لطالما كان للحراك الطلابي دور إيجابي في نهضة وتوعية المجتمعات، ولطالما سار الحراك الطلابي جنبًا إلى الجنب مع الثورات، لا بل وكان من أطلقها في كثير من الأحيان في تاريخنا المعاصر، يتزامن اليوم الحراك الطلابي في العراق مع الحراك الشعبي.
من يحرك الحراك الطلابي؟
كان لاتحاد الطلبة العام الدور الأكبر في أغلب التظاهرات والفعاليات الطلابية المختلفة التي حدثت في هذا العام الدراسي والأعوام السابقة، وبحسب تصريحات فائز قاسم عضو مكتب سكرتارية الاتحاد لنون بوست فإن” للاتحاد دور بارز في الحراك الطلابي، لصلته بغالبية مرافق التعليم في العراق، فيكون لأعضاء الاتحاد دور قيادي تارة،ودور مساعد تارة أخرى”.
إن اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، منظمة طلابية مستقلة تعني بالشأن الطلابي ورفع المستوى الثقافي للطلبة، تأسس في 14 أبريل 1948، في مؤتمر علني، وتشكلت هيئاته عبر انتخابات جرت في معظم كليات، معاهد، وثانويات العراق، ولا يزال إلى يومنا هذا فاعلاً.
يُنظِم الاتحاد فعاليات ثقافية مختلفة على مدار العام الدراسي، فيعني بإقامة ندوات تثقيفية وحلقات مناقشة كتب وإصدار دوريات ثقافية ومختلف الفعاليات والأنشطة التي تساهم برفع الوعي الطلابي.
متى بدأ الحراك الطلابي؟
يعتقد الأغلبية أن مظاهرات الشباب بدأت في مدينة السماوة جامعة المثنى تحديدًا بعد طرد وزير التعليم العالي من الجامعة ورشق موكبه بالحجارة، ثم انتقلت المظاهرات بعد ذلك إلى عموم جامعات العراق، إلا أن هذا التصور خاطئ.
قد تكون حادثة طرد الوزير هي الأبرز لكنها ليست الأولى، بل امتداد لاعتصامات ومظاهرات سلمية بدأت منذ بداية العام الدراسي الحالي 2015/2016 ولا تزال مستمرة إلى الآن.
في العاشرة من صباح الثلاثاء الموافق 24 نوفمبر 2015، بدأ اعتصام طلبة وأساتذة معهد الفنون الجميلة للبنين والبنات أمام مبنى معهد الفنون الجميلة للبنين، احتجاجًا منهم على قرار توحيد جنس الكوادر التدريسية والطلاب، انتقل الاعتصام إلى داخل المعهد ثم عُطِل الدوام الرسمي وأُخرِجَ المُعتصِمون إلى الساحة المجاورة للمعهد بعد أن حدثت اشتباكات خفيفة بين قوات الأمن والمعتصمين.
في يوم الإثنين المصادف 7 ديسمبر 2015، تظاهر الطلاب من خريجي جامعات أوكرانيا أمام بوابة وزارة التعليم العالي، مطالبين الوزارة بتقييم شهاداتهم، وذلك على خلفية قرار صدر بعدم الاعتراف بشهادات الجامعات الأوكرانية الذي فوجئ الطلاب به، علمًا بأن الطلاب والذين يقدر عددهم بـ 200 طالب قد حصلوا على موافقات رسمية وفق ضوابط وزارة التعليم العالي وإدارة البعثات قبل بدئهم الدراسة في أوكرانيا.
أما في يوم الأربعاء 9 ديسمبر 2015، نظم العشرات من طلاب كلية الإعلام اعتصامًا في جامعة بغداد، احتجاجًا منهم على تردي الخدمات في الأقسام الداخلية، وذلك بعد نشوب حريق داخل مساكن الطلبة والذي أدى إلى 30 حالة اختناق وخسائر مادية كبيرة بحسب ما أفادت مصادر شرطة محلية في العاصمة بغداد.
