في الجامعة الأمريكية في القاهرة “ركن غوتشي”، يقف فيه أبناء الأغنياء من الطلاب، الذين يصلون بالسيارات الباذخة إلى الجامعة، ويتبادلون الحديث عن آخر صرعات الموضة التي اشتروها من الخارج، لكن هذه الأيام يشعر هؤلاء الأغنياء بثقل الأزمة الاقتصادية.
وجاء في تقرير أعده ديكلان وولش لصحيفة “نيويورك تايمز”، أن زياد محمد (19 عاما) الطالب في كلية إدارة الأعمال، عبر عن دهشته عندما زار محلا لعرض السيارات وبيعها، واكتشف أن سيارته المفضلة “مرسيدس بنز” لن تكون متوفرة قبل 18 شهرا، وقال إنه لا يهتم بالسياسة “طالما لم تؤثر علي”، لكنه أضاف: “هذه مشكلة والأشياء تزداد غلاء”.
ويعلق وولش بأن “أثرياء مصر كانوا من بين أشد المؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي عندما سيطر على السلطة عام 2013، وفضلوا الاستقرار والقمع القاسي للإسلاميين، حتى لو جاء على حساب الحريات المدنية، لكنّ ولاءهم في محل امتحان اليوم، حيث يشل النقص الحاد في العملة الأجنبية التجارة، ويعرقل عملية استيراد البضائع الكمالية، وأدى ذلك كله إلى موجة غير عادية من النقد للسيسي”.
وتشير الصحيفة إلى تعليق المذيع المعروف إبراهيم عيسى، الذي قال: “هذا هو الجديد، معاناة الأغنياء”، لافتة إلى أن عيسى هو واحد من أهم مؤيدي السيسي، لكنه نشر في الآونة الأخيرة نقدا حادا لسياسات الرئيس، وقال إنه لم يعد هناك أحد مرتاحا في مصر، لا طبقة ولا سكانا “من الاسكندرية إلى الصعيد، لم يرض السيسي أحدا”.
ويلفت التقرير إلى الإجراءات الحكومية التي حددت استخدام المصريين لبطاقات الائتمان وشراء العملة الأجنبية، وبدأ رجال الأعمال بالحصول على الدولار الأمريكي من السوق السوداء، حيث ارتفع سعره بنسبة 20% في الأشهر الماضية، وفي الوقت ذاته تواجه العائلات الغنية زيادة في الأسعار وانتظارا طويلا لشراء سياراتها المفضلة، وقلقا حول طريقة الحصول على الدولار أو اليورو للسفر إلى الخارج، أو تحويلها لأبنائهم الذين يدرسون في الجامعات الأجنبية.
ويذكر الكاتب أنه في مقهى “يو بريستو”، فإن حديث معظم الرواد كان عن الدولار، وينقل عن مستشارة تعليمية قولها إن “الناس قلقون”، وهناك ترقب مما سيحصل بعد”.
وتعلق الصحيفة بأن أزمة العملة التي كانت موضوع عناوين الأخبار “حمى الدولار”، هي إحدى المشكلات التي تواجه السيسي، الذي يواجه نقدا لانتهاكات حقوق الإنسان التي قامت بها قواته الأمنية، حيث بدا التوتر واضحا في خطابه الأخير، الذي تهجم فيه على نقاده، وطلب من المصريين ألا يسمعوا كلام أحد غيره.
ويبين التقرير، أن اللهجة العاطفية والمتغطرسة للسيسي أدت إلى موجة نقد له على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى عرض السيسي لبيع نفسه، وقيام شخص بوضعه على “إي بي”، حيث عرض مشتر شراءه بـ 100 ألف دولار قبل أن يتم إغلاق الصفحة.
ويجد وولش أن الاستهزاء بالرئيس بهذه الطريقة خطير في مصر، خاصة أن العديد من نقاده يقبعون في السجون، مستدركا بأن الأغاني والتعليقات التي استلهمت من الخطاب تظهر المدى الذي بهتت فيه “الهالة” التي كانت تحيط بالرئيس.
