أعجوبة الموسم
في الوقت الذي تمسك فيه الأندية الكبرى: برشلونة، بايرن ميونيخ، يوفنتوس، وباريس سان جيرمان، بصدارة الدوريّات: الإسباني، الألماني، الإيطالي، والفرنسي، بقبضةٍ من حديد، يسلك الدّوري الإنكليزيّ الممتاز اتّجاهًا مخالفًا، حيث يتبوّأ صدارته نادي ليستر سيتي المغمور قبل 9 جولاتٍ فقط من نهايته، في مفاجأةٍ أذهلت جميع المتابعين والنقّاد، الذين لم يتوقّعوا أن تخرج بطولة العام الحالي عن الأسماء التقليديّة ال4 الكبرى التي تسيطر على البريمير ليغ منذ انطلاقه بشكله الحديث موسم 1992-1993، وهي: مانشستر يونايتد، تشيلسي، مانشستر سيتي، وأرسنال، حيث لم يُكسر هذا الاحتكار سوى مرّةً واحدةً موسم 1994-1995، وذلك عبر نادي بلاكبيرن روفرز، الذي سبق له إحراز الدوري مرتين عبر تاريخه، بعكس نادي ليستر سيتي، الذي لا يمتلك تاريخًا عريقًا رغم قدم تأسيسه، حيث قضى معظم سنواته ضمن منافسات الدرجة الأدنى.
محطّات من تاريخ ليستر سيتي
فرحة لاعبي ليستر بالصعود إلى الدوري الممتاز عام 2014
– تأسس النادي الذي حمل في بداياته اسم (ليستر فوس)، عام 1884 على يد مجموعةٍ من قدامى طلبة مدرسة (ويجستون)، في مدينة ليستر أكبر مدن شرق وسط إنكلترا، وبدأ نشاطه الفعلي عام 1894 بمشاركته ضمن دوري الدرجة الثانية الإنكليزي، حيث لعب هناك حتى عام 1908، الذي شهد أوّل صعودٍ للنادي إلى دوري أندية الدرجة الأولى.
– عام 1919 اتّخذ النادي اسمه الحالي (ليستر سيتي)، فيما حمل عام 1929 أفضل نتائج ليستر سيتي عبر تاريخه في الدّوري، بإنهائه الموسم في المركز الثاني خلف نادي شيفلد وينزداي البطل بنقطةٍ واحدة، وذلك على يد الاسكتلندي ويليام أور، الذي درّب الفريق مدّة 8 سنواتٍ بين 1926 و1934، حافظ خلالها النادي على موقعه في دوري الأضواء.
– عام 1949 شهد صعود الثعالب (لقب النادي تاريخيًا) إلى نهائي بطولة كأس الاتّحاد الانكليزي للمرّة الأولى في تاريخهم، حيث هُزموا أمام ويلفرهامبتون بنتيجة 1-3.
– فترة الستينيّات يمكن اعتبارها أفضل فترات النادي التاريخيّة، حيث نجحوا خلالها تحت قيادة المدرّب الاسكتلندي مات غيليس، بإحراز لقبهم الأوّل تاريخيًا عام 1964، حين فازوا بكأس رابطة المحترفين الإنكليزيّة على حساب ستوك سيتي في النهائي، كما بلغوا نهائي المسابقة ذاتها عام 1965، وتأهّلوا إلى نهائي كأس الاتّحاد الانكليزي 3 مرّات، أعوام 1961، 1963، و1969، دون أن يحالفهم الحظ في الظفر بالبطولة.
– لم تشهد العقود ال3 التالية أيّ إنجازٍ يُذكر للثعالب، باستثناء فوزهم بلقب الدّرع الخيريّة الإنكليزيّة عام 1971 على حساب ليفربول، لتشهد نهاية فترة التسعينيّات نهضةً متميّزةً للنادي على يد المدرّب الإيرلندي مارتن أونيل، الذي قادهم للفوز بلقب كأس الرابطة الإنكليزيّة مرّتين عامي 1997 و2000، إضافةً إلى بلوغه نهائي المسابقة ذاتها عام 1999.