في يوم الجمعة 22 يناير 2016، تم تعطيل الدوام وبدأ طلبة قسم هندسة البرمجيات إضرابًا مفتوحًا في كلية الإمام الصادق في بغداد، وذلك بعد إصدار قرار يفيد بأن قسمهم ليس قسمًا هندسيًا بعد الآن، تم تشكيل لجنة ومقابلة الجهات الرسمية لتوضيح موقف الطلبة ليرد عليهم أحد الموظفين أنهم غير تابعين للهندسة ولا للعلوم لحين صدور قرارات أخرى، مما دفع بالطلبة للإضراب.
ما هي ثورة القمصان البيض؟
في صباح 25 فبراير 2016، احتشدَ طلاب جامعة المثنى أمام بوابة الجامعة من الداخل، وما إن دخل موكب السيد وزير التعليم العالي حسين الشهرستاني بوابة الجامعة، حتى استقبله الطلاب بهتاف “ارجع ما عندك شي” و”فاشل .. فاشل” أثناء رشقه بالحجارة وقناني المياه؛ مما اضطره إلى الانسحاب والمغادرة في سابقة لم تشهدها جامعات العراق من قبل.
كانت هذه الحادثة شرارة لحراك طلابي كبير في عموم جامعات العراق، فانطلقت بعدها المظاهرات الموحدة للطلبة بما سمي فيما بعد “ثورة القمصان البيض”.
“الحراك الأخير هو نتيجة لتراكمات سابقة ولدتها سوء الإدارة والتخبط في الوقت الحالي وعلى مدى الدورات الانتخابية السابقة، القرارات الارتجالية غير المدروسة، والفساد المالي والإداري أهم سمات المرحلة”.
في اليوم التالي انطلقت موجة مظاهرات كبرى في عموم جامعات العراق مطالبة بإصلاح الواقع التعليمي، القضاء على رموز الفساد، وإبعاد وزارتي التعليم العالي والتربية عن المحاصصة الطائفية في توزيع الوزارات، انتفض الطلاب في جامعات البصرة، الحلة، ذي قار، واسط والكوفة، تم بعد ذلك نقل المظاهرات إلى العاصمة بغداد عن طريق أعضاء اتحاد الطلبة العام في جامعة المستنصرية، تلتها جامعات بغداد وباب المعظم.
دور اتحاد الطلبة في الحراك الطلابي؟
منذ بداية العام الدراسي وللاتحاد دور بارز في أغلب التظاهرات والحراك الطلابي:
“إننا نسهر على متابعة الحراك الطلابي وقضايا الطلاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ونعمل على تنسيق وإطلاق التظاهرات مع الطلبة الناشطين”.
في المرحلة التي سبقت ثورة القمصان البيض كانت الحركات الطلابية متفرقة وبمطالب تخص فئات مختلفة في كل مرة، فيكون للاتحاد إما دور قيادي، كما حصل في إعتصام طلبة الفنون الجميلة، وإما دور مساعد، كما حدث في مظاهرة الطلبة من خريجي الجامعات الأوكرانية، حيث تولى الاتحاد التغطية الإعلامية وتسليط الضوء على المظاهرة، وهكذا.
في مرحلة الشرارة الأولى للثورة – زيارة الوزير – كان الاتحاد على علم بالزيارة قبل يومين، وكان الطلاب قد شكلوا لجنة لمقابلة الوزير من ضمنها 2 من أعضاء الاتحاد، بعد ملاحظة سخط الطلاب والمناخ العام بدأ الحشد للمظاهرة وتشجيع الطلبة على المشاركة.
عند اشتعال الثورة في اليوم التالي وانضمام جامعات العراق للمظاهرات، كان الاتحاد قد انتهى من التنسيق مع النشطاء وحشد الطلبة، بالإضافة لصياغة المطالب المشتركة لكافة المظاهرات، حيث إن لجميع المظاهرات مطالب مشتركة بالإضافة لمطالب خاصة تتباين من جامعة إلى أخرى.
