وافق مجلس وزراء الخارجية العرب في دورته العادية الـ145، التي عقدت في القاهرة قبل أيام، على قرارَيْن، كان دافعهما سعودي ومحورهما واحد، وهو الصراع العلني الراهن الذي وصل إلى حد التراشق بالحديد والنار في اليمن وفي سوريا، والتراشق الدبلوماسي بين الرياض وطهران، في مختلف المحافل الإعلامية والدبلوماسية، الإقليمية والدولية.
القرار الأول، هو تعيين وزير الخارجية المصري الأسبق – من مخلفات حكومات عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك – أحمد أبو الغيط، في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو الذي عُرِفَ عنه مواقفه المعادية لإيران وتحالفاتها في المنطقة، جماعات وحكومات.
القرار الثاني، كان اعتبار حزب الله اللبناني، جماعةً إرهابية، وهو القرار الذي تحفظت عليه الجزائر، ورفضته كل من لبنان والعراق.
القرار الأخير تلى قرارًا خليجيا مماثلاً لم يحمل قبولاً من كل المكون الخليجي؛ حيث لا تشارك سلطنة عُمان ولا الكويت، الرياض في اندفاعتها الراهنة في هذا الاتجاه.
أدى القرار الذي اتخِذ على أعلى مستوى دبلوماسي بعد مؤسسة القمة العربية في الجامعة العربية، إلى حالة من الجدل العنيف شملت أوساطًا سياسية ودبلوماسية وأمنية وإعلامية بطبيعة الحال، وخصوصًا بعد ترحيب إسرائيل به.
القرار في حيثياته وترحيب إسرائيل به ومواقف أطراف إقليمية أخرى، غير حكومية في الغالب منه، بالمعارضة، كما بدا من بعض مكون الإخوان المسلمين وتحديدًا راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية، طرح قضية شديدة الأهمية وهي موضع القرار ما بين ما هو سياسي وما هو قانوني.
الإطار القانوني للقرارات المماثلة
بادئ الأمر، يجب التأكيد على أن اعتبار مؤسسة أو جماعة أو منظمة ما، منظمة في إطار مؤسسي، حتى لو غير معترف به قانونًا في بلده، يخضع لاعتبارات قانونية تحكم الدولة أو الجهة التي تعتبر هذه المؤسسة أو الجماعة أو المنظمة، بمثابة “منظمة إرهابية”، وتدرجها على قوائمها لهذا الغرض.
أي أن مصطلح “جماعة إرهابية” قانوني؛ له أبعاد قانونية بالأساس، ولا يستخدم لدى الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، أو في القانون الدولي، كَسُبة أو وصف سلبي أو ما شابه، فقط هو توصيف قانوني، حتى ولو كان الأمر يتعلق بجماعة مقاومة ضد احتلال معترف به أنه احتلال عسكري.
وأبرز نموذج على ذلك، حالة حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين؛ حيث الاحتلال غير شرعي، ومعترف بأنه غير شرعي في حالة أراضي الـ67 بموجب القانون الدولي، ولكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من اعتبار الحركة جماعة إرهابية لاعتبارات تم تكييفها وفق قواعد القانون الأمريكي، وليس لأي اعتبار سياسي يتعلق بهوية الحركة، الإسلامية أو الفلسطينية؛ حيث هناك تنظيمات تنتمي للإخوان المسلمين أو فلسطينية الهوية ولا تعترف بإسرائيل، قانونية ومعترف بها في الولايات المتحدة.
وللتوضيح؛ فإن مصطلح “قانوني” يعني أن تكون له مسببات، وأن يرتب إجراءات ومسؤوليات.
وأول وأهم مُسبب، هو أن يكون هذا التنظيم أو الجماعة قد ارتكب جرائم مُصنفة “إرهابية” وفق القانون المحلي، وفي حالة الأمم المتحدة وفق القانون الدولي، أو في حالة الاتحاد الأوروبي وغيره من المظلات الإقليمية المؤسسية وفق القانون الدولي أو القوانين المحلية التي تعتمدها الدول المؤسسة له، وتكون قد ارتُكبت على أراضي هذه الدول.
وعلى أرض الواقع؛ فإنه حتى الولايات المتحدة، تلتزم بذلك، بالرغم من أنها هي القوة العظمى في عالم اليوم، ويصفها البعض بأنها “بلطجي” العالم بمعنى الكلمة؛ حيث تحركت أكثر من مرة خارج إطار الشرعية الدولية، كما في حالة غزو العراق في العام 2003م.
فالقائمة الخاصة بالتنظيمات الإرهابية التي تعتمدها الولايات المتحدة، وتتم مراجعتها كل عام، تتضمن تنظيمات قامت أو تتهمها الولايات المتحدة بأنها قامت بارتكاب جرائم مُصنفة “إرهابية” وفق القانون الأمريكي أو هددت مصالح أمريكية.
