يبدو أن هذه سنة الأبطال الخارقين، فبعد موسم فارط مخيب لم يحققوا فيه نجاحًا يذكر (ربما عدا الرجل النملة Antman)، يأتي هذا الموسم بعناوين تسيل اللعاب، وربما يأتي على رأس القائمة، ذلك النزال الأسطوري الذي سيحدث قريبًا بين باتمان وسوبرمان في Batman Vs Superman، كما تنتظر الجماهير في لهفة إطلالة الفرقة الانتحارية Suicide Club هذا الصيف، ونضيف إلى هذين، عودة أبطال المارفل التقليديين، إكس مان وكابتن أمريكا، لكن يبدو أن خير مفاجآت مارفل كانت أقلها وعودًا، فلم تكن هناك توقعات كبرى بخصوص الإطلالة الأولى لنقيض البطل Deadpool في عالم السينما، لكن شباك التذاكر يشير إلى أنه صاحب الإيرادات الأعلى في هذا العام، فهل يستحق الفيلم هذا النجاح الكبير؟
لأكون دقيقًا، ففيلم Deadpool ليس أول عمل سينمائي يظهر فيه هذا البطل، حيث ظهر في أحد أفلام إكسمان (أصول إكسمان: وولفرين 2009) ويبدو أن طبيعة الشخصية وأداء الممثل ريان رينولدز خلاله، أقنعا المنتجين بتخصيص فيلم له، وهو ما بدأ العمل عليه انطلاقًا من سنة 2011.
أما الشخصية فقد ظهرت لأول مرة على صفحات مجلة مارفل منذ 1991 وكانت شخصية شريرة أساسًا قبل أن تتحول إلى نقيض بطل Antihero، أي ذلك البطل الذي لا يفتقد إلى بعض صفات البطل الكلاسيكية (المروءة، الشهامة، إلخ)، والأكيدُ أن هذا الجانب أساسًا هو سبب كل هذا النجاح الذي حققه Deadpool، فهو مقارنة بغيره من الأبطال الخارقين، لا يمتاز بأي شيء: تصميمه تقليدي جدًا، زي كذلك الذي يلبسه أغلب المقنعين، وأسلحة ليس فيها بحثٍ أو خيال، وأسلوب قتالي لا يميزه أي شيء، أما قصته فمن المؤكد أنك سمعت آلاف القصص مثلها: يتعرض إلى تجربة حورت جينات جسده، وجعلته خارقًا (تنمو أجزاؤه المبتورة، وتلتحم أجزاؤه المكسورة وتداوى جروحه في الحال) ومشوها، فيقرر البحث عمن تسبب له في تشوهه لإصلاح العبث.
الجديد هنا، أن ديدبول أظرف شخص في العالم، وهكذا تتحول المأساة إلى ملهاة، بل هستيريا كوميدية لا تتهاوى خلف أي شيء مهما كان الموقف مفزعًا، أو مثيرًا، أو رومانسيًا، أو مأساويًا، هل يمكن بهذا المعنى اعتبار ديدبول فيلما كوميديا بالأساس؟
الحقيقة أن الفيلم يتعالى بمهارة على كل محاولة لتصنيفه، إن الكوميديا حاضرة بكثافة في كل أوقات الفيلم بذات العدالة التي وزعت بها الرومانسية فيه، البطل نفسه وهو راوي الأحداث، يؤكد مرارًا أن قصته هي بالأساس قصة حب لا غير، يروي لنا كيف عرف حبيبته، وكيف تطورت علاقتهما السعيدة إلى حد أن ظهر ما عكر الصفو وأرغمه على الذهاب إلى مخابر المدعو فرانسيس Francis ويحصل ما لم يكن في حسبانه، لم يكن ديدبول يبحث عن البطولة بقدر ما كان يبحث عن استعادة حبه الضائع.
إن الفكرة رومانسية جدًا، لكن التطبيق لم يكن كذلك أبدًا، فطوال الفيلم لم يدخر المخرجون جهدًا لنثر الدماء وإثارة الفوضى والدمار في كل سنتيمتر مربع من مشاهد الفيلم، الحقيقة أننا أمام أحد أكثر أفلام الأبطال الخارقين دموية وهو أحد سببين لتصنيفه R (ولا بد أنكم تخيلتم السبب الثاني)، لذلك لو أنك تكره مشاهد العنف فلا أنصحك بالفيلم، أما إن كان ذلك يمثل حافزًا إضافيًا فثق أنك لن تندم، فمشاهد الأكشن ليست مجانية، وهي على قدر كبير من الحرفية والخيال، ومشهد الافتتاح وحده كفيل بالبرهنة على ذلك: توغل عميق في التفاصيل، عمل شديد التعقيد على مستوى محاكاة الصورة بالكمبيوتر CGI، وطرافة غير مسبوقة في البناء القصصي.
