تمثل مشكلة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو أو الجزائر من أعقد الصراعات المستعصية على الحلول التوافقية ثنائيًا وإقليميًا ودوليًا، فكل طرف متشبث برؤيته وموقفه من الصراع الحاصل، حتى إن هذه المشكلة كانت السبب الرئيسي والمباشرة لتجميد عمل مؤسسات اتحاد المغرب العربي في ديسمبر 1995.
ويعتبر مشكل الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب من الأسباب الرئيسية لفشل اتحاد المغربي العربي، وكان لتخلي إسبانيا عن الإقليم بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تلقى الدعم من الجزائر، قد جعل من إقليم الصحراء المغربية محورًا مهمًا من محاور عدم الاستقرار في العلاقات المغاربية عامة والعلاقات المغربية – الجزائرية خاصة، وأن إحاطة الإقليم بأقطار لكل منها مشاكله مع الآخر قد عقّد المشكلة وجعل منها منطقة تنازع بين كل من المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال جولته في المنطقة التي اختتمها الإثنين الماضي من الجزائر، على ضرورة العمل من أجل إعادة بعث المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، لإيجاد تسوية للنزاع في الصحراء الغربية الذي طال أمده.
وأعلن الأمين العام الأممي عن استئناف مبعوثه الشخصي للصحراء الغربية كريستوفر روس، لجولاته السياسية عن قريب من أجل تهيئة الأجواء لإعادة بعث هذه المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وأكد بالمناسبة استعداد بعثة الأمم المتحدة المكلفة بتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) لتنظيم هذا الاستفتاء، في حال التوصل إلى اتفاق بين طرفي النزاع.
من جهتها، أكدت الجزائر على لسان وزيرها الأول عبد المالك سلال دعمها لجهود الأمين العام ومبعوثه الخاص من أجل التوصل إلى تسوية لهذه المسالة والسماح للشعب الصحراوي بممارسة حقه الثابت في تقرير المصير طبقًا للقانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة ذات الصلة.
ويرى ممثل جبهة البوليزاريو لدى الأمم المتحدة، أحمد بخاري، أن هذه الزيارة ستعيد القضية الصحراوية إلى الواجهة على مستوى مجلس الأمن الدولي، وأكد بخاري أن هذه الزيارة تشكل “عنصرًا جديدًا” في الجهود الأممية لتسوية النزاع حول الصحراء الغربية، حيث سيكون لها تأثير على مجلس الأمن من خلال التقرير الذي سيقدمه في شهر أبريل المقبل.
تأسست جبهة البوليساريو سنة 1973 أثناء استعداد إسبانيا للجلاء من الصحراء لترفض السيادة المغربية على الصحراء وأعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية المعلنة من طرف واحد.
وأدلى بان كي مون بتصريحات في مخيمات تندوف الصحراوي، تقدم استفتاء تقرير المصير حلاً لنزاع الصحراء ويدعو إلى تنظيم مؤتمر للمانحين لمساعدة اللاجئين الصحراويين، واستعمل بان كي مون في معرض تصريحاته كلمة “الاحتلال” في وصفه لنزاع الصحراء، وهو ما اعتبره المغرب مسًا “بمشاعر المغاربة”.
الأمر الذي رفضته المغرب وأصدرت بيانًا شديد اللهجة ضد بان كي مون، واتهمت الأمين العام للمنظمة بـ “التخلي عن حياده وموضوعيته” بشأن النزاع حول الصحراء الغربية.
وقال بيان حكومة المملكة المغربية أنها سجلت بذهول أن الأمين العام استعمل عبارة “احتلال” لوصف استرجاع المغرب لوحدته الترابية، معتبرة أن ذلك “يتناقض بشدة مع القاموس الذي دأبت الأمم المتحدة على استخدامه فيما يتعلق بالصحراء المغربية، وأن استعمال هذا التوصيف ليس له سند سياسي أو قانوني ويشكل إهانة بالنسبة للحكومة وللشعب المغربيين”.
وأضافت أن “هذا الانزلاق اللفظي يمس بشكل خطير بمصداقية الأمانة العامة للأمم المتحدة”، وأن “مصلحة المسلسل الأممي لتسهيل التوصل إلى حل تفرض الأمل في أن يكون الأمر مجرد زلة لسان”.
وأعربت الحكومة في البلاغ ذاته عن “احتجاجها القوي على تصريحات الأمين العام الأممي حول قضية الصحراء المغربية”، مشيرة إلى أن هذه التصريحات غير ملائمة سياسيًا، وغير مسبوقة في تاريخ أسلافه ومخالفة لقرارات مجلس الأمن، وأضافت حكومة الرباط أن “الأمين العام الأممي عبر بشكل علني عن تساهل مدان مع دولة وهمية، تفتقد لكل المقومات بدون تراب ولا ساكنة ولا علم معترف به”، في إشارة إلى “الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية” التي أعلنتها البوليساريو وغير المعترف بها دوليًا.
تقع الصحراء الغربية (266.000 كيلومتر مربع) في شمال غرب أفريقيا، تحدّها الجزائر من الشرق وموريتانيا من الجنوب وباقي المغرب من الشمال. وتعد مدينة العيون أكبر مدنها وهي أرض متنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، يسيطر المغرب على 80% منها ويقوم بإدارتها غالبية السكان.
