ترجمة وتحرير نون بوست
عندما ذهبت هند العتيبي إلى محكمة الرياض للأحوال الشخصية، لأن والدها قام بضربها باعتباره “وليها” أو الوصي عليها، بدا القضاة متعاطفين معها، وكان والدها قد اغتصبها وأصابها بكدمات عندما كانت في عمر المراهقة، كما أخبرت المحكمة.
لقد رفض أيضًا سفرها للخارج، حتى لحضور جنازة والدتها، وعندما هربت من المنزل، أقنع الخدمات الإجتماعية بإرجاعها مرة أخرى.
بعد النظر في القضية، قررت المحكمة العام الماضي أن يبقى والدها، الإمام من الداخل السعودي في نجد، وليها القانوني لكن فيما يتعلق فقط بأمور الزواج، وإذا أيدت محكمة الاسئناف هذا الحكم، فهذا الحكم قد يؤدي إلى إسقاط الصرح القانوني للهيمنة الذكورية، وحرمان الولاة من سلطتهم فيما يتعلق بدراسة المرأة وعملها وسفرها أو حتى فتح حسابات مصرفية، إنه “تحرير من العبودية” كما تقول السيدة العتيبي.
في السنوات الأخيرة، تحسنت أوضاع الكثير من النساء السعوديات، فمع ازدياد عدد المراكز التجارية، والمجمعات المغلقة وحتى الشواطئ الخاصة.
كما أن الحكومة كانت قد أرسلت عشرات الآلاف من النساء للدراسة في الجامعات الغربية، حيث يمكنهن اختبار حرية التحرك وارتداء الملابس والقيادة كما يحلو لهن، أما اللاتي مكثن فسوف يعانين من الفجوة بين عالمهن الخاص والعالم الظاهري الذي يحاولن الهرب منه عدة ساعات كل يوم.
ولأنهن يحملن شهادات دكتوراه، فقد استطاع بعض منهن إعادة فتح سوق العمل، ففي 2012 منحت المحكمة رخصة المحاماة لأول امرأة، وفي ديسمبر الماضي شاركت النساء لأول مرة في انتخابات المجالس المحلية.
أنشأت بيان الزهران، المحامية في جدة، أول مكتب محاماة تقوده امرأة، أما كليات الحقوق في الجامعات النسائية فقد بدأت في تخريج دفعات جديدة من المحاميات.
بالرغم من ذلك، فما زال العدد تافهًا، حيث يعمل فقط حوالى 18% من النساء السعوديات في سن العمل (مقابل 65% من الرجال) وهذا الرقم من أدنى المعدلات عالميًا، وبالنسبة لجميع العناوين البارزة، فلدى المملكة 67 محامية (من أصل 3400) و 21 عضو مجلس نسائي (من أصل 3150).
تقول المحاميات أنهن يكافحن مع القضاة حيث يأمرونهن بالجلوس عند قيامهن لتمثيل الموكلين، ولكن بمرور الوقت، يبدو أن المحظورات على المرأة في الحياة العامة قد بدأت بالتمزق.
“النساء أفضل في تمثيلهمن للنساء الأخريات، لأنهن يهتممن بأمورهن أكثر من الرجال، كما أنهن يفهمن بعضهن بشكل أفضل” يقول القاضي فيصل عوراني، مباشرة بعد إصداره حكما بـ 80 جلدة على شارب خمر. وبالرغم من أنه يعارض أن تصبح الناساء قضاة إلا أنه يقول “لكن بمرور الوقت، قد يتغير كل شيء، وربما أتغير أنا أيضًا”.
ما زالت المملكة مستمرة في الفصل الكئيب ما بين الجنسين، فما زالت البنوك محافظة على مداخل منفصلة للرجال والنساء، أما مقهى ستاربكس فيمنع النساء من الجلوس في الشرفات المفتوحة في الهواء الطلق، وفي مطعم ماكدونالدز يصطف الرجال والنساء بشكل منفصل عند طلب البرجر.
في الرياض وجدة، ولكن ليس في عدد قليل من الأماكن الأكثر تحررًا مثل القطيف، قام رجال الدين المعارضون لمشاركة النساء في الانتخابات، بمنع أعضاء المجالس المحلية من النساء من الجلوس في قاعات المجلس مع الرجال.
