ترجمة وتحرير نون بوست
عقدت ألمانيا يوم الأحد المنصرم انتخابات إقليمية ضمن ثلاث ولايات، وتمخضت عن نتائج مذهلة، حيث فاز الحزب اليميني المتطرف، البديل من أجل ألمانيا (AFD)، الذي تقوم حملته على منصة كراهية الأجانب ومعاداة للمهاجرين، بـ12.5% من الأصوات في ولاية راينلاند بالاتينات، 15% من الأصوات في بادن فورتمبيرغ، و 24% من الأصوات في ولاية سكسونيا أنهالت، وبالمقابل، فَقَدَ حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل اليميني الوسطي، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والحزب اليساري الوسطي، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، العديد من أسهمها خلال حملة التصويت الأخيرة.
لم يظفر حزب البديل من أجل ألمانيا بأصوات كافية للسيطرة على الحكومة في أي من الولايات الثلاث، ولكنه أضحى الآن يحوز حضورًا قويًا ضمن السلطة التشريعية في كل ولاية من الولايات الثلاث، وفي الواقع، تمثل النتائج الأخيرة أفضل نتيجة يحصل عليها حزب يميني متطرف في أي انتخابات الألمانية عُقدت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لنكون صريحين، لا تشابه سياسة حزب البديل من أجل ألمانيا سياسية النازيين السامة، ولكن صعوده يُشكّل علامة فارقة مثيرة للقلق بالنسبة لألمانيا، وللغرب بشكل عام، وإليكم الأسباب:
1- تنامي شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا في الداخل الألماني أمر مخيف للغاية
زعيمة حزب البديل لأجل ألمانيا فروك بيتري.
أكبر استنتاج يمكن أن نستخصله من نتائج الانتخابات الأخيرة يبدو واضحًا، فهناك صعود مقلق لحزب يميني في أهم بلد في منطقة اليورو.
بدأ حزب البديل من أجل ألمانيا حياته السياسية في عام 2013 كحزب هامشي معارض للاتحاد الأوروبي، ومن ثم ارتفعت شعبيته في الأشهر القليلة الماضية؛ فمنذ نوفمبر، أظهرت استطلاعات الرأي بأن الحزب أضحى ثالث أكثر الأحزاب شعبية في البلاد.
السبب الرئيسي لصعود الحزب يبدو واضحًا للعيان: أزمة اللاجئين وتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين.
تتمثل السياسات الأساسية التي يقيم عليها حزب البديل من أجل ألمانيا حملته بعكس سياسات الهجرة المفتوحة نسبيًا التي تنتهجها ميركل وعكس سياسات استقبال اللاجئين، حيث اقترح الحزب إغلاق الحدود الألمانية بوجه المهاجرين الجدد، تعليق حق اللجوء، وإنهاء سياسة فتح الحدود الداخلية ما بين بلدان الاتحاد الأوروبي، التي تسمى بالشنغن.
زعيمة الحزب، فروك بيتري، تدافع عن هذه السياسات باستخدام لغة يمكن اعتبارها بأحسن الأحوال وطنية، وفي أسوئها عنصرية صريحة، “حثت بيتري الألمان على إنجاب ثلاثة أطفال للحد من الحاجة إلى الهجرة” أشار تقرير في صحيفة بلومبرغ، وتابع التقرير موضحًا: “وأشارت بأن السياسة الألمانية يحركها الشعور بالذنب من الهولوكوست”.
في أواخر شهر يناير، صرّحت بيتري بأن على الشرطة الألمانية “أن تمنع المرور من المعابر الحدودية غير الشرعية مستخدمة الأسلحة النارية إذا لزم الأمر”، وكان من المتوقع أن يسفر تصريحها بإطلاق النار على المهاجرين واللاجئين عن انخفاض شعبية الحزب، ولكن بدلًا من ذلك أشارت صحيفة دير شبيغل مقتبسة من ملاحظات الحزب، بأن أرقامه تصاعدت بشكل أكبر.
صعود الحزب مخيف بما فيه الكفاية لدرجة أن وزير العدل الألماني ناقش علنًا ما إذا كان يتوجب على مكتب الـBFV، وهو المعادل الألماني لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، أن يراقب الحزب لمعرفة ما إذا كان غير دستوريًا؛ فالمادة 21 من الدستور الألماني تحظر الأحزاب التي “تسعى إلى تقويض أو إلغاء النظام الأساسي الديمقراطي الحر”.
“حزب البديل من أجل ألمانيا أصبح حوض تجمع للمتطرفين اليمينيين، ولأنصار معادي اللاجئين، ومثيري قلاقل الإسلاموفوبيا” أوضحت دير شبيغل، وتابعت: “وجود الحزب، وتزايد شعبيته، يثير التساؤلات حول ما إذا كانت ألمانيا قد تعلمت حقًا من الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية والدكتاتورية النازية”.
لأسباب واضحة، كانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في حقبة ما بعد الحرب العالمية بألمانيا تعد من المحرمات، فرغم وجودها على أرض الواقع بالتأكيد، إلا أنها لم تستطع، حتى وقت قريب، أن تستقطب مستويات عالية من الدعم الشعبي، وحقيقة أن أحد هذه الأحزاب آخذ في الصعود، ويظفر على أرض الواقع بنسبة أصوات مهمة في الانتخابات، تشير إلى أن الإجماع الليبرالي ضمن السياسة الألمانية قد لا يكون قويًا كما كان يُعتقد سابقًا.
“قبل الآن، نادرًا ما فازت الأحزاب الشعبية أو التي تحفز على كراهية الأجانب في ألمانيا بأكثر من 5% من الأصوات”، كتبت جودي ديمبسي، وهي باحثة بارزة في جامعة كارنيجي بأوروبا، بعد التصويت، وتابعت: “ولكن نجاح حزب البديل من أجل ألمانيا غيّر ذلك، على الأقل في الوقت الراهن”.
2- تنامي صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب بشكل عام
الفوز الكبير لحزب البديل من أجل ألمانيا يؤكد على اتجاه مهم للغاية آخذ بالاطراد ضمن سياسات الدول الغربية الحديثة يتمثل بتنامي صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا.
نشرت صحيفة دير شبيغل مخطط إنفوجرافيك يوضح هذه النقطة بشكل ممتاز، حيث يوضح الرسم أدناه البلدان التي تتمتع فيها أحزاب اليمين المتطرف بوجود في البرلمان، ممثلة بالنقاط الصفراء، أو بوجود ضمن ائتلاف حