تعتبر العلاقات المغربية-الأميركية من الناحية التاريخية واحدة من أقدم العلاقات الأميركية؛ فالمغرب كان أول الدول التي اعترفت باستقلال أميركا عام 1777.
وترتكز هذه العلاقة على معطيات جيوسياسية وأمنية واقتصادية. ومع ما يجمع الجانبين من شراكة متعددة الأبعاد، إلا أن ذلك لا يمنع من تعرض العلاقة لهزات أعادت فتح النقاش حول طبيعتها، وكان آخرها مشروع القرار الأميركي لتوسيع مهام بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان. وتمثل زيارة الملك محمد السادس خلال الأسبوع الماضي لواشنطن فرصة لإعادة التوازن للعلاقة بين الجانبين.
ترتكز العلاقة بين المغرب وأميركا على معطيات جيوسياسية وأمنية بالدرجة الأولى، يليها المعطى الاقتصادي؛ اقتصاديا: بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 3.79 مليار دولار سنة 2011. وقد بلغت صادرات أميركا للمغرب عام 2012 حوالي 2.26 مليار دولار، في حين صدّر المغرب ما قيمته 933 مليون دولار للولايات المتحدة.
ومن الناحية العسكرية فقد اعتبر الرئيس السابق جورج بوش الابن عام 2004 المغرب حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي. ويعتبر المغرب أحد أفضل الزبائن لشركات صناعة الأسلحة الأميركية، بالإضافة لانخراط المغرب في العديد من المناورات الحربية مع الأمريكيين.
وقد سعى المغرب باستمرار إلى كسب مزيد من الدعم الأميركي سياسيًا في قضية الصحراء الغربية؛ حيث دعم التحالف الدولي يقيادة الولايات المتحدة في غزو العراق عام 1990، إلا أن مكتسبات تلك الخطوة لم تكن أكثر من اعتبار الرئيس السابق جورج بوش الأب مسألة الصحراء “شأنًا خاصًا بالأمم المتحدة”. بالإضافة لانخراط المغرب في الحرب الأميركية على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، إلا أن المحصلة النهائية لم تُخرج الأميركيين من معادلة” الحياد”.
عرفت العلاقات المغربية الأمريكية دفئا خلال السنوات الماضية، إلا أن الربيع لم يستمر مع مشروع القرار الأميركي الذي قادته سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس لتوسيع مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية “مينورسو” لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في تلك المنطقة هذا العام.
ونتيجة للموقف الأميركي فقد اتجهت المغرب إلى سحب الثقة من المبعوث الأممي للصحراء كريستوفر روس، وهي الخطوة التي رفضتها الإدارة الأميركية. كما ألغى المغرب مناوراته العسكرية مع الولايات المتحدة والتي يُطلق عليها “الأسد الإفريقي 2013″، وهي مناورات حربية سنوية مشتركة بين الجيش المغربي والجيش الأميركي.
وبمجرد سحب الولايات المتحدة مقترحها حول توسيع مهام بعثة المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، عاد الحديث عن استئناف مناورات “الأسد الإفريقي” التي كان المغرب قد قرر إلغاءها.
من المهم القول أن المغرب تمكن من تجاوز الأزمة التي أحدثها مشروع القرار الأميركي بمساعدة حلفائه الكبار مثل السعودية، ومن خلال استخدام ما أمكنه من العلاقات مع جماعات الضغط، لكن تساؤلاً مهمًا يبقى مطروحًا حول قدرته على تجاوز ذلك مستقبلاً.
تعتمد الرؤية المغربية للعلاقة مع الولايات المتحدة على معادلة الربط بين قضية الصحراء الغربية ومسألة التهديدات الأمنية وقضايا الإرهاب في منطقة الصحراء والساحل. إلا أن قيمة هذه المعادلة تبقى ضعيفة بسبب انخراط كل من المغرب والجزائر في الحرب الأميركية على الإرهاب. وكلا البلدين يتعاونان استخباراتيًا مع واشنطن في هذا المجال.
عودة لزيارة محمد السادس إلى واشنطن، التي طغى البعد السياسي والأمني عليها مقارنة بالبعد الاقتصادي، ويعكس الوفد المرافق للملك محمد السادس طبيعة الملفات المطروحة للنقاش بين الجانبين حيث ضم دبلوماسيين واقتصاديين بالإضافة لتواجد مؤرخ المملكة، وهي إشارة للبعد التاريخي في العلاقة بين الجانبين.
الولايات المتحدة ليست مستعدة لتعزيز علاقاتها بالرباط على حساب حليفاتها في المنطقة مثل الجزائر. ولإداراك المغرب أن الرؤية الأميركية للعلاقة معه محكومة بالعلاقة مع الجزائر، فإنه يسعى لدخول الملفات الأمنية الكبيرة في إفريقيا والساحل؛ وأبرز مثال على ذلك الحضور المغربي في أزمة مالي وما يرتبط بها من ملفات أمنية؛ حيث “القدم في مالي والعين على الجزائر”.
تحرير نون بوست، من مركز الجزيرة للدراسات