المطالب المشتركة للثورة
– إبعاد وزارة التعليم العالي ووزارة التربية عن المحاصصة الطائفية، وتعيين ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة في مختلف مفاصل ادارة العملية التعليمية والتربوية للنهوض بواقع التعليم.
– عقد مؤتمر وطني لمناقشة الأسباب التي أدت إلى التراجع الحاد في المنظومة التعليمية، وبناء إستراتيجية واضحة المعالم لإصلاح المؤسسات التعليمة والتربوية.
– الإصغاء لمطالب الطلبة، وعدم كبت الحريات الطلابية: حيث إن الدستور يكفل للمواطنين حرية التعبير عن الرأي، وكافة مظاهر الاحتجاج السلمي.
– إيقاف ترهيب الطلبة والأساتذة المنادين بالإصلاح والتعاطي مع مطالبهم بروح ديمقراطية.
– دعم الطلبة من خلال صرف المنحة المالية المقرة، وخفض أجور الدراسات المسائية والأهلية.
مالذي تحقق إلى الآن؟
“المطالب لم تحقق بعد، والحراك مستمر، نستعد لإطلاق عدد من المظاهرات في الأسبوع القادم”.
على الرغم من عدم تنفيذ أي من المطالب الأساسية، إلا أن الطلاب تمكنوا من انتزاع بعض الانتصارات هنا وهناك:
– في بداية العام الدراسي، نجح طلاب المعهد بمنع تنفيذ قرار عزل الكوادر التدريسية وتوحيد الجنس للأساتذة والطلبة.
– في 1 مارس 2016 تم الإفراج عن الدكتور باسم السماوي على خلفية مظاهرة مهيبة ضمت آلاف الطلبة من جامعة المثنى على خلفية اعتقال الأستاذ باسم السماوي أحد رؤوس التظاهرات في محافظة المثنى.
– في 7 مارس 2016 بعد تظاهرة لطلبة جامعة المصطفى اعتراضًا على إيقاف الدوام من الإدارة ومنع الطلبة من الدخول لحين دفع الأقساط المالية، استجابت الجامعة سريعًا وأدخلت جميع الطلبة.
– في 10 مارس 2016 بعد شهر ونصف من الإضراب عن الدوام، ويومين من الاعتصام المفتوح؛ نال طلبة جامعة الإمام الصادق/ قسم هندسة البرمجيات اعتراف الوزارة بقسمهم كقسم هندسي.
على الهامش
محاولات التسقيط المعنوي وتشويه الطلبة موجودة منذ اليوم الأول، هناك محاولات مباشرة تمثلت بتصريحات البعض أن المتظاهرين مدسوسون أو أنهم أتباع النظام البعثي البائد، وغيرها من التهم المعلبة التي تطلق على الجميع عندما تستدعي الضرورة.
محاولات أخرى أكثر ذكاءً من وسائل الإعلام تمثلت بتشويه مطالب الطلبة، فنرى إحدى الفضائيات الكبيرة تختصر مطالب الطلبة بتغيير الوزير حصرًا، وكأن المطلب تغيير شخوص لا أنظمة، تعزو محطة ثانية سبب استياء الطلبة من الوزارة لفرض الزي الموحد في الجامعات.
“لا توجد آذان صاغية لهذه الشائعات فالحقيقة واضحة، ومطالب الطلبة جاءت لحاجة موضوعية ملحة”.
لا يخفى على القارئ أن الحراك الطلابي تزامن مع الحراك الشعبي والمظاهرات في المنطقة الخضراء في بغداد، وعلى الرغم من كون المظاهرات الطلابية مستقلة، غير مسيسة – إلى الآن – إلا أن نتائجها لا بد أن تتأثر بما يحدث في الساحة ككل.