أطلقت الحكومة الألمانية الشهر الماضي موقع مُدعم من الحكومة على الإنترنت هدفه تعليم المهاجرين واللاجئين في ألمانيا الثقافة الجنسية، الموقع مزوّد بـ 13 لغة، يُعلم المهاجرين واللاجئين كيف يمكنهم إقامة علاقة مع النساء الألمانيات، حيث يعتمد الموقع في شرحه على صور كرتونية يظهر فيها رجل أسمر البشرة مع فتاة بيضاء البشرة شقراء الشعر، وهو الأمر الذي اعتبرته العديد من الدول خير دليل على الثقافة المُرحبة التي يتميز بها الشعب الألماني، واعتبره البعض الآخر وسيلة من وسائل الإدماج المجتمعي وتوحيد المجتمع وتقبل الآخرين، وإدماجهم ومساعدتهم على التكيّف مع المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه، حيث يجب أن يتعلموا أساليب الحياة الجديدة التي في انتظارهم.
يحاول الموقع شرح مفهوم العلاقات البشرية من البداية وحتى الوصول إلى العلاقة الجسدية سواء قبل الزواج أو بعده، كما يقوم بشرح كل ما يتعلق بالعملية الجنسية، والتعريف بالجنس العرضي “Casual Sex“، والذي اشتهر في الأوساط الغربية بعد الثورة الجنسية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بعد تسهيل حبوب منع الحمل وتقنين الإجهاض في بعض الدول، وهو الجنس الذي لا يلتزم بروابط عاطفية أو رسمية بين الطرفين، والذي تحدث الموقع عنه بأن اللاجئين أكثر عرضة له أثناء حياتهم في المجتمع الألماني.
على الرغم من اعتبار انطلاقة ذلك الموقع بمثابة احترام الشعب الألماني للاجئين ومحاولتهم المساعدة على تكيفهم معه، إلا أن تلك المبادرة لم تأت من الحكومة الألمانية إلا بعد العديد من الوقائع التي نتجت عن صدام يمكن وصفه بالصدام الحضاري بين اللاجئين وبين النساء الألمانيات على وجه التحديد، فبعد واقعة التحرش الجنسي في مدينة كولونيا في احتفالية رأس السنة والذي وصل عدد ضحاياها إلى 500 ضحية، بدأت الحكومة الألمانية في إطلاق برامج تدريبية وتعليمية تحت عنوان “تعليم اللاجئين والمهاجرين حُسن السلوك”، مختصرها هو تعليمهم آداب المجتمع الذي يعيشون فيه، وما إذا حدث تواصل بينهم وبين النساء الألمانيات فيجب عليهم التزام حُسن السلوك، وأن يفهموا أن التحرش والاغتصاب جريمة يُعاقب عليها القانون الألماني وليس كما يتعامل معها القانون في بلادهم، إلى أن تطور الأمر وأطلقت الحكومة الألمانية مؤخرًا دليلُا إلكترونيًا يمكن اعتباره دليل الثقافة الجنسية للاجئ في ألمانيا.
مظاهرات النساء في ألمانيا ضد اللاجئين
كانت انطلاقة ذلك الموقع بمثابة صدمة للعديد من فئات الشعب الألماني، وبدأت الاتهامات والشكوك تحوم حول مدى وطنية أنجليا ميركل، في اتهامها بمحاولة محو الهوية الألمانية بإدماجها مع الشخصية المهاجرة أو اللاجئة والتي في الأغلب تكون من الثقافات الأقل حضارة والأكثر عشوائية وهمجية، والتي يعتبرها الألمان أكثر حيوانية كذلك، لدرجة أنه يتم عقد دورات تدريبية مكثفة تحت عنوان من أجل أن يتعلم اللاجئين حُسن السلوك، كما بدأ العديد من الألمان في اتهام ميركل صراحة بولائها لليهود، وذلك لأنها وُلدت في عائلة لها جذور يهودية، ومحاولتها الانتقام من الجنس الألماني بطريقة غير مباشرة مستغلة أزمة اللاجئين.
إذا تابعت آراء الألمان بطريقة عشوائية على صفحات التواصل الاجتماعي ستجد أن الكثير من الشباب قد أطلقوا على الموقع لقب المذبحة المُقتِربة للجنس الأبيض، أي أن الحكومة الألمانية تبارك اندماج الجنس الأبيض، أي الفتيات الألمان، مع غيرهم من غير الألمان أصحاب البشرة السمراء الشرق أوسطية، ووجدوه مخطط يهودي للانتقام من الألمان، وأكدوا أن الأمر سيتحول لمذبحة حقيقة إن لم تتخذ الحكومة الألمانية حذرها وتمنع انتشار اللاجئين وسط المجتمع الألماني لكي لا تحدث صدامات عنيفة كما كان في حادثة كولونيا، ولكي لا يستيقظ الشعب الألماني على هيمنة الإسلام على ألمانيا.
الأمر ليس صراعًا دينيًا فحسب، فالغرب يعود مرة أخرى ليهيمن على ثقافات العالم، زاعمًا بأن الثقافة الغربية هي الثقافة الأسمى والأرقى، وعلى الجميع اتباعها، والأمر ينطبق على اللاجئين والمهاجرين كذلك، إلا أنه في هذه المرة لم يحتضن الغرب اللاجئين بصدر رحب كما يحاول أن يفعل دائمًا، بل عاملهم كما الحيوانات، بدون عقل أو ثقافة أو حضارة، بالطبع هناك فرق بين المُهاجر واللاجئ، ولكن يبدو أن الحكومة الألمانية جعلت من الاثنين سواء أمام الثقافة الجنسية، إذ يتم معاملة الاثنين على أنهما قادمين من بلاد العالم الثالث الذي لا يمكنه الحياة أو التعلم أو حتى ممارسة الجنس كما يفعل الغربيون، الأمر يبدو غريبًا للبعض، فلماذا قد تخصص الحكومة الألمانية برامج تثقيفية للاجئين في حين يغزو الملايين منها الإنترنت! ولم يتم تخصيص أحد تلك البرامج المتوفرة على الإنترنت بأنها فقط للاجئين أو المهاجرين من قبل.
من الممكن أن تكون عملية اقتلاع جذور الإنسان هي بداية ضياعه، حينها يبدأ اللاجئ أو المهاجر في نسيان تاريخه، وهنا يستطيع الغرب تشكيله كما يحلو له، لينتج منتجًا مرغوب فيه لدى الجميع، ومقبول في ثقافته، ويمكن ضمه إليهم ليعيش ويتعايش بينهم، وعندما يصبح مثلهم يمكنهم وقتها التفكير في قبوله مواطنًا غربيًا مطابقًا للشروط والمواصفات، البعض يقول بأن ثقافة ألمانيا الحميمة تلك نابعة من التكفير بالذنب الذي ارتكبه الألمان ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية، وحان الوقت لدفع الثمن، ولكن جاء الثمن هذه المرة بلون مختلف ودين آخر وثقافة أكثر اختلافًا، فهل سيستمر الشعب الألماني في الترحيب بابتسامة ودودة، أم سيستمر في اعتبار اللاجئين مجرد قبائل لا تعقل ولا تفهم سيتم تشكيل حياتهم طبقًا لرغبات الحكومة الألمانية فحسب؟!