أرجع الهجوم الأخير الذي نفذه إرهابيون ضد أهداف أمنية وعسكرية في مدينة بنقردان الحدودية جنوب تونس وأسفر عن مقتل عشرات الإرهابيين وإلقاء القبض على آخرين، مسألة التنسيق الأمني والعسكري بين تونس والجزائر إلى سلم اهتمامات البلدين الجارتين.
وتؤكد بعض المعطيات تسارع التنسيق بين تونس والجارة الجزائر على الحدود تخوفًا من موجة تسرب الإرهابيين وتسللهم إلى الداخل مستغلين إمكانية ارتفاع منسوب هجرة الليبيين.
وأكد وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الجزائري، رمطان لعمامرة، أن التنسيق الأمني في مجال مكافحة الإرهاب “مستمر” بين الجزائر وتونس، وصرح السيد لعمامرة على هامش الحفل الذي نظم على شرف المرأة الجزائرية بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة والذي ترأسه الوزير الأول عبد المالك سلال، أن التنسيق الأمني بين الجزائر وتونس مستمر، مضيفًا أن “كفاحنا مشترك في هذا الصدد سواء على مستوى المنطقة أو الساحة الدولية”.
بدوره دعا وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، أول أمس الخميس، إلى ضرورة رفع درجة التنسيق الأمني بين الجزائر وتونس لمواجهة مخاطر الإرهاب عقب الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها مدينة بنقردان الإثنين الماضي.
وقال نورالدين بدوي في تصريحات صحفية “هناك تنسيق أمني مستمر بين الجزائر وتونس في مجال مكافحة الإرهاب، لكن ما حدث بمدينة بنقردان يستدعي من البلدين المزيد من الحيطة والحذر من خلال تعزيز المجهودات المشتركة وخاصة من حيث توسيع دائرة تبادل المعلومات الأمنية من أجل مواجهة مثل هذا النوع من المخاطر التي باتت تهدد استقرار كامل المنطقة”.
من جهته أكد وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، لدى زيارته الأخيرة إلى الجزائر، أن “التنسيق المشترك بين البلدين متقدم جدًا في شأن الملف الأمني الخطير”، مشيرًا إلى وجود تطابق في وجهات النظر فيما يتصل بالطريقة المثلى لتسوية الأزمة الليبية بعيدًا عن التدخل العسكري.
وفي السياق نفسه، ثمن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني أهمية التعاون بين تونس والجزائر، مؤكدًا أن التنسيق بين البلدين يجري على أحسن وجه وبلغ أعلى مستوياته.
ومن بين أوجه التعاون بين البلدين إعداد قاعدة بيانات حول أسماء المشتبه بهم من مواطني البلدين في ليبيا ومن العائدين إليها من بؤر التوتر في العراق وسوريا وغيرها.
خاصة وأن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن هناك الآلاف من التونسيين والجزائريين المنتمين إلى داعش وبعض التنظيمات الإرهابية الأخرى إلى جانب بعض الخلايا الإرهابية النائمة المتواجدة بتونس والتي تعمل الحكومة على محاربتها عسكريًا وأمنيًا.
وبحسب ما أكده وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني فإن جزءًا مهمًا من هؤلاء الأفراد تونسيون ويعدون بالآلاف وجانب كبير منهم في سورية وآخر في ليبيا قدموا من سورية بعد الضربات الأجنبية لهذا البلد وفق معلومات استخباراتية.
من جهته أكد رئيس جمعية البحوث والدراسات لاتحاد المغرب الكبير حبيب حسن اللولب أن خطر داعش يتطلب مزيدًا من التنسيق على المستوى العسكري والمخابراتي والأمني وتبادل المعلومات بين تونس والجزائر، رغم أنه اليوم في المستوى المطلوب، فقد جنب المنطقة المغاربية التدخل العسكري الأوروبي والأمريكي وحلف شمال الأطلسي بليبيا، وجنبها آثارًا مدمرة وكارثة إنسانية.
وقال الجيش الجزائري أمس الجمعة إنه قتل ثلاثة إرهابيين قرب مدينة الوادي بشرق البلاد وضبط كميات كبيرة من الأسلحة بينها ستة صواريخ مضادة للطائرات.
وقالت وزارة الدفاع في بيان إن بين القتلى في العملية التي نفذت في ساعة متأخرة يوم الخميس المتشدد البارز كامل عربية الذي لعب دورًا في الصراع الذي شهدته الجزائر في تسعينات القرن العشرين.
وأكد الجيش في البيان الذي أوردته وكالة أنباء الجزائر أنه ضبط ستة صواريخ مضادة للطائرات من نوع ستينجر وحزامين ناسفين وثلاث قاذفات صواريخ محمولة على الكتف وأكثر من 20 بندقية.
وفي ظل المخاوف المتصاعدة من خطر تسلل مسلحين من ليبيا، عززت السلطات التونسية دفاعها ببناء ساتر ترابي وخندق مائي على طول 250 كيلومترًا مع ليبيا، كما عزز الجيش قواته بدعوة جزء من جند الاحتياط وفتح باب التجنيد للشباب مقابل منح شهرية.
وقد قامت القوات العسكرية للبلدين خلال الفترة السابقة ببرمجة مناورات جوية مشتركة بين قوات البلدين تحسبًا لإمكانية تأزم الأوضاع عبر الحدود، في حال قيام القوى الغربية بتدخل عسكري في ليبيا من أجل محاربة تنظيم داعش، الذي بات يسيطر على مساحات شاسعة من التراب الليبي.
فيما أكدت مصادر أمنية أن هدف هذه المناورات التصدي لتهديدات محتملة من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا.
تشمل هذه التدريبات طائرات مقاتلة حربية، وترتكز في المثلث الصحراوي الواقع في أقصى جنوب الحدود البرية بين تونس والجزائر، والتي تلتقي مع حدود ليبيا، ويبعد عن البحر المتوسط بـ800 كيلومتر وعن العاصمة الجزائرية بـ1000 كيلومتر.
تأتي أهمية التنسيق الاستثنائي الجزائري التونسي، من منطلق الوضعية الإقليمية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية الشديدة التعقيد التي تميز المنطقة، بسبب انتشار الحركات الإرهابية في ليبيا ودول الساحل الإفريقي من جهة، ونتيجة لأطماع القوى الغربية التي تتنافس من أجل بسط نفوذها على ليبيا، التي تزخر أرضها بالكثير من الخيرات الطبيعية وفي مقدمها النفط والغاز من جهة أخرى.