لدينا إذًا خلطة دسمة من الأكشن والكوميديا والرومانسية علاوة على القالب التقليدي لأفلام الكوميكس من خيال علمي، وإثارة قصصية، لكن لا يكتفي المخرج تيم ميلر بذلك، بل يعمل أيضًا على تجاوز القالب السردي الكلاسيكي، فنجد أنفسنا أمام نسق لا خطي لا يبدأ من البداية، ولا ينتهي بالنهاية إلا بعدما أرهق المشاهد بالومضات الاسترجاعية flashbacks، كما كان حضور الراوي البطل مميزًا، فهو راوٍ غير موضوعي بالمرة، وربما غير أمين أيضًا، وهو كثيرًا ما يكسر حاجز الجدار الرابع، فيخاطب المشاهد مباشرة لكونه واعيًا أنه في فيلم، ولقد بلغ وعي البطل بسياقه الخيالي حدًا مثيرًا من العبقرية التي تقارب السخف لكنها لم تصل إليها.
يتجاوز ديدبول شخصيته كبطل ينساق وراء الاحداث، إلى راوٍ يعلق عليها، بل يتجاوز ذلك إلى ناقد ظريف، لا يتورع عن الحديث عن الأفلام الأخرى، وعن الأبطال الآخرين، ولا يتورع عن استغلال الطابع التقليدي للقصة للسخرية من النمطية نفسها! كثيرة هي الأفلام التي أشير إليها بشكل أو بآخر خلال الفيلم (ليام نيسون في Taken، شخصية العميل سميث من ماتركس، مارلن براندو في العراب وعبارته الشهيرة عن العرض الذي لا تستطيع رفضه، إلخ)، لكن شخصيات القصص المصورة حظيت طبعًا بنصيب وافر من سخرية ديدبول اللاذعة، فقد كان ديدبول مرفوقًا بشخصيتين مساعدتين هما كولوسوس ونيغاسونيك عضوا فريق إكس مان، والأول الذي يمثل البطل الخارق المثالي التقليديَ، يحاول طيلة الفيلم إقناع ديدبول بالانضمام إلى فريق الأبطال، لكنه يرفض ذلك تمامًا، فهو ليس بطلاً وإن كان خارقًا، مساعد البطل الهادئ دائمًا، حبيبة البطل التي يختطفها الشرير، البروفيسور المجنون، والشخص العادي الذي يمتاز عن الآخرين بعلاقته الشخصية بالبطل (سائق التاكسي هنا)، كلُها شخصيات تحضر بكثافة في القصص المصورة، لكنها تحضر مع ديدبول بشكل غير تقليدي.
يمثل ديدبول نقلة نوعية في أبطال القصص المصورة، لا لأنه نقيض البطل، فقد قدم ويل سميث من قبل شخصية مشابهة لذلك (هانكوك) لكن لأنه نقيض بطل من داخل منظومة القصص المصورة، ولقد سمح للقصة المصورة عبره بالتأمل في نفسها، والسخرية من مختلف مقوماتها إلى حد التعدي عليها أحيانًا كما في المشهد الأخير (أعني ما قبل الأخير) حينما خاطب كولوسوس ديدبول بشكل مؤثر ليقنعه بأن يكون بطلاً حقيقيًا للحظة.
لا يمكن أن يغيب عنا ذلك الدهاء الكبير الذي تحلى به تيم ميلر وفريقه وهو يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يسخر من قصص الأبطال المصورة، عبر قصة مصورة لبطل خارق، فهل كان حقًا يفعل ذلك بغرض النقد، أم أن ذلك كان فقط شكلاً فنيًا لا هدف له سوى صياغة شكل جديد لنقيض البطل، أكثر جاذبية وقربًا للمشاهد، وبالتالي أكثر نجاحًا؟ من المؤكد أننا سنجد أجوبة في الفيلم التالي لديدبول.
الاسم: ديدبول Deadpool
المخرج: تيم ميلر Tim Miller
السنة: 2016
النوع: كوميكس، أكشن، كوميديا
المدة : 108 دقائق
البطولة: ريان رينولدز، إيد سكراين