بعد مضي 29 سنة من “إذلال” الاتحاد الأوروبي لتركيا وإقصائها قدر الإمكان، يحق لأنقرة الآن أن تسعد، بعد أن استطاعت أن تضغط على الاتحاد الأوروبي وترجح الكفة لصالحها؛ ففي 14 أبريل/ نيسان من سنة 1987، تقدمت تركيا بطلب رسمي للانضمام إلى المجتمع الأوروبي، الذي أصبح منذ ذلك الوقت يسمى بالاتحاد الأوروبي، وبعد مضي حوالي ثلاثة عقود وصلت فيها المفاوضات إلى طريق مسدود، ووجهت خلالها العديد من الإهانات لتركيا، وها هو الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان يأتي لقلب موازين القوى.
هذه المرة تركيا لم تكن بحاجة إلى جيشها، كما لم تكن هناك قوة عثمانية متمركزة على أبواب فيينا للضغط على الاتحاد الأوروبي، إلا أن اللاجئين كانوا أكبر حليف لتركيا، نظرًا لأنه كان بإمكان أردوغان إطلاق العنان في أية لحظة لسيل من اللاجئين الراغبين بالتوجه إلى أوروبا.
ويتواجد داخل الحدود التركية عدد كبير من اللاجئين من مختلف الجنسيات معظمهم من سوريا، ومع مشاركة كل من الأتراك، الأكراد، قوات الأسد، والجماعات الأصولية مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة، في المعركة التي تدور رحاها على الأراضي السورية، فإن أفواجًا من السوريين اليائسين سينضمون يومًا بعد يوم إلى صفوف اللاجئين.
في الآونة الأخيرة، أصبح جيش أردوغان الحقيقي هو ملايين الناخبين الأوروبيين الغاضبين، الذين يريدون وضع حد لتدفق اللاجئين، ويعول أردوغان على خوف هؤلاء من أجل الضغط على نظرائه الأوروبيين، كما يبدو أن القادة المنتَخبين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أصبحوا في حالة صدمة، خاصة بعد أن تغيرت أرقام استطلاعات الرأي لتسفر عن نتائج ليست لصالحهم وذلك بسبب أزمة اللاجئين، فهم الآن بحاجة ماسة إلى أي اتفاق من شأنه وقف التدفق الهائل للاجئين.
وسيغض الاتحاد الأوروبي الطرف عن العديد من الانتقادات الموجهة لأردوغان، والاتهامات الموجهة له خاصة فيما يتعلق بالأكراد، إذا ما وقع هذا الأخير على عقد يجبره على استعادة اللاجئين من الجزر اليونانية، ومنع الهجرة غير الشرعية التي تتم عبر القوارب.
كما وافق قادة الاتحاد الأوروبي مبدئيًا على المقترح الذي قدمته تركيا من أجل إيجاد حل لأزمة اللاجئين، حيث سيعود لتركيا جميع المهاجرين غير القانونيين من الجزر اليونانية، على أن يستقبل الاتحاد الأوروبي وبشكل مباشر اللاجئين الذين تقوم تركيا بإرسالهم، وبما أن معظم الدول الأعضاء في شرق أوروبا أغلقت حدودها في وجه اللاجئين، فإن هذا المقترح سيؤدي إلى تحالف محتمل بين الدول الأعضاء في غرب أوروبا بهدف إعادة توزيع اللاجئين فيما بينها.
وطالبت تركيا أيضًا بمضاعفة المساعدات السنوية التي كان قد وعد الاتحاد الأوروبي بتقديمها لها، من أجل مساعدتها في حل معضلة السكن لحوالي 2.7 مليون لاجئ متواجدين في البلاد، لكن ذلك لم يرض أردوغان، الذي قدم شرطًا آخر يتمثل في قبول عضوية تركيا داخل الاتحاد الأوروبي.
اعترف كبار السياسيين في أوروبا الغربية بأنه لا خيار لديهم سوى التعامل مع أردوغان، والتسريع في تنفيذ الخطط الرامية إلى وقف تدفق اللاجئين، في وقت تشير فيه أرقام استطلاعات الرأي إلى أن العديد من الناخبين يريدون وضع حد لموجة اللاجئين الذين فروا من الحرب نحو أوروبا بحثا عن حياة أفضل ملؤها السلام والاستقرار، لكن الأحزاب اليمينية المتطرفة استغلت هذه الأزمة لصالحها وهي على ما يبدو في طريقها للفوز بالانتخابات.
تجدر الإشارة إلى أن البلدان الأوروبية تعاني من العديد من المشاكل اللوجستية؛ فالسويد لم تعد قادرة على استقبال اللاجئين، في حين أن الحكومة الهولندية أصبحت تواجه صعوبات جمة لإيجاد مأوى للعديدين منهم، أما في ألمانيا فقد انهارت الخدمات الحكومية المحلية وأصبحت غير قادرة على التعامل مع هذا التدفق.
إن ما تبحث عنه هذه الدول هو إيجاد وسيلة منظمة لتوزيع اللاجئين فيما بينها، وذلك لكسب مزيد من الوقت والعمل على زيادة قدرة استيعاب مجتمعاتها للعدد الكبير من اللاجئين، بالإضافة إلى الحصول على الدعم الشعبي لتوفير الملجأ لهم، ويجب أن يتم هذا الأمر قبل حلول الربيع وقبل أن تهدئ الأحوال الجوية في بحر إيجه، وترتفع درجات الحرارة التي ستسمح لأعداد هائلة من اللاجئين بالركوب على متن القوارب من جديد والتوجه مرة أخرى نحو أوروبا.
وقد أثارت مطالب تركيا المتعلقة بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي حفيظة العديد من السياسيين الأوروبيين، حيث قال حزب رئيس الوزراء الهولندي، مارك روت، الذي يرأس حاليًا مجلس الاتحاد الأوروبي “من المؤكد أنه سيتم التفاوض مع تركيا حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن ذلك لن يحدث مطلقًا”.
في الوقت الراهن يقف الاتحاد الأوروبي بين مطرقة أزمة اللاجئين وبين سندان أردوغان، فهو في الواقع لا يملك الكثير من الخيارات، إما أن يتعامل مع أردوغان أو أن يواصل اتخاذ المزيد من التدابير التي لا جدوى منها في محاولة يائسة منه لإيجاد حل لهذه الأزمة، لذلك فإن قادة بعض الأحزاب اليمينية يبذلون الآن ما في وسعهم من أجل استمالة الناخبين عبر اقتراح العديد من الإجراءات الردعية والقاسية في حق اللاجئين.
وفي هذا الإطار صرح رئيس حزب “البديل من أجل ألمانيا” بأنه يجب السماح للشرطة الألمانية بإطلاق النار على اللاجئين الذين يحاولون عبور الحدود، كما أوضحت نائبة رئيس هذا الحزب الألماني في وقت لاحق، أنه يجب سحب الأطفال من أمهاتهم وعلى شرطة الحدود أن تستخدم القوة المميتة ضدهم إذا ما لزم الأمر.
لذلك فإن تداعيات هذه الأزمة دفعت بقادة الاتحاد الأوروبي إلى الأخذ بزمام الأمور لحل هذه المعضلة الإنسانية، حيث تبين لهم أن الخيار الوحيد والأنسب هو التعاون مع أنقرة.
المصدر: ريل كلير وورلد/ ترجمة: إيوان 24