ولإثارة ذعر رجال الدين، تقوم النساء المحجبات حاليًا بإدارة صناديق النقود (الكاشير) في متجر إيكيا، وهو متجر أثاث سويدي، في واحدة من أفقر الأماكن بالرياض، بينما يصطف النساء والرجال في ممرات مختلطة.
وفي جامعة الملك عبدالله للعلوم التكنولوجيا خارج جدة، يقوم الطلاب والطالبات بحضور نفس المحاضرات معًا ويختلطون بحرية، وعند بناء المباني الإدارية الجديدة يقوم المهندسون المعماريون ببناء دورات مياه الرجال والنساء في نفس الطابق.
لكن حتى الآن لم تحصل النساء السعوديات على الحرية التي تتمتع بها نظيراتهن الإيرانيات فيما يتعلق بالحجاب.
“سوف يعترض أولياء الأمر إذا لم أقم بتغطية وجهي” تقول مديرة أحد المدارس الإبتدائية والتي تتوق لنزع “النقاب”. ومع ارتفاع أعداد الطالبات في المداراس الثانوية، أصبحت الفتيات يرتدين غطاء الرأس فقط، بغض النظر عن آراء شيوخهن الذين يعتبرون هذا الأمر فاضحًا، وفي جدة، المدينة الساحلية الأكثر تحررًا، تقوم الخياطات بتصميم عباءات بألوان زاهية، بينما تدخن النساء النرجيلة خارج المنازل.
الأمر المثير للقلق هو أن الإصلاحات الإضافية التي قام بها الملك عبدالله يبدو أنها تعثرت وربما يتم إلغاؤها في عهد خليفته، الملك سلمان، لكن ابنه الأصغر، الأمير محمد، والذي يدير معظم مقاليد الحكم، يقول بأنه حريص على زيادة الإنتاج وخفض معدلات المواليد وذلك بالسماح للمرأة بالخروج للعمل، بالرغم من ذلك فهو يبدو قلقًا من مواجهة المؤسسة الدينية، والتي يعتمد عليها حكام آل سعود في شرعيتهم.
كانت العديد من إصلاحات الملك عبدالله قد تم تغييرها، بينما عاد مجموعة من المتشددين للحكم مرة أخرى، وتم إقالة الوزيرة الوحيدة في وزارة التعليم مؤخرًا بعد أن تولى الملك سلمان العرش.
تم منع أربع نساء من خوض الإنتخابات المحلية بعد قيامهن بتحدي حظر قيادة السيارات علنًا، وتقول المتسوقات في جدة أن البوليس الديني قد عاد، وطلب من المتاجر أن تقوم بالشطب باللون الأسود على صور أي نساء غير محجبات تظهر على علب البضائع التي يستخدمونها.
تقول مديرة تنفيذية بشركة خدمات مالية دولية، أن البوليس السري قام برفع ثلاث بصمات من مكتبها للتحقق من علامات اختلاط الجنسين، وتم إجبارها مرة أخرى على الدخول من الباب الجانبي عند زيارة العملاء بينما يقوم نظرائها من الرجال بالدخول من الباب الأمامي، كما أنهم يسافرون لحضور الإجتماعات في سيارات منفصلة.
في بيئة جديدة أكثر تحفظًا، لعل الأمل الأفضل للنساء هو أن تقوم البلاد بإعادة اكتشاف تقاليدها، فقد أبدى مسؤول كبير إعجابه بلقطات للملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية، وهو يقوم بعقد محكمة في مكة عام 1930، بينما تظهر النساء وهن يمتطين الخيول لجلب بضاعتهن إلى الأسواق.
وفي مهرجان جدة السنوي، يقوم المنظمون بعرض الأزياء الملونة التي اعتادت النساء على ارتدائها قبل أن يقوم متشددو الصحراء بفرض العباءة السوداء على نساء البلد بأكمله.
الأمر المثير للدهشة، هو أن النبي محمد (ص) قد اشترط أن يقوم النساء والرجال بأداء فريضة الحج في مكة معًا، وعندما تطوف النساء حول الكعبة، أقدس الأماكن الإسلامية، يجب عليهن أن يكشفن عن وجوههن، وربما يجب أن تتم إحاطة حكام المملكة العربية السعودية الجدد علمًا بذلك.
المصدر: الإيكونومست