وكل ذلك يتم وفق التعريف القانوني الدولي للإرهاب، والذي يعني الاستخدام غير الشرعي للقوة أو العنف، أو التهديد باستخدامهما بقصد تحقيق أهداف سياسية، تتعلق بإلزام جماعة بشرية أو سلطة سياسية قائمة، بأخذ مواقف أو تبني قرارات ترتبط بمصالح الجماعة أو الطرف الذي يرتكب الجريمة الإرهابية.
الأبعاد السياسية للقرار
وفق ما تقدم، وبمراجعة مختلف القرارات التي تبنتها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، بشأن ضم جماعات وتنظيمات إسلامية لقوائمها للإرهاب، سوف نجد أنها في الغالب كانت قرارات ذات طابع سياسي، وليس قانونيًا على النحو المشار إليه.
وأبرز حالة في هذا الإطار هي حالة جماعة “الإخوان المسلمين”، فالإخوان المسلمين جماعة إرهابية في المملكة منذ الثامن من مارس من العام 2014م، بالرغم من أن الجماعة لم يثبت أنها قد ارتكبت أية أعمال عنف ذات طابع سياسي في المملكة عبر تاريخها.
ويظهر الجانب السياسي في مثل هذه القرارات، في مواقف الدول الخليجية من القرارات السعودية، فهناك تأييد “أوتوماتيكي” من جانب الإمارات والبحرين، بينما قد تلتزم وقد لا تلتزم كل من قطر والكويت، فيما سلطنة عمان لم تؤيد أي قرار اتخذته الرياض في هذا الأمر في أي وقت، لا تجاه جماعات الإسلام السياسي السنية ولا الشيعية منها.
والغريب في الأمر، ويقول بأن هذه القرارات سياسية، ولا تستند إلى أي أساس قانوني يقوي مركزها، فالبحرين التي تواجه أعتى موجات التهديد الإيراني، والذي وصل إلى درجة الإعلان عن أنها جزء لا يتجزأ من الدولة الإيرانية، اعتبرت – بسبب تبعيتها للرياض – الإخوان المسلمين، جماعة إرهابية.
ووجه الغرابة، وأثار نقاش إعلامي وسياسي في حينه، أن الإخوان المسلمين في البحرين، وذراعهم السياسي وهي جمعية المنبر الإسلامي، هم أهم وأبرز الداعمين للنظام الحاكم حاليًا في البحرين في مواجهة مطالب الشيعة بـ”الإصلاح السياسي والتغيير” في البلاد، بما في ذلك تغيير شكل النظام الحالي من الملكية المطلقة التي تملك وتحكم، إلى ملكية دستورية فيها الملك هو واجهة الدولة من دون أية صلاحيات!
وإذا ما نظرنا إلى القائمة التي صدرت في مارس 2014م، والتي تضمنت الإخوان المسلمين، سوف نجدها قد تضمنت الحوثيين، ووضعت كلَيْهما في قائمة واحدة، بالرغم من أن الحوثيين قد ارتكبوا جرائم ضد الدولة السعودية من خلال قصفهم مناطق الجنوب السعودي المتاخمة للحدود مع اليمن، ضمن الحرب الحالية التي تقودها المملكة العربية السعودية عليهم وعلى حليفهم الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وهو ما لم يفعله الإخوان.
وبدا الباعث السياسي في حينه، ضمن منظومة دعم عاهل البلاد الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، للنظام الانقلابي في مصر وإجراءاته ضد الإخوان المسلمين.
بل إنه لا يوجد قرار من مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية، يعتبر الحوثيين جماعة إرهابية، ولم تهتم الرياض بذلك، اهتمامها بالدفع بقرارات تتعلق بـ”حزب الله” اللبناني، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات بالفعل حول بواعث المواقف السعودية.
وهنا ثمة مفارقة تاريخية تدلل على أن كل ما يجري في المنطقة من صراعات، أساسه صراعات الأنظمة واختلاف مصالحها، وليس لأي باعث قيمي، ديني أو سياسي، أن السعودية التي تحارب الشيعة الزيديين ممثلين في الحوثيين في اليمن في الوقت الراهن، هي ذاتها السعودية التي دعمت نظام الإمام محمد البدر حميد الدين، الشيعي الزيدي، ضد القوميين الذين دعمهم جمال عبد الناصر في الستينيات!
ثم نستدعي في هذا الإطار، تصريحًا مهمًا صدر قبل أيام، لوزير الخارجية الإيراني الأسبق، ومستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي أكبر ولايتي، لوكالة “تسنيم” الإيرانية، قال فيه إن كلاً من قرار مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، هو موقف سعودي وليس موقفًا خليجيًا أو عربيًا.
ففيما يخص قرار مجلس التعاون الخليجي، أكد أن قطر والكويت وسلطنة عُمان، قالت إن الموقف الذي أُعلن من خلال المجلس مؤخرًا، هو موقف سعودي منفرد ولا يعبر عنها، وفصلت موقفها عن موقف بقیة الدول؛ حیث إنها لم تؤید قرار مجلس التعاون “بصورة غیر مباشرة”.
أما في حالة القرار العربي، فذكر أن اعتراض تونس والجزائر والعراق ولبنان، يشير إلى أن هناك الموقف العربي غير مؤيد للسعودية فيما تذهب إليه في هذا الصدد، وهو ما بدا بالفعل في مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي عقد في تونس قبل حوالي عشرة أيام ولم يتم فيه اتخاذ قرار من هذه العينة.
تبعات عكسية
هذا التسييس للقرارات من هذه النوعية، يفقدها أية قوة إلزامية أو قيمة أخلاقية لها، لأن المحتوى السياسي أمر غير متفق عليه، وهو ما بدا حتى في التحالف الخليجي نفسه، بينما الأمور القانونية، عامة ومحايدة، وتخلو من أية مسميات لأية جهة بشكل خاص، ولا تحمل رؤية منحازة لطرف على حساب آخر، فقط يتوقف الأمر على مبدأ قانوني مهم في تحديد المسؤولية، وهو: هل فعلت أم لم تفعل؟
إذًا فهذا التسييس قد يفيد حتى منه، الطرف المستهدف بمثل هذه الإجراءات.
وفي حالة حزب الله فإن هناك أكثر من جانب في هذا الإطار، مبدئيًا تبدو الرؤية “الأخلاقية” التي ترد على القرارات التي دفعت بها الرياض مؤخرًا خليجيًا وعربيًا، باعتبار الحزب قوة مقاومة ورأس حربة محور الممانعة ضد إسرائيل والهيمنة الأمريكية في المنطقة، غير واقعية وغير منطقية.
فأكثر طرف يتعاون مع الأمريكيين في المنطقة، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، هم الإيرانيون، وتعاونهم في تسهيل غزو الأمريكيين لأفغانستان في أكتوبر 2001م، والعراق في ربيع العام 2003م، وإسقاط نظام صدام حسين هناك، معروف ولا ينكره أي من أطرافه، والانفتاح الأخير لإيران على الغرب والولايات المتحدة، بعد إتمام الاتفاق النووي، واضح للعيان.
كما أن “حزب الله” في الأزمة السورية، قد قتل من السوريين ما لم تفعله إسرائيل نفسها طيلة عقود طويلة من “صراع” مفترض بين سوريا وبين إسرائيل.
وحزب الله يدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والنظام مجرم فعلاً بالقانون وليس بالسياسة كذلك، فأكثر من 95% من ضحايا الحرب في سوريا، هو المسؤول عنهم، و93% من المناطق المحاصَرة في سوريا من صنيعة النظام وحزب الله، وهذه أرقام الأمم المتحدة.
الحزب في سوريا يرتكب أفظع الجرائم للحفاظ على النظام السوري، وذلك لبواعث سياسية وأيديولوجية، هذا مفروغ منه بشكل موضوعي وإحصائي، ولذلك فهو ليس محلاً لأي جدل أو نقاش.
لكن من جهة أخرى؛ يأتي ترحيب إسرائيل بقرار الجامعة العربية بشأن “حزب الله”؛ ليقول الكثير.
فقد كان من المهم والضروري لكشف مواقف الحزب وجرائمه، أن يتم التعامل معه بصورة بعيدة عن هذه الأداة الإشكالية فعلاً.
فلو فرضنا أن حزب الله يشارك في الحرب في اليمن، فلماذا لم يتم الدفع لاعتبار الحوثيين جماعة إرهابية في مجلس التعاون الخليجي وفي جامعة الدول العربية؟ وإذا كان الحزب يحارب في سوريا إلى جوار نظام الأسد، فلماذا لم يتم الضغط على الولايات المتحدة للسماح للتحالف الإقليمي الذي يدعم المعارضة السورية المسلحة، لكي يتم تسليحها بأسلحة فعالة تمكنها من الدفاع عن نفسها ضد جرائم النظام والحزب؟
ما حدث هو أنه قد تم استخدام أداة قانونية لأهداف سياسية لا أحد يدري كامل بواعثها بعد، فحدث خلطٌ للأوراق استفاد منه حزب الله، ولم يتم تقييده كما كانت ترغب الرياض التي تقف وحيدة بالفعل في هذا السباق القاتل، حيث احتفظ كل حلفائها بمن فيهم مصر وتركيا والكويت وقطر، بمسافة عنها في هذا الأمر.
فبجوار أن إسرائيل رحبت بقرار الجامعة العربية، فإن النظام السعودي والأنظمة العربية الحاكمة، هي كيانات مكروهة لدرجة الموت والتحريم عند الشعوب العربية، والثورات والاضطرابات المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات دليل على ذلك، ومعارضة هكذا أنظمة، للحزب، سوف تزيد من شعبيته لا أن تنقص منها، وهو ما أدركه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في تعقيباته المتتالية على هذه القرارات.