ترجمة وتحرير نون بوست
يمكن أن تُعزى المفاجأة التي حققها بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية في ميشيغان يوم الثلاثاء الماضي، جزئيًا على الأقل، لأدائه القوي في ديربورن/ ميشيغان، والتي تعد أكبر تجمع للأميركيين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فاز ساندرز بحوالي 60% من الأصوات هناك، متفوقًا على منافسته بالحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
من الواضح أن أمرًا معينًا بخصوص ساندرز يلقى صداه لدى السكان العرب الأمريكيين، “الإيمان بأمر لا يحظى بشعبية كبيرة والنضال من أجله يعد شجاعة حقيقة وإقدامًا، أشعر بأنني متعلق شخصيًا برسالته الإنسانية والسلمية”، قال ميسن حناوي، وهو طالب في المدرسة الثانوية وصل مؤخرًا إلى عمر يسمح له بالتصويت، لصحيفة الإنترسبت معبرًا عن دعمه لساندرز، وأضاف: “أعرف الكثير من الأشخاص المسلمين، من ذات سني، أُخذوا أيضًا برسالته السلمية ولهجته الترحيبية”.
أظهر تحليل أجرته صحيفة عرب نيوز الأمريكية، التي تتخذ من ديربورن مقرًا لها، بأن الأحياء المكتظة بالسكان العرب في المدينة صوتت بأغلبية ساحقة لصالح ساندرز، حيث وصلت النسبة في منطقة جنوب سالينا، وهو حي يمني أمريكي، إلى 210 لصالح ساندرز مقابل 101، وقدرت الصحيفة بأن “الأميركيين العرب صوتوا لصالح ساندرز بنسبة 2 إلى 1 تقريبًا في دائرة ديربورن الشرقية الانتخابية”، علمًا بأن شرق ديربورن هو المكان الذي يعيش فيه معظم الأميركيون العرب.
يأتي فوز ساندرز عقب حملته المستمرة التي تستقطب العرب والمسلمين الأميركيين في ديربورن وأماكن أخرى، ففي أكتوبر من العام الماضي، شارك ساندرز لحظة عاطفية مع إحدى الطالبات الجامعيات المسلمات، التي طلبت منه الوقوف في وجه الإسلاموفوبيا، وحينها دعاها ساندرز إلى المنصة، واستشهد بخلفيته كحفيد أحد ضحايا المحرقة اليهودية “الهولوكوست”، ليخلص إلى طرح وجهات نظره بشأن التعصب، حيث قال: “هناك الكثير من الغضب الذي يتم توليده، الكثير من الكراهية التي يتم توليدها، ضد المسلمين في هذا البلد، وإذا كان علينا أن ندافع عن أي شيء، فعلينا أن نقف معًا لوضع حد لجميع أشكال العنصرية”.
بعد شهرين، حضر ساندرز مائدة مستديرة في مسجد محمد في واشنطن العاصمة، وصرّح هناك قائلًا: “هل يجب علينا أن نتحد معًا، أو سنسمح للديماغوجيين بأن يفرقوا بيننا؟”، في إشارة إلى مشاعر الإسلاموفوبيا التي يبثها مرشحوا الحزب الجمهوري ضمن سباق الرئاسة.
وفي فبراير، نشرت صفحة حملته على تويتر تغريدة تضم رسمًا لساندرز مكتوب فوقه باللغة العربية “ليس أنا، الجميع”، وتابعت التغريدة باللغة العربية قائلة: “أمريكا يصبح أحسن وطن عندما نحن نقف معاً ونقول لا إلى العنصرية والكراهية والتعصب الأعمى”.
أمريكا يصبح أحسن وطن عندما نحن نقف معاً ونقول لا الى العنصرية والكراهية والتعصب الأعمى #AmericaTogether pic.twitter.com/evFEIRWTSx
— Bernie Sanders (@BernieSanders) February 19, 2016
“حملته بأكملها، سلوكه برمته، ونوع خطابه أجمع، يتناسب بشكل أكبر مع المجتمع العربي الأمريكي والخطاب الذي يقدمه” قال عامر زهر، الذي يعيش في ديربورن، ويُدرّس في جامعة ديترويت، وهو أحد الشخصيات التي التقت مع ساندرز في اجتماع خاص الأسبوع الماضي، وتابع:” لا يمكن أن يكون مجتمعنا أكثر انفصالًا عن هيلاري كلينتون وسياساتها اليمينية المتطرفة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وعلاقتها بكبار المانحين، كحاييم صبان، ولكن بيرني لا يتحدث من هذا المنطلق على الإطلاق، فعندما سألناه عن فلسطين وإسرائيل، أوضح لنا بأنه سوف ينظر إلى كلا الجانبين على قدم المساواة، وهو أمر لم يقله أي سياسي أمريكي سابقًا”، علمًا بأن المرشح الرئاسي لانتخابات عام 2004، هوارد دين، تبنى مفهوم المساواة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال حملته لرئاسة الجمهورية، ولكنه تراجع عنه بعد تعرضه لهجوم حاد من السياسيين الديمقراطيين.