– سجّل موسم 2003-2004 آخر ظهورٍ للثعالب في البريمير ليغ، حيث مكثوا بعدها في دوري الشامبيون شيب (الدرجة الأدنى) 9 مواسم، تخلّلها هبوطٌ إلى دوري الدرجة الثالثة موسم 2008-2009، قبل أن يستجمعوا قواهم ويعودوا إلى دوري الشامبيون شيب سريعًا، ثمّ ينجحوا في الظّفر بلقبه موسم 2013-2014، ليضمنوا العودة إلى أضواء البريمير ليغ بعد غيابٍ دام 10 سنوات.
– يرتدي النادي اللباس الأزرق الكامل تاريخيًا، ويحمل شعاره رمز الثعلب، و تديره منذ عام 2010 مجموعة (كينغ باور) العالميّة، التي أسبغت اسمها على ملعب النادي الذي يتّسع لحوالي 32 ألف متفرّج.
– تعتبر أسماء: غاري لينيكر، جوردان بانكس، بيتر شيلتون، غاري ماكاليستر، غاري ميلز، غاري باركر، روبي سافاج، ليس فيرديناند، مات إليوت، واستيبان كامبياسو، هي الأشهر بين اللاعبين الذي مثّلوا ليستر سيتي على مدى تاريخه، فيما يعدّ غراهام كروس هو أكثر من لعب للنادي برصيد 599 مباراة، وآرثر تشاندلر هو أثر من سجّل أهدافًا بقميص النادي برصيد 273 هدف.
ليستر سيتي 2015-2016
الإيطالي كلاوديو رانييري مدرّب ليستر الحالي
أنهى نادي ليستر الموسم الماضي 2014-2015 من منافسات البريمير ليغ في المركز ال14 برصيد 41 نقطة، بعد أن نجح الفريق في الفوز ب7 من مبارياته ال9 الأخيرة، نقلته من المركز الأخير في سلم الترتيب إلى مركزٍ أمّن له البقاء تحت أضواء البريمير ليغ، ليدخل منافسات الموسم الحالي تحت قيادة الإيطالي المخضرم كلاوديو رانييري، الذي خلف نايجل بيرسون في تدريب الفريق، وقاده إلى تحقيق 17 انتصارًا و9 تعادلاتٍ مقابل 3 هزائم فقط خلال مبارياته ال 29، وضعته في صدارة ترتيب الدوري الإنكليزيّ الممتاز برصيد 60 نقطة، بفارق 5 نقاطٍ عن أقرب المطاردين توتنهام هوتسبير، كما يتصدّر الثعالب ترتيب الهجوم الأقوى إلى جانب مانشستر سيتي بتسجيلهم 52 هدفًا، في حين يحتلّون المركز السادس دفاعيًا ب31 هدفًا سكنت شباكهم، كما يتصدّر هدّافهم جيمي فاردي ترتيب هدّافي الدّوري برصيد 19 هدفًا، سجّل منها 13 في المراحل ال11 الأولى من الدّوري، ليحطّم رقم البريمير ليغ القياسي في التسجيل المتتالي خلال الجولات.
الخلطة السحريّة للثعالب
لا يمكن اعتبار ما وصل إليه ليستر هذا الموسم قد جاء بمحض الصدفة، بل هو نتيجةٌ لعدّة عوامل اجتمعت لتكوّن الخلطة السحريّة لنجاح الثعالب، نلخّصها فيما يلي:
– التفرّغ: بينما تتوزّع جهود أندية القمّة الإنكليزيّة بين المسابقات الأوروبيّة وبقيّة المسابقات المحليّة، تكرّست جهود ليستر في إطار مسابقة الدّوري فحسب، فهو لم يتأهّل للمشاركة في أيٍّ من المسابقات الأوروبيّة لهذا الموسم، فضلّا عن خروجه المبكّر من مسابقتي كأس الاتّحاد والرابطة المحلّيتين، ممّا أعطى لاعبيه فرصة للراحة والتقاط الأنفاس بعكس منافسيه.
– الانسجام: لم يحتج المدرّب رانييري لإشراك أكثر من 18 لاعبًا في فريقه منذ بداية الدّوري، مستفيدًا من راحة لاعبيه وقلّة إصاباتهم بفعل عامل التفرّع الذي تحدّثنا عنه في الفقرة الأولى، ممّا ولّد انسجامًا كبيرًا لدى عناصر تشكيلته الأساسيّة المكوّنة من: شمايكل، سيمبسون، هوث، مورغان، فوتجس، كانتي، درينكووتر، ألبرايتون، أوكازاكي، والثنائي الرائع محرز وفاردي.
