“في الوقت الذي يقدم فيه بعض رجال تونس صدورهم للرصاص، اختار البعض الآخر تقديم نفسه لأحمر الشفاه” هكذا كتب بعض التونسيين تندرًا وسخريةً من حملة وضع أحمر الشفاه في بلادهم، حيث قام العديد من الرجال التونسيين بوضع أحمر الشفاه ونشر صورهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن تضامنهم مع المرأة في بلادهم ومناهضة كل أشكال العنف الموجهة ضدها.
جاءت هذه الحملة بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة، وذلك في إعلان لتضامن هؤلاء الرجال مع السيدات ومناهضة كافة أشكال العنف التي يتعرضن لها في تونس، لكنها واجهت انتقادات كبيرة من عدد من الرجال والنساء على حد السواء وصل إلى حد التندر والسخرية.
أطلقت هذه الحملة بالتعاون مع الجمعية الفرنسية “ضع أحمر الشفاه” تحت عنوان “إني رجل، وإذا رأيت امرأة تعنف أمامي فإني ألتزم بالدفاع عنها”.
وانتقدت الصحفية التونسية وصال الكسراويهذه الحملة واعتبرت أن الهدف منها نشر صورة نمطية عن المرأة، وكتبت في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: “يسمون أنفسهم رجالاً ويساندون المرأة في عيدها في صور حقيرة، الاتصاليون الذين اعتمدوا هذه الفكرة لم تكن بنية سليمة أو عفوية بل كان الهدف نشر صورة نمطية مدروسة للحط من قيمة المرأة واختزالها في أحمر الشفاه رمز الإغراء دون النظر إلى عقلها وإمكانياتها الفكرية وإبداعها وصنعها الحدث كمحاربتها الدواعش (الإرهابيين) في ساحة الوغى”.
في مقابل ذلك أكد القائمون على هذه الحملة أن حملتهم رمزية وتهدف إلى الوقوف بجانب المرأة إزاء ما تتعرض له من عنف من طرف الرجال وإبداء تعاطفهم معها”.
وبحسب دراسة أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين ونشرت نتائجها الأسبوع الماضي، تتعرض نصف النساء إلى أحد أشكال العنف بجميع أنواعه الجنسي والنفسي والجسدي في الفضاء العام في تونس.
وشملت الدراسة عينة مكونة من 3873 مستجوبًا من النساء والرجال موزعين على مختلف أنحاء البلاد وتراوحت أعمارهم بين 18 و64 سنة.
وتوصلت إلى أن 75.4% من النساء يتعرضن إلى العنف الجنسي على غرار التحرش ومحاولة اللمس أو الإيحاء أو المضايقات الكلامية وغيرها.
كما بينت أن معظم السيدات اللاتي تعرضن للعنف في الفضاء العام يخترن عدم رد الفعل ولا يرفعن في العادة شكاوى ضد معنفيهن، إذ إن 97% من النساء اللاتي تعرضن لعنف جنسي لم يقدمن شكوى قضائية، أما بالنسبة للعنف المادي، فإن 18% فقط يقدمن شكاوى.
بدوره علق الشاب التونسيغفران بن حميدعلى هذه الحملة بقوله “يجيك (يأتيك) شعور بالغثيان أول ما تشوف (تشاهد) صورة راجل عامل أحمر شفاه، رجال تعيش تحت إيقاع الرصاص والتهديدات الإرهابية ورجال تعمل (تضع) في أحمر الشفاه، يتضامن مع المرأة ومتبني قضية مناهضة العنف ضد المرأة”.
وشارك عدد من الفنانين والممثلين التونسيين في الحملة، ويرى الفنان التونسي زياد الشريف أن موضوع حقوق المرأة ليس حكرًا على المرأة ذاتها بل إن الرجل لا بد أن يكون عنصرًا فاعلاً في الدفاع عنها وحمايتها، وأضاف “المرأة التونسية هي الأم والزوجة والأخت والصديقة والحبيبة، والاعتداء عليها جسديًا أو إهانة كرامتها معنويًا أمرًا غير مقبول بتاتًا وهو في اعتقادي ينتقص من رجولة الرجل وليس العكس”.
وعبرت الطالبة في الجامعة التونسيةشيماء معيّزة عن رفضها لهذه الحملة والقائمين عليها وكتبت في صفحتها ساخرة “هل تعلم سيدي شبه الرجل يا من وضعت أحمر الشفاه وخرجت فرحًا مسرورًا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أننا نساء ولا نضع أحمر الشفاه مثلك”.
من جانبه استنكر المصور الفوتوغرافي وصاحب مبادرة “ضعوا أحمر الشفاه” في تونس كريم كمون انتقادات البعض لهذه الحملة باعتبارها إهانة للرجل وتشبهًا بالنساء لأن الهدف منها، حسب قوله، معنوي بالأساس، حيث يلتزم الرجل من خلال وضع أحمر الشفاه بعدم تعنيف المرأة وبالدفاع عنها في حال وجدها تُعنف أمامه”.
واعتبر بعض التونسيين أن هذه الحملة تقليدًا لفرنسا، وكتب الفكاهي وسيم الحريزيفي صفحته على فيسبوك: “في تونس نفس الوقت إلي رجالها تلقي (تواجه) في صدورها للكرتوش (الرصاص)، فما (هناك) ذكور أشباه رجال عايشين في كوكب آخر عاملين حملة يحمروا شفايفهم قال شنوة متضامنين مع المرأة والحكاية وما فيها عملوها في فرنسا وهوما كي العادة يقلدوا في الشذوذ متاعهم”.
وكتب الشاعر التونسيشاكر السياريساخرًا “الحَمير (بفتح الحاء) وحدهم من يختزلون المرأة في الحُمير (بضم الحاء)”.
وتعود هذه الحملة في الأصل إلى جمعية فرنسية انطلقت في 2013 من مواقع التواصل، وكان ورؤها عدد من الشخصيات الحقوقية والفنية الفرنسية، فكرتها أن كل رجل ينشر صورته بأحمر الشفاه، يلتزم بأنه لن يسمح بالاعتداء على امرأة في وجوده، وتلقى هذه الحملة إقبالاً متزايدًا كل عام، ووصل صداها إلى تونس حيث تبناها عدد من الرجال التونسيين وقاموا على امتداد أسبوع بحملات تعبئة على موقع فيسبوك تحت عنوان “أنا رجل، وإذا رأيت امرأة تعنف أمامي فإني ألتزم بالدفاع عنها”.