ادعت جماعة أنصار الشريعة في ليبيا أن “إطلاق النار من قبلها كان ردة فعل”، مشيرة في بيان صدر مساء أمس الاثنين إلى أن قوات الجيش “هي سبب اندلاع الاشتباكات”، وإلى أن “أفراد دورية الصاعقة قاموا بالسير بالمدرعات في جميع اتجاهات الطريق مع إطلاق ألفاظ نابية تبعها إطلاق نار من قبل الصاعقة”، متهمة أفراد الجيش بأنهم كانوا في حالة سكر.
في حين قال المتحدث باسم القوات الخاصة الليبية، التابعة للجيش، العقيد ميلود الزوي، لوكالة الأناضول أن “الاشتباكات بدأت بعد قيام نقطة تفتيش تابعة لجماعة أنصار الشريعة باستخدام السلاح الثقيل ضد نقطة تمركز تابعة للقوات الخاصة فما كان من عناصر الجيش إلا الرد بالمثل”.
وبغض النظر عن تبريرات الطرفين، فإن ما يعلمه كل متابع أو مشاهد أو معايش للوضع الليبي هو أن الدولة شبه غائبة، فبينما يلقي البعض باللوم على نوع من الانفلات والتسيب لدى بعض أفراد الجيش، ينظر آخرون إلى جماعات، من بينها جماعة أنصار الشريعة، تمتلك من السلاح ما يكاد يضاهي أسلحة الدولة، وتسمح لنفسها بإقامة حواجز تفتيش وبمحاسبة رجال الدولة عن سلوكهم الأخلاقي.
ومن جانبها، أوضحت الجماعة موقفها من الدولة، فقالت في بيانها: “إننا لسنا ضد بناء جيش يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية ويكون ولائه لله ورسوله”، مشيرة إلى أن “قضية جماعة أنصار الشريعة هي تحكيم شرع الله”، في حين أعلن محمود البرعصي، القيادي في الجماعة، أن تنظيم القاعدة هو قدوتهم، وأنّهم لا يعترفون بالحكومة، حيث وصف البرعصي الحكومة ب”الكافرة”، وكذلك الديمقراطية، حيث قال: “نحن أنصار الشريعة لا نعترف بالدولة الليبية، نحن نعترف فقط بشعارنا الذي به المصحف يهدي والسيف الذي يقطع”، وختم حديثه متوجها إلى الشعب الليبي: “إما تطبيق الشريعة أو السيف”.
وأما الدولة الليبية، متمثلة في المؤتمر الوطني المنتخب والحكومة والجيش، والتي تعاني من الفوضى التي خلفتها عقود حكم القذافي، ومن الفوضى المسلحة التي نشأت أيام الثورة والصراع المسلح بين الثوار وكتائب النظام السابق، فقد عملت طيلة الفترة الماضية على تهدئة الأوضاع وحاولت دائما تجنب المواجهة المباشرة مع الجماعات المسلحة، وكذلك فعل المؤتمر الوطني في بيان أصدره يوم أمس، حيث دعا جميع الأطراف في مدينة بنغازي إلى ضبط النفس والاحتكام إلى الحكمة والحوار، مؤكّدا إصراره على تطبيق قراره بإخلاء بنغازي وجميع المدن الليبية من كافة المظاهر المسلحة.
ومن جهة أخرى، رفض الليبيون دعوات التهدئة التي أطلقها الجيش، حيث قال شهود عيان من مدينة أجدابيا، أن الأهالي اقتحموا مقر جماعة أنصار الشريعة في وسط المدينة، وقاموا بحرقه وتسليمه فيما بعد لقوات الجيش، ثم لاحقوا عناصر الجماعة، الذين فروا من المقر وتمركزوا في إحدى المزارع جنوب المدينة، واشتبكوا معهم وطردوهم من المزرعة وصادروا كميات من السلاح وعددا من السيارات كانت مع مسلحي التنظيم.
وبعد توقف الاشتباكات، وإعلان الجيش لحالة الطوارئ وللنفير العام، أعلن وزير الداخلية الليبي المكلف الصديق عبد الكريم أن حصيلة الاشتباكات المسلحة بين الجيش الليبي، وجماعة “أنصار الشريعة” بمدينة بنغازي وصلت 9 قتلى و49 جريحا، دون توضيح عدد القتلى والمصابين الذين سقطوا من كل جانب على حدة، في حين أشار إلى أن هذا الحدث يستدعي تطبيق قرار البرلمان بشأن إخلاء مدينة بنغازي من المظاهر المسلحة أسوة بالعاصمة الليبية طرابلس، وهو ما أكده المتحدث باسم الغرفة الأمنية المشتركة ببنغازي المقدم إبراهيم الشرع لوكالة الأناضول، بإشارته إلى أن القوات الجوية مستعدة لضرب أي رتل يدخل أو يخرج من بنغازي من دون علم الغرفة.
عوض بوقرين، الباحث في قسم العلوم السياسية بأكاديمية الدراسات العليا بنغازي، فسر ما حدث بمدينة بنغازي على أنه “مواجهه مؤجلة بين السلطات الحاكمة والجماعات الإسلامية المتشددة في ليبيا والتي لا تعترف إلى الآن بسلطة الحكومة ولا مدنية الدولة”، مشيرا إلى أن هذه المواجهات “ستستمر لسنوات ولن تنتهي بمجرد اتفاق أو تفاوض بين الطرفين”، معتبرا أن هذا الصراع سيحدد المعطيات على الأرض وسيرسم الخريطة السياسية في ليبيا مستقبلا.