– حسن التوظيف: أن تمتلك مجموعةً من اللاعبين المجهولين نسبيًا ثمّ تخرج بهذه النتائج المبهرة، فهذا يعني أنّك مدرّبٌ محنّكٌ يُحسن استخراج أفضل ما لدى لاعبيه من طاقات، فرانييري علم بصعوبة اعتماده على أسلوب الاستحواذ في ظلّ نقص مهارات جلّ لاعبيه، فلجأ إلى أسلوب التكتّل الدّفاعي والهجوم المرتد، في ظلّ تمتّع أغلب لاعبيه باللياقة البدنيّة الكافية للصّمود مدّة 90 دقيقة.
– روح الفريق: استطاع رانييري بأسلوبه الهادئ الأبويّ خلق أجواءٍ طيّبةٍ داخل غرف ملابس الفريق، فقِيمُ التّعاون والتضامن والعمل الجماعي وروح التحدّي والانتصار، كانت السّلاح الأمضى الذي جابه به الثعالب خصومهم خلال جلّ مبارياتهم هذا الموسم.
– القدرات الفرديّة: لا يعني اعتماد الفريق على العمل الجماعي انتفاء القدرات الفرديّة لدى عناصره، فما يقدّمه نجمنا العربي الجزائري رياض محرز من مهاراتٍ وفنّياتٍ مدهشة، جعلت أكبر أندية أوروبا تتحرّك لضمّه في القريب العاجل، وكذلك الحال بالنّسبة للهدّاف جيمي فاردي، الذي أعاد اكتشاف قدارته التهديفيّة الخارقة وهو في سنّ ال29، والأمر ذاته ينطبق على نجمي الوسط الممتازين كانتي ودرينكووتر.
هل يصبح الحلم حقيقة؟
فرحة محرز ورفاقه بفوزهم الأخير على واتفورد واقترابهم من حلم التتويج بالبريمير ليغ
لم يعد فوز ليستر سيتي ببطولة البريمير ليغ مجرّد أحلامٍ وآمالٍ وضروبٍ من المحال، بل أصبح الأمر قاب قوسين أو أدنى، فما هي إلا 9 مبارياتٍ تفصل الثعالب عن تحقيق ما بدا مستحيلًا قبل عدّة شهور، منها 5 على ميدانهم كينغ باور، وهي بالترتيب أمام كلٍّ من: نيوكاسل، ساوثامبتن، ويستهام، سوانزي، وإيفرتون، حيث يعتبر اختبار ويستهام هو الأصعب في ظلّ الموسم الممتاز الذي يقدّمه فريق المطارق، أمّا خارج ميدانهم فتنتظرهم 4 معارك طاحنة، أمام كلٍّ من كريستال بالاس وسندرلاند المهدّدين بالهبوط، ثمّ أمام الشياطين الحمر مانشستر يونايتد في معقلهم أولد ترافورد، وآخر مواجهات الموسم ستكون أمام بطل الموسم الماضي تشيلسي في ستامفورد بريدج.
أبرز منافسي ليستر على اللقب هو نادي توتنهام الثاني، الذي يتأخّر عنه بفارق 5 نقاط، وتنتظره هو الآخر مواجهاتٌ عسيرةٌ أبرزها أمام كلٍّ من ليفربول ومانشستر يونايتد وتشيلسي، ومن بعده يأتي نادي أرسنال الذي أدمن المركز الرابع عبر سنواته الماضية، وهو يحتلّ حاليًا المركز الثالث بفارق 8 نقاط عن ليستر، أمّا المنافس الثالث -والأخطر برأيي- فهو مانشستر سيتي صاحب المركز الرابع حاليًا، ولكن مع مباراةٍ مؤجّلةٍ قد تجعله ثالثًا بفارق 7 نقاطٍ فقط عن ليستر، وهو الوحيد بين المتنافسين ال4 الذي يمتلك لاعبوه تجربة الفوز بلقب البريمير ليغ سابقًا.