لتنفيذ عمليات إرهابية في تونس بعد الغارة الجوية الأمريكية في صبراتة.