قال وزير الخارجية المغربي أمام لجنتي الخارجية في غرفتي البرلمان المغربي مساء الجمعة إن الموقف المغربي بخصوص وصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للصحراء الغربية بـ “المحتلة” سيكون له تبعات في الأيام والأسابيع المقبلة”.
وأوضح صلاح الدين مزوار وزير الخارجية المغربي الذي كان يتحدث أمام وسائل الإعلام إلى أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية في غرفتي البرلمان “الخلاصة إذن هو أن ما حدث هو مس بجوهر الأمم المتحدة، أي الحياد، ومس كذلك بالقانون الدولي في هذا المجال وهو ما ستكون له بالطبع تبعات بالنسبة للموقف المغربي”.
وأضاف أن “المغرب لن يقبل بالطبع بهذه التجاوزات وسيكون ما سيكون من مخلفات لهذا الملف في الأيام والأسابيع المقبلة”.
شارك نحو مليون متظاهر في مسيرات جابت شوارع العاصمة المغربية الرباط أمس الأحد احتجاجًا على التصريحات التي أدلى بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول الصحراء الغربية والتي استخدم فيها كلمة “احتلال”.
يعتبر المغرب الصحراء الغربية الغنية بالمعادن “محافظات جنوبية” وجزءًا لا يتجزأ من المغرب، وخرج المتظاهرون إلى شوارع الرباط بعد دعوات للاحتجاج وجهتها الأحزاب السياسية والنقابات والجماعات غير الحكومية، وقالت السلطات إن عدد المشاركين في المظاهرات بلغ 3 ملايين، وهتف المتظاهرون “الصحراء لنا”، فيما لوحوا بالأعلام المغربية وصور العاهل المغربي محمد السادس.
في مقابل ذلك رد المتحدث باسم الأمم المتحدة مساء الأربعاء الماضي قائلاً إن بان كي مون أشار إلى “احتلال” المنطقة لتعذر عودة اللاجئين الصحراويين إلى ديارهم تحت ظروف تتضمن ترتيبات الحاكمية الجيدة يتمكن كل الصحراويين من التعبير بظلها عن رغباتهم بكامل الحرية.
وقال المتحدث في رد له نشر بالموقع الرسمي للأمم المتحدة على بلاغ للحكومة المغربية اتهم بان كي مون بـ “عدم الحياد”، إن “جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، بما فيها المغرب، توافق على القرارات السنوية الصادرة عن الجمعية العامة بدون تصويت، على أن وضع الصحراء الغربية، وهي إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، لم يتقرر بعد”.
وتابع المتحدث في رده على تداعيات زيارة بان كي مون لمخيمات تندوف بالجزائر حيث يقطن آلاف اللاجئين الصحراويين أن مجلس الأمن الدولي دعا الأمم المتحدة إلى تيسير إجراء مفاوضات تهدف إلى التوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين، يوفر لشعب الصحراء الغربية تقرير المصير.
وأضاف المتحدث ذاته أن الأمين العام شهد خلال زيارته يوم السبت 5 مارس “وضعًا صعبًا في مخيم للاجئين الصحراويين نجم عن عقود من العيش بدون أمل في أقسى الظروف”، وأنه شدد “على أن اللاجئين الصحراويين يستحقون مستقبلاً أفضل”، داعيًا إلى “إجراء مفاوضات حقيقية بحسن نية وبدون شروط مسبقة”.
بدوره قال ستيفان دوجاريتش الناطق باسم الأمم المتحدة “فيما يعترف الأمين العام بأن ثمة اختلافات في وجهات النظر حول مسألة الصحراء الغربية، ما زال يؤمن بأنه بعد 40 عامًا من اندلاع الصراع فإنه من المهم بمكان حل هذا النزاع وفتح الطريق لعودة اللاجئين الصحراويين إلى ديارهم”، وقال الناطق إن بان كي مون “كرر الدعوة للعودة إلى المفاوضات بنوايا صافية ودون شروط مسبقة في كل محطة توقف فيها في جولته الأخيرة”.
واستأنف روس جهوده الدبلوماسية في فبراير 2015 بعد خلاف مع المغرب الذي اتهمه بـ “الانحياز” سنة 2012، وكان قد زار المنطقة نهاية سبتمبر ونهاية نوفمبر من دون نجاح يذكر.
ويعيش نحو مئتي ألف صحراوي في مخيمات للاجئين في منطقة تندوف (1800 كلم جنوب غرب الجزائر).
ويعتبر النزاع حول الصحراء الغربية من أقدم النزاعات في أفريقيا حيث دام أكثر من 40 عامًا منذ أن ضم المغرب الصحراء إليه في عام 1975 عقب انسحاب الاستعمار الإسباني منها لتتأسس عامًا بعد ذلك الجبهة وتحمل السلاح في وجه المغرب مطالبة بانفصال الإقليم الغني بالثروات السمكية والفوسفات ويعتقد أن به مكامن نفطية.
وتدخلت الأمم المتحدة عام 1991 لوقف إطلاق النار وباءت محاولاتها بالفشل لتنظيم استفتاء على مستقبل المنطقة بسبب وصول الطرفين إلى طريق مسدود.
وتحاول الأمم المتحدة منذ عدة سنوات إجراء استفتاء حول استقلال الصحراء الغربية التي ضمتها المغرب بعد انسحاب إسبانيا منها عام 1975، ولكن المغرب يرفض ذلك ويقترح منح الصحراء حكمًا ذاتيًا.