يُرجع زهر الفضل بشعبية حملة ساندرز إلى “المزيج الذي يألفه المجتمع العربي الأميركي، حيث يألف، وبشكل سيء، هيلاري كلينتون ونزعتها الصقورية، ويألف رسالة ساندرز التقدمية، والتي تلامس أصولنا العربية”.
أيدّت هيئة تحرير صحيفة عرب نيوز الأمريكية ساندرز، ناقلة كلامه الذي انتقد فيه مشاعر الإسلاموفوبيا وسياسته الخارجية الأكثر حمائمية، ومع اقتراب الانتخابات التمهيدية في ميشيغان، بدأت حملته ببث إعلانات إذاعية باللغة العربية في منطقة ديربورن، وقبل يوم من الانتخابات التمهيدية، زار المدينة بنفسه، وبعد أن قدمه النائب عن ولاية مينيسوتا، كيث إليسون، وهو أول أمريكي مسلم ينتخب للكونغرس، أدان ساندرز في خطابه الإسلاموفوبيا وتعهد بالتعامل مع طرفي الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على قدم المساواة.
وفي هذا السياق، تظهر مقاربات حملة ساندرز بشكل متناقض تمامًا مع حملة كلينتون، فالأخيرة لم تزر مدينة ديربورن ولم تعقد ضمنها أي أحداث، أما زوجها، بيل كلينتون، فقد قضى فترات قصيرة في سوق المدينة في خضم ترويجه لحملته زوجته في ديترويت.
“لقد حضرت اجتماع ساندرز في ديربورن، لقد كان معظم الجمهور من العرب الأميركيين”، قال علي حرب، وهو مراسل لصحيفة عرب نيوز الأمريكية، وتابع: “استطاع بيرني ساندرز حشد جمهور الناخبين الشباب بنجاح، والشباب العربي الأمريكي ليس استثناءًا منهم، لقد حركتهم رسالته، وكانوا متحمسين لها”.
ذكر حرب أيضًا عاملًا آخر ساهم في تفعيل الحماس تجاه ساندرز، محددًا إياه بمرشح الحزب الجمهوري الأوفر حظًا، دونالد ترامب، حيث قال موضحًا: “لا يمكنك إجراء محادثة سياسية في ديربورن دون ذكر دونالد ترامب؛ الكثير من الأشخاص قلقون من صعود ترامب، لدرجة أنهم أصبحوا أكثر اهتمامًا بالعملية السياسية لأنهم خائفون للغاية مما قد يحدث إذا ظفر ترامب برئاسة الجمهورية، وهذا الأمر ساعد على اجتذاب نسبة الإقبال لصالح ساندرز”.
تساءل عدد من المعلقين في وسائل الإعلام عن سبب ظفر أول منافس يهودي حقيقي في سباق الرئاسة بدعم العرب الأميركيين والمسلمين، والجواب على هذه التساؤلات يبدو بسيطًا للغاية، فساندرز ظفر بأصوات ديربورن بذات الطريقة التي يكتسب بها أي مرشح رئاسي أي دائرة انتخابية: من خلال الاستماع لسكانها والاستجابة لمخاوفهم.
بالنسبة لعائشة محمود نور، وهي ناشطة أميركية من بين الناخبين المسلمين الذي يعيشون في منطقة ديربورن، لعبت خلفية ساندرز اليهودية كعامل إيجابي في حملته، حيث تقول: “أعتقد بأن أحد العناصر الأساسية التي غالبًا ما يناقشها بيرني، وغالبًا ما يتحدث عنها، هي الاضطهاد الذي واجهه الشعب اليهودي في أوروبا”، وأضافت موضحة: “يستقطب هذا العامل بالتأكيد عواطف المسلمين الأمريكيين الذين يشعرون برد الفعل العنيف الطاغي ضدهم في أميركا وحول العالم، حيث يوازي بيرني غالبًا ما بين النضال اليهودي والنضال العربي والإسلامي بطريقة حقيقية للغاية وصحيحة للغاية”.
أشارت عائشة أيضًا إلى أن ساندرز يكتسب التأييد ضمن المجتمعات الأمريكية العربية والمسلمة لذات الأسباب التي يكتسب لأجلها الدعم من العديد من المجتمعات الأخرى، فتقول موضحة: “أنا أدرك بأن البعض يرغب بالتركيز على سردية قيام العرب والمسلمين بالتصويت لشخص يهودي، ولكنني أعتقد أن كل ذلك ينحسر أمام الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وضع النقابات، وإصلاح نظام الأجور والعمل، فالديانة التي يعتنقها ساندرز ليست هي المعنية بالنسبة للناخبين، بل رؤيته الساعية لاستعادة الطبقة الوسطى، وانتشال المواطنين من الفقر”.
المصدر: الإنترسبت