كتب دييجو جامبيتا و ستيفان هيرتوج
ثمة تناقض صارخ بين الصورتين الرئيسيتين عن الجهاديين في وسائل الإعلام الغربية. الأولى، تصوّر الإرهابي كشخص مهمش اجتماعيًا. شريف كواتشي، على سبيل المثال، المتهم المفترض في حادثة شارلي إيبدو التي أودت بحياة 12 شخصًا، كان مغني راب وعامل توصيل البيتزا مع سجل من الجرائم البسيطة. وهناك أميدي كوليبالي الذي قتل شرطية وأربعة رهائن في سوبر ماركت بباريس خلال مطاردة كواتشي، وأُدين خمس مرات بتهمة السطو المسلح. ومع ذلك، لم يكن أيًا منهما من طلاب الجامعات أو من حملة الشهادات العليا.
الصورة الأخرى هي صورة الإرهابي كخبير متعلم تعليمًا عاليًا، مثل خالد شيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11/09، والحاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جامعة أمريكية، وبالمثل، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي تخرج في كلية الطب. وهناك أيضًا بعض العناصر ذات التأهيل التعليمي العالي في الخط الأمامي، مثل سيف الدين رزقي، الذي قتل 38 شخصًا على شاطئ سوسة في تونس في صيف عام 2005، وكان طالب بكلية الهندسة الكهربائية في إحدى الجامعات المحلية. في الواقع، من بين 25 فردًا تورطوا مباشرة في هجمات 11/9، درس ثمانية منهم الهندسة.
إذن، هل الجهاديون مجرد حفنة من الفاشلين الذين يفتقرون إلى التعليم والمال الكافي للنجاح في مكان آخر، أم هل هم من ذوي المهارات العالية، ونشطاء لديهم دوافع أيديولوجية؟ نظرة على الملامح الاجتماعية والتعليمية للجهاديين السابقين تلقي الضوء على الظروف التي حوّلتهم إلى التطرف. في كتاب مهندسو الجهاد، أجرينا أول تحقيق منهجي عن مستويات وأنواع التعليم لأكثر من 4000 من المتطرفين السياسيين الذين عملوا في جميع أنحاء العالم الإسلامي والغربي.
برزت نتيجتان عن المتطرفين الإسلاميين. الأولى، أنّه من بين أولئك الذين ارتادوا الجامعة، فإنَّ النسبة الأكبر هي للمهندسين في كل مكان تقريبًا في جميع أنحاء العالم وفي كل جماعة جهادية. ومن بين 207 من المتطرفين الإسلاميين في العالم الإسلامي، درس 93 منهم الهندسة (بنسبة 44.9 بالمئة). وبين السكان إجمالًا في الدول المعنيّة، يمثل هذا الرقم 11.6 بالمئة فقط. وبين 71 من المتشددين الإسلاميين في الغرب الذين تلقوا تعليمًا عاليًا، درس 32 منهم الهندسة، أي بنسبة 45.1 بالمئة، مقارنة مع 16.2 بالمئة من إجمالي الخريجين في الغرب.
وعلى النقيض من ذلك، تختلف مستويات التعليم بشكل جذري في كل منطقة: بين 497 حالة من المتشددين في العالم الإسلامي، 46.5 بالمئة ذهبوا إلى الجامعة. في العينة الغربية المكّونة من 344 فردًا، يصل المعدل إلى 25.2 بالمئة. وهذه معدلات لافتة للنظر نظرًا لأن معدل الالتحاق بالجامعات بين العدد الكلي للسكان في البلدان التي درسناها في العالم الإسلامي هو 11.3 بالمئة فقط. في الدول الغربية، تصل النسبة إلى 43 بالمئة. ومع أخذ مراحل التعليم العام بعين الاعتبار، سنجد أنَّ احتمالات ذهاب أحد الإسلاميين المتطرفين في العالم الإسلامي إلى الجامعة هي أعلى بنحو 15 مرة من أقرانه في العالم الغربي.
بالطبع، البيانات غير مكتملة، ومن المحتمل أن تكون هناك بعض التحيّزات: فالأعضاء الأكثر نشاطًا في الجماعات المتطرفة، على سبيل المثال، هم أكثر عُرضة لأن يتم الكشف والإبلاغ عنهم، وبالتالي يمكن استخدامهم كعينات للدراسة. ولكن من غير المرجح أن هذه العينة يمكن أن تمثل كثرة عدد المهندسين أو التباين الحاد في مستويات التعليم بين الجهاديين في الغرب والعالم الإسلامي.
للإجابة عن سؤال لماذا معظم الجهاديين في العالم الإسلامي من حملة المؤهلات العليا ولماذا يوجد هذا العدد الكبير من المهندسين في صفوف المتطرفين، فمن الطبيعي أن نفكر أنه يتم تجنيد المهندسين نظرًا لمهاراتهم الفنية. ولكن لا يوجد أي دليل على ذلك. إذا قمنا بتقسيم الجهاديين بحسب وظائفهم في مجموعات، سنجد أنَّ 15 بالمئة فقط من المهندسين يعملون كصانعي قنابل، و26 بالمئة يديرون أجهزة الاتصالات. يمكن مقارنة هذه النسب مع معدلات الخريجين الآخرين في هذه المجموعات. وعلاوة على ذلك، الجماعات اليسارية المتشددة في العالم الاسلامي، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا لديها عدد قليل من المهندسين بين صفوفها ومع ذلك كانت فعّالة للغاية في استخدام التقنيات القاتلة.
لقد وجدنا أدلة كثيرة على أن الحضور القوي للخريجين بشكل عام، والمهندسين بشكل خاص، بين المتشددين في العالم الإسلامي يرجع إلى عوامل اقتصادية. توضح الحالات في مصر ودول عربية أخرى كيف ظهرت الراديكالية بين خريجي الجامعات لأول مرة في سبعينات القرن المنصرم. في ذلك الوقت، كانت الاقتصادات العربية في تراجع تام في ظل توسّع نظم التعليم العالي وإنتاج عدد كير من الخريجين.
كان الخريجون العاطلون بمثابة منجم ذهب للجماعات الإسلامية. وظهرت الشبكات المتطرفة في الجامعات وتأسست على رفض الأنظمة الفاسدة والأنظمة العلمانية التي شنّت حملات القمع ضد الخريجين الجدد والطلاب الذين وعدتهم بمستقبل باهر باعتبارهم طلائع الأمة. وقد استغلت الحركات الإسلامية هذا الوضع، ودعت إلى أسلوب حياة تقشفيّ باعتباره علامة على التقوى والاستقامة الأخلاقية ورفض فساد النخب الحاكمة الموالية للغرب.
هناك عدد أقل من خريجي الجامعات بين المتطرفين الذين نشأوا في الدول الغربية؛ وذلك لأن الحراك الاجتماعي الذي تمنحه الشهادة الجامعية هو أعلى من ذلك بكثير هناك. وهذا يجعل طلاب الجامعة الساخطين الذين لم يكملوا تعليمهم وصغار المجرمين العاطلين عن العمل يشكلون غالبية المقاتلين. داخل العالم الإسلامي، فإن معدل الخريجين بين المتطرفين أقل بكثير في البلدان التي لم تشهد أي زيادة في طلبة الجامعات ولم يحدث فيها أي تنمية اقتصادية، مثل سنغافورة، وإندونيسيا، والهند، حيث تصل النسبة إلى 22.5 بالمئة فقط، دون متوسط المستوى في الغرب.
هذا التاريخ يساعدنا أيضًا في حساب انتشار المهندسين. إنّهم على حافة التوقعات المحبطة: الهندسة هي واحدة من التخصصات الأكثر طلبًا في الجامعات في العالم الإسلامي، ولذا فإنَّ متطلبات دراسة الهندسة صعبة للغاية وتحتاج إلى موهبة وطموح. حتى فترة السبعينات، شكّل المهندسون النخبة التكنوقراطية الصغيرة والغنية التي لم تكن منشغلة حينها بالمعاضة السياسية. (ولكن في تلك الفترة، كانت الجماعات الإسلامية خاضعة لهيمنة المعلمين والمحامين.) ولكن في مرحلة التعليم العالي الشامل والتباطؤ الاقتصادي، عندما نضبت فرص العمل الجيدة للمهندسين، بدأ ظهورهم فجأة في الجماعات المتطرفة.
البلد المسلم الوحيد الذي ظهر فيه عدد قليل من المهندسين بين صفوف المتطرفين هي المملكة العربية السعودية. وهذا استثناء يثبت القاعدة. لقد اختلف المهندسون في المملكة عن خريجي العلوم الاجتماعية والدراسات الإسلامية، وتمتعوا بفرص ممتازة في سوق العمل بفضل قطاعات النفط والغاز والصناعات الثقيلة في البلاد.
خاتمة كتاب “مهندسو الجهاد” متجذرة في السياقات الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها تختلف عن سردية “الإرهاب يولّد الفقر” التي تعرضت لانتقادات مقنعة من قِبل باحثين مثل ألبرتو أبادي، وآلان كروجر، وجيمس بيازا، وغيرهم. لا يرجع التطرف إلى المستويات المطلقة من التخلف ولكنه متعلق بالحرمان النسبي، والتوقعات المحبطة للنخب التي تكافح من أجل إيجاد مكان لها في الأنظمة الفاسدة والراكدة. ثمة سياسة ضمنية هنا وهي أن زيادة عدد الخريجين في البلدان التي لا يمكن لأسواق العمل أن تستوعب هؤلاء الخريجين هي وصفة لعدم الاستقرار.
من المؤكد أنَّ الحرمان النسبي لا يساهم بشكل كامل في حل لغز المهندسين. ولكن، بالرغم من كل شيء، يحظى المهندسون بحضور كبير بين المتطرفين في الغرب. وهنا، يأتي دور تأثير بعض التفضيلات الفطرية والسمات الشخصية. كما أنَّ البيانات الجديدة عن مستويات تعليم أعضاء العديد من الجماعات المسلّحة في أوروبا والولايات المتحدة وروسيا، والشرق الأوسط، تسفر عن نتائج منهجية ومثيرة للدهشة؛ فالبرعم من حضور المهندسين القوي في اليمين المتطرف، إلّا أنهم غائبون تقريبًا في اليسار الراديكالي، حيث الحضور القوي لطلاب العلوم الإنسانية والاجتماعية. يبدو أنَّ الأيديولوجيات المختلفة تلبي الاحتياجات العاطفية والمعرفية لأنواع مختلفة من الأفراد.
في العالم الإسلامي، شكّلت أزمات التنمية منذ فترة السبعينات الأساس لظهور التطرف الإسلامي. وحتى في عصر تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش)، الذي لم يعد يقتصر على تجنيد الخريجين المحبطين، تشير البيانات المتاحة إلى زيادة التمثيل المستمر للمهندسين. ولذلك، فإنَّ رعاية النخب الشابة في المجتمعات الإسلامية من شأنها أن تمنع طلاب الجامعات من الوقوع فريسة في أيدي الجماعات الخاطئة.
المصدر: فورين آفيرز / ترجمة إيوان 24