شهد يوم أمس وفي قلب العاصمة التركية أنقرة وقوع انفجار ضخم هز العاصمة دويه، وأسفر عن عدد كبير من القتلى والجرحى وصل إلى 27 قتيلاً و75 جريحًا في حصيلته الأولية، وأدى إلى حالة كبيرة من الفزع وإلى تفاعل كبير من المواطنين ومن وسائل الإعلام وكافة المتابعين.
ويعد هذا الانفجار الثالث خلال خمسة شهور في أنقرة والثاني خلال أقل من شهر، حيث شهد 17 فبراير 2016 تفجير سيارة مفخخة في شارع المراسم في أنقرة وقد استهدف حافلة عسكرية أثناء مرورها بالقرب من مقر قيادة الأركان التركية والبرلمان التركي وأوقع حوالي 29 قتيلاً و60 مصابًا.
ويختلف هذا التفجير عن تفجير 17 فبراير بأنه قد جاء بعد الإعلان في أعقاب التفجير عن منظومة من التدابير الأمنية خاصة بالعاصمة وهذا يدل على أن المدبرين للانفجار أرادوا تحدي الحكومة والادعاء العملي بالقدرة على الالتفاف على تدابيرها وتجاوزها والوصول إلى قلب الدولة بالرغم من كل جهود أجهزتها الأمنية، وهو ما سيفتح بالتأكيد انتقادات ونقاشات كثيرة حول فعالية الجهود الأمنية والاستخبارية وخاصة من قِبل حزب الشعب الجمهوري، وقد بدأ هذا بالفعل من خلال الاطلاع على ردود الأفعال الأولية لبعض ممثلي المعارضة.
أما الاختلاف الآخر فهو أن الانفجار حاول استهداف أكبر عدد من المدنيين في منطقة كزلاي وهي الميدان الرئيس في أنقرة والذي يكون عادة مكتظًا في ذلك الوقت من مساء الأحد، وقد استهدف الانفجار موقفًا للباصات وحافلة عامة في المكان في خطوة يبدو أن الهدف الرئيس منها هو التأثير على الرأي العام التركي ودفعه للاحتجاج على الحكومة التركية وقرارتها الداخلية والخارجية، من خلال استمرار التأكيد على رمزية المكان وعدد الضحايا.
كما أن اختيار المكان يشير إلى أن التفجير لا يستهدف شيء محلي في أنقرة كمدينة، بل يستهدف كل تركيا عبر استهداف قلب العاصمة.
ومن زاوية أخرى يوجد قناعة بأن التفجير استهداف مباشر لسياسات الدولة بشكل واضح ويعمل على تشويه صورة الدولة والحكومة في نظر الرأي العام من خلال تقصيرها في منع التفجيرات أو في اتهام سياساتها الداخلية والخارجية بأنها هي من تستدعي أو تحفز المنظمات الإرهابية للقيام بمثل هذه التفجيرات.
وعلى صعيد ارتباطات وعلاقات التفجير تسود أيضًا قناعة بأن هناك ارتباط بين الانفجار وبين موقف تركيا وسياستها الخارجية وفي سوريا تحديدًا وخلافاتها مع الجهات الدولية التي ما زالت تركيا تعترض على محاولاتها لتسوية القضية في سوريا.
كما أن هذه القوى وتحديدًا الولايات المتحدة وروسيا قد توافقت مؤخرًا بشكل جلي على دعم وتسليح حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا والذي يبدو أنه أحد الذين يحتلون صدارة قائمة الاتهام بالوقوف خلف تفجيرات أنقرة.
وبالرغم من أنه لم تتبن أي جهة الحادث إلى الآن إلا أنه من خلال النظر إلى التاريخ القريب يتضح أن الحكومة قد أعلنت أن القائمين على تفجيرات أنقرة في الشهور الأخيرة يتبعون حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الكردستاني وقد يتعزز هذا عند العلم بأن الحكومة قد أعلنت قبل أيام عن انتهاء عملياتها من مدينة سور التركية وقامت بتنظيفها تمامًا من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بعد فترة من العمليات العسكرية التي أدت إلى مقتل عدد كبير من مقاتلي الحزب، وبعد يومين من الإعلان عن توحد تقريبًا 10 من الفصائل العسكرية الكردية والشيوعية مع حزب العمال الكردستاني تحت إطار واحد.
على كل حال سيكون هناك انعكاسات لتفجير أنقرة على الرأي العام التركي والحكومة التركية وعلى قطاعات مهمة في تركيا كالسياحة والاقتصاد والأمن ولا يبدو أن هذه التفجيرات ستتوقف ما لم تتوقف تركيا عن طموحاتها وبعض مواقفها التي تنطوي على معارضة لرؤى بعض القوى الكبرى ويبقى التحدي الأكبر هل ستخضع تركيا وحكومتها لرسائل المفجرين المباشرة وغير المباشرة.
في الواقع يجب الاعتراف بوجود قصور أمني في مواجهة التحديات الأمنية، لكن لا يبدو أن تركيا ستخضع للضغوط بل ستستمر في تحديها وفي مواجهتها في ظل قيادة كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وفي ظل قناعة أن سعي تركيا لتحقيق طموحاتها وأهدافها لابد من أن يتضمن تقديم بعض المعاناة والتضحيات.
لا بد أن تقوم تركيا بإجراءات أكثر صرامة لحماية أمنها الداخلي حتى تحافظ على استقرارها في حال أرادت الثبات على خطوطها الحمراء في كل من سياستها الداخلية والخارجية وهو الواضح أنه سيستمر بنفس الزخم وخاصة في السياسات الداخلية لأنه كما ذكرنا أن استمرار هذه الأداة (التفجيرات في المدن التركية) للتأثير على الحكومة سوف يظل قائمًا.