وتورد الصحيفة أن مسؤولي الحكومة يدافعون عن السيسي، من خلال إلقاء اللوم على عوامل خارجية، مثل تراجع السياحة نتيجة لتحطم الطائرة الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر فوق سيناء؛ نتيجة قنبلة زرعت على متنها، وقال وزير السياحة إن انخفاض الزوار لمصر كلف الخزينة المصرية 1.3 مليار دولار.
ويفيد التقرير بأن دعم دول الخليج، التي منحت السيسي 30 مليار دولار في العامين الأولين من السيطرة على السلطة، توقف، وأن المال الخليجي لم يعد يصل إلا بالقطارة، كما أن انخفاض أسعار النفط أثر في تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وأثر بالضرورة على حركة السفن في قناة السويس، حيث افتتح السيسي تفريعة في الصيف الماضي كلفت 8 مليارات دولار.
ويقول وولش عن تأثير الأزمة الاقتصادية على الأغنياء إن “الأثرياء يشكلون نسبة قليلة جدا من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليون نسمة، حيث تعيش نسبة 26% تحت خط الفقر، بحسب أرقام الأمم المتحدة، ويعيش الأغنياء في بيوتهم المسورة، التي تحيط بالقاهرة، بعيدا عن البنية التحتية المتهالكة والفقر المدقع.”
وتستدرك الصحيفة بأن الذي يعاني من الأزمة هو الشركات، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، فشركة “جنرال موتورز” لديها مصنع في مصر، إلا أنها أوقفت الإنتاج لعدم قدرتها على استيراد قطع الغيار التي تريدها، وهددت خطوط الطيران الأجنبية بوقف رحلاتها إلى مصر؛ لأن الإجراءات الجديدة تمنعها من تحويل الأرباح من فرق تحويل العملة، وتوقفت شركة الخطوط الجوية البريطانية عن بيع التذاكر بالعملة المصرية.
وينقل التقرير عن رجال أعمال في نادي الجزيرة الرياضي في الزمالك شكاواهم من عدم قدرتهم على دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم في المدارس الخاصة، التي عادة لا تقبل إلا الدولار أو اليورو، ويقول رجل أعمال: “فقد السيسي الشعبية بين الطبقة العليا من المجتمع”، وأضاف أن السيسي قدم “قصة” جيدة، لكنه لم يتبعها بإجراءات عملية.
وينوه الكاتب إلى تغير نبرة مذيعي البرامج التلفزيونية، الذين كانوا من أشد المتحمسين للسيسي، فقد عبر يوسف الحسيني من “أون تي في” عن كراهيته لخطاب السيسي في قاعة الجلاء، ويقول: “بدا معزولا وغاضبا، ولم يمض عليه سوى 20 شهرا حتى يشعر بالعزلة”، مشيرا إلى أن الخطاب لم يكن هو السبب الرئيسي في تراجع شعبية الرئيس، بل بسبب اعتقال وسجن صحفي وروائي بتهمة الإساءة للدين، وعندما أطلقت الشرطة النار على سائق سيارة وقتلته بعد شجار حول الأجرة، خرجت الجماهير إلى الشوارع متحدية قوانين منع التظاهر.
وتذهب الصحيفة إلى أنه رغم وجود من يدافع عن السيسي، باعتباره حاجزا ضد الفوضى، إلا أن النخبة الثرية التي صوتت له بدأت تشعر بثمن قرارها.
وتختم “نيويورك تايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن وولش التقى طالبة تخرجت من الجامعة الأمريكية في القاهرة، ويملك والدها فندقا في البحر الأحمر، هو فارغ من النزلاء تقريبا، وتبحث عن عمل في دبي، وتقول: “لا يوجد أي شيء إيجابي في الأفق”.
المصدر: نيويورك تايمز / تقرير عربي 21