ترجمة وتحرير نون بوست
كتب راي تقية ورويل مارك جريشت
الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية مؤسسة غريبة، مصممة لتعزيز شرعية النظام الديني الثيوقراطي؛ فهيئات التدقيق المختلفة، المسيطر عليها بأكملها من قِبل رجال الدين، تلغي التشريع البرلماني بشكل روتيني، ومجلس الشورى، أي البرلمان الإيراني، يلعب منذ فترة طويلة دور المردد لقرارات النخبة الحاكمة، ويعتبر صمام أمان لهروب المعارضة الموالية للنظام.
يتم تضخيم غرابة الديمقراطية الإيرانية التي تُدار ثيوقراطيًا من خلال الانتخابات، كتلك التي عقدت منذ أسبوعين، ومن خلال الإعلام الإيراني الذي يروّج للحملات والخلافات بين النخبة السياسية، كما لو كانت إيران تضم منافسات على النمط الغربي ما بين اليسار واليمين؛ فالرئيس حسن روحاني وأنصاره نصبوا أنفسهم كمرشحي الأمل والتغيير، وبالفطرة، اقتبست وسائل الإعلام الغربية ذات هذه المفردات، وفي الحقيقة، انتخابات عام 2016 رسمت إشارات التغيير، ولكنه ليس ذاك النوع من التغيير الذي تضمره الصحافة الغربية، بل بدلًا من ذلك، وضعت هذه الانتخابات حدًا لحركة الإصلاح المفعمة بالحيوية، وأعلنت وفاة “اليسار الإسلامي”، الذي أنتج جميع الإصلاحيين في إيران تقريبًا.
المعارضة الموالية للنظام
في وقت مبكر من تسعينيات القرن المنصرم، وفي أعقاب الحرب بين إيران والعراق، أخذت مجموعة منتقاة من السياسيين الإيرانيين وعلماء الدين على عاتقها مسؤولية إعادة النظر في دور الشعب ضمن الحكومة الإسلامية، وكان أساس عقيدتهم ينبع من أن تفسير النصوص المقدسة يجب أن يتكيف مع الظروف المتغيرة للإنسان، وبالنسبة لهم، كانت المؤسسات المنتخبة مصادر أكثر أهمية للسلطة من المكاتب التي يتم تعيينها وتستمد سلطتها من القوة الدينية، هؤلاء الإصلاحيون، الذين كانوا جميعًا موالين للثورة الإسلامية، كانوا مقتنعين بأن فرض القيود الدينية بشكل إلزامي وازدراء الديمقراطية سوف يضعفان حتمًا الإيمان وغيره من الأسس التي تقوم عليها الدولة، وعلى عكس المتشددين، تمتع الإصلاحيون بثقة كبيرة في قدرة الشعب بالحفاظ على البلاد بشكلها الديني وجوهرها الديمقراطي.
تمتعت الحركة بلحظات نجاح مبهر خلال مسيراتها، ففي التسعينيات، استطاعت السيطرة على كل من رئاسة الجمهورية والبرلمان، ولكن الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية، التي كانت متحالفة بشكل وثيق مع الرئيس السابق، والمعلم الروحي لروحاني، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والمرشد الأعلى علي خامنئي، عادت بقوة في وقت مبكر من مطلع القرن، حيث كانت مسؤولة عن المضايقات والسجن والتعذيب والقتل، وبالمحصلة، استطاعت استعادة السيطرة على الحكومة.
ولكن مع ذلك، بقي الإصلاحيون على تحديهم، ودعوا إلى مقاطعة الانتخابات، وتحملوا مدد الاعتقال الطويلة، كما قادوا حملة اتهام النظام في صيف عام 2009 بتزوير الانتخابات الرئاسية، وحينها كان المرشد الأعلى علي خامنئي ومساعديه في الحرس الثوري الإيراني، يحوزون السلطة، ولكن كان الإصلاحيون يمتلكون شرعية النظام بين أيديهم.
لانتزاع الشرعية منهم، عمد المتشددون لإجراء محاكمات صورية ونسج المؤامرات المعقدة حول كيفية تخطيط الإصلاحيين مع أجهزة الاستخبارات الغربية لتقويض الجمهورية الإسلامية، وتحت قشرة التشهير، كان يقبع الخوف؛ حيث أدرك الملالي بأنهم يفتقرون للتفويض الشعبي اللازم للحكم، وبغية سحق روح المقاومة، كان يجب على النظام أن يحوّل الإصلاحيين من معارضين إلى متعاونين، وهذا بالضبط ما حدث في الانتخابات الأخيرة.
