ألمانيا تُعد اللاجئين للعمل مع تفاقم أزمة نقص العمال

يمثل الاقتصاد الألماني رابع أكبر اقتصاد في العالم بناتج قومي يقدر ب 3,852,56 ترليون دولار سنة 2014 وبصادرات بلغت رقماً قياسياً 1,134 ترليون يورو وواردات تقدر ب 916,5 مليار يورو. يسهم قطاع الخدمات بنسبة 70% في الاقتصاد والصناعة بنسبة 29.1% والزراعة بنسبة 0.9%، ومن أهم القطاعات الاقتصادية صناعة السيارات وبناء الآلات والتقنيات الكهربائية والصناعات الكيميائية يعمل في هذه القطاعات ما يقرب من 39 مليون عامل، كما تحتل ألمانيا مركزاً قيادياً في المجال الطبي مقارنةً بالمعايير الدولية ويعود هذا لوجود شبكة فريدة تضم العلوم الطبية والبحث العلمي والصناعة والعلاج الطبي في كل أنحاء البلاد.
إلا أن النقص في الأيدي العاملة لا يزال يؤرق الشركات والمؤسسات في ألمانيا والحكومة الإتحادية على حد سواء فالفجوة إن لم يتم ملئها ستفضي بالنهاية إلى آثار سلبية على مسيرة النمو في البلاد.
وفي آخر الأرقام الصادرة عن وكالة العمل الاتحادية في ألمانيا كشفت عن عجز في الأيدي العاملة في السوق الألمانية خاصة في قطاع الخدمات وذكرت الوكالة أن يناير /كانون الثاني الماضي شهد نقصا في الأيدي العاملة بنحو 581 ألف فرصة عمل شاغرة بزيادة نحو مئة ألف فرصة مقارنة بنفس الشهر من عام 2015.
وتحت مسمى ” شركات من أجل اندماج اللاجئين” برعاية وزارة الاقتصاد وغرفتي التجارة والصناعة في ألمانيا أعلنت عن شبكة شركات ومصانع وورش حرفية من مختلف المجالات لمساعدة اللاجئين في إدماجهم إلى سوق العمل، شارك في الشبكة 330 شركة صناعية وتجارية من مستويات مختلفة من بينها عشرون شركة كبيرة منها هيئة السكك الحديدية الألمانية “دويتشه بان” وشركة الطاقة العملاقة “آر دبليو إي”. بحسب وزير الاقتصاد الألماني “زاغمار غابرييل” يعد توفير فرصة عمل للاجئ ثالث أهم ركيزة مطلوبة بعد اللغة والمسكن للبدء بالاندماج في المجتمع وبناء مستقبل زاهر للسكان الجدد في ألمانيا.
في ظل حركة النزوح الغير مسبوقة إلى أووربا في العام الماضي كان غالبية اللاجئين هم من الجنسية السورية، الذين فضلوا ألمانيا عن باقي البلدان لما توفره من فرص عمل للاجئ وبرامج تدريب وإدماج بالمجتمع الألماني، ومنذ فترة قصيرة أقرت الحكومة الألمانية تعديلات تشريعية تمنح اللاجئ حق الحصول على تصريح عمل بعد 3 أشهر من وصوله مهما كان نوع الإقامة الممنوحة له، وسمحت هذه التعديلات للاجئين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 عاما و25عاما للحصول على فرص التدريب بدلا من قيود سابقة.
حيث تقع أعمار من وصلوا إلى ألمانيا العام الماضي بنسبة 50% تحت سن 25 عاما علما أنه وصل قرابة المليون لاجئ بحسب رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية وأضاف أن اندماج اللاجئين في سوق العمل بالبلاد يحتاج لفترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات.
وأشار أكثر من رئيس شركة في حفل تأسيس الشبكة أن بعض الشركات تساهم بشكل فعال بتنظيم دورات لتعليم اللغة الألمانية وإعدادهم لسوق العمل وتقديم فرص عمل مناسبة لهم في حين ركزت شركات أخرى على تقديم برامج رعاية للأطفال ونشاطات اجتماعية أخرى، وفي نفس السياق قال وزير الاقتصاد الألماني أن الحكومة تضمن من الآن فصاعدا أن يبدأ اللاجئ تدريبا مهنيا ويتمكن من إتمامه، وأن يحصل بعد ذلك على إقامة عمل لسنيتين بغض النظر عن قبول لجوئه أو رفضه، بحيث يساهم هذا الإجراء لفئة معينة من اللاجئين البقاء بألمانيا مدة أطول، بعد شكوات عديدة من الشركات وورش الحرفيين من عدم استقرار أوضاع إقامة اللاجئين المتدربين لديها إذ إن بعضهم قد لا يتمكن من العمل بعد إتمام تدريبهم وبعضهم قد يعودون إلى بلادهم من دون إكمال التدريب.
أما المشكلة القديمة الجديدة التي تعاني منها ألمانيا منذ فترة طويلة هي عجز مزمن على صعيد الديمغرافية السكانية تظهر بشكل جلي وواضح عند النظر في معدلات الولادة المنخفض وارتفاع متوسط الأعمار واتجاه المجتمع الألماني نحو الشيخوخة. ففي العام الماضي سجل معدل الولادات 8.42 في حين سجل معدل الوفيات 11.5 لكل ألف شخص، وهذا يعني أنه مقابل 8 ولادات هناك 11 وفاة سنويا لكل ألف شخص وهذا يرتب عجزا سكانيا بمقدر 0.3%.
وفي ال35 سنة الأخيرة يقل جيل الأطفال عن جيل البالغين بمقدار الثلث فمن بين تسعين بالغا يوجد ثلاثون طفلا حيث يعد معدل الخصوبة عند الألمان من أدنى المعدلات في العالم إذ يبلغ 138 طفل لكل امرأة.
والجدير بالذكر أن ألفي مدرسة تم إغلاقها بين 1989 و 2009 بسبب عدم وجود عدد كاف من الأطفال وفي الوقت الذي يدخل فيه 800 ألف طفل إلى المدرسة يحال إلى التقاعد 850 ألف سنويا.
ولإظهار مدى صعوبة المشكلة فقد خيرت الأمهات الألمان بعد عام 1945 بين تربية الأطفال في المنازل أو مزاولة الأعمال في وظائفهن فاختارت الكثير من النساء الألمانيات الوظائف وآثرن عدم الإنجاب حتى لا يؤثر على أداء أعمالهن بسبب عدم تقديم الرعاية والاهتمام الكافي كما قُدّم في فرنسا وانكلترا مثلا. والجدير بالذكر أن نصيب النساء في سوق العمالة الألماني يشكل النصف تقريبا ففي عام 2008 قدر عدد النساء العاملات 17,5 مليون من أصل 39 مليون وهذا يعادل نسبة 45% من العمالة
وبحسب مصادر صحفية تشير أن ألمانيا ستخسر خمسة ملايين عامل في السنوات ال 15 المقبلة حيث تشهد سوق العمل نقصا في عدد العمل في كل المجالات تقريبا وبالأخص في قطاع الخدمات وتبعا لمعهد بحوث التوظيف أشار إلى تزايد في عددد الوظائف الشاغرة في سوق العمل الألماني منذ يوليو 2010 إلى يوليو 2015.
وفي كل سنة تسد الحكومة الألمانية العجز العُمّالي لديها من المهاجرين وطالبي اللجوء حيث تستقبل مئة ألف لاجئ سنويا لذلك يسهم اللاجئون في سد فجوة العجر في السوق الألمانية. وتحقيقاً لهذه السياسة استقبلت ألمانيا العام الماضي قرابة المليون لاجئ أي ما يعادل واحد بالمائة من تعداد سكانها. وطبقا لبيانات المكتب الاتحادي الألماني للنصف الأول من العام 2015 فإن السوريين شكلوا النسبة الأكبر من عدد طالبي اللجوء في ألمانيا بنسبة 20,3 %، بواقع حوالي 32 ألف لاجئ، من أصل 160 ألفا من جميع الجنسيات.