الخاسرون والرابحون
بدأت الدورة الانتخابية الأخيرة بتنحية شاملة معتادة للإصلاحيين والسياسيين المستقلين، كما مارست الصحافة اليمينية حملة إعلامية شرسة اتهمت من خلالها الإصلاحيين بأنهم عملاء للغرب، وتم التنديد بالحركة الخضراء المؤيدة للديمقراطية واعتبارها مولودًا شريرًا من صلب وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
الفرق الرئيسي في هذه الانتخابات بأنه بدلًا من الامتناع عن التصويت لتلك الانتخابات المزورة، توسّل الإصلاحيون للمشاركة بها، حيث ظهر قيادي حركة الإصلاح اليوم، الشخصية الهزلية محمد رضا عارف، وهو يمسك بقائمة مرشحيه على شاشات التلفزيون، ويتوسّل الناخبين للتصويت لإدراج أسماء الإصلاحيين ضمن النظام؛ فهذه الانتخابات لم تتضمن مطالبات لإطلاق سراح السجناء السياسيين أو لتحقيق الشفافية الانتخابية، كما أن عمالقة الحركة الإصلاحية، مثل عبد الله نوري، الذي واجه غير مرة المحققين على شاشات التلفزيون ودفع ثمنًا مريرًا في المعتقل، تم تحجيمهم ليقوموا بدعوة الجمهور للمشاركة الكثيفة في الانتخابات التي كانت تقصيهم إلى حد كبير.
لا يمكننا أن نحصي على وجه التحديد عدد الإيرانيين الذين صوتوا في الانتخابات على أرض الواقع؛ فتقارير النظام تقول بأن معدل المشاركة بلغ 62%، ولكن الأمر المؤكد هو أن النتيجة النهائية تمخضت عن برلمان منقسم بين المتشددين، المحافظين، وبعض الإصلاحيين، كما تحوّل الطيف السياسي في الجمهورية الإسلامية اليوم ليتمركز بشكل أقرب لليمين السياسي، لدرجة أن الرجعيين، كرئيس البرلمان العنيد علي لاريجاني، ينظر إليهم اليوم كمحافظين معقولين.
المنتصر الحقيقي في هذه الانتخابات هو روحاني، الذي لم يكن له أن يعتبر من المعتدلين على الإطلاق في العقود الإيرانية السابقة؛ فمن خلال نتيجة الانتخابات، أُفسح المجال أمامه ليتمكن من تقديم صورة من الاعتدال، مُسهلًا من خلالها مسار الاستثمار الدولي، كما أن المستثمرين الأجانب لم يعد عليهم أن يعترفوا بعد اليوم بأنه يستثمرون في دولة ثيوقراطية ومحافظة على نحو متزايد، بل بدلًا من ذلك، أضحى يُنظر إليهم على أنهم يساعدون “المعتدلين” على حساب المتشددين.
تتمثل المفارقة هنا بأن زوال حركة الإصلاح قد ينذر بسقوط الجمهورية الإسلامية؛ فنظام الملالي انقسم على نفسه مرارًا وتكرارًا، والإسلاميون الذين تأثروا بشكل كبير بالماركسية وعلم الاجتماع اليساري تحولوا إلى المعارضة التي يمكن للنظام التسامح معها، وطالما بقي فصيل إصلاحي حيوي يساري متواجدًا في خلفية المشهد، سيستمر الأمل بين أوساط الجمهور بأن النظام الإيراني قد يتحرر من خلال الإجراءات الدستورية التي وضعها بنفسه؛ فالانتخابات ستصبح مهمة في يوم من الأيام، وسيأتي يومًا ما رجل جريء ملتزم بالتغيير الحقيقي ليتسلم السلطة، ولكن الآن، أضحى الإصلاحيون مجرد حيوانات أليفة تقتات على فتات المتشددين.
وصلت إيران اليوم إلى طريق مسدود، فاقتصادها وصل إلا مرحلة اللإصلاح، والنظام السياسي لم يعد من الممكن تحريره، كما أن سكان إيران لم يعد من الممكن استرضاؤهم؛ ليس هناك بعد الآن أي صمامات أمان لتنفيس الضغط الحاصل، وانعدمت السبل نحو تحقيق سياسة المساءلة؛ لذا وفي مناسبة أو في أخرى، سيستثير أمر ما شرارة حركة احتجاج أخرى، ولكن اليسار الإسلامي لن يكون متواجدًا للدفاع عن النظام، وحينها سيعمد نظام الملالي لاستخدام القوة الغاشمة مرة أخرى، ولكن كما أظهر الربيع العربي وجميع ما أتبعه، القوة الغاشمة قد لا تكون كافية لسحق الثوران الشعبي.
المصدر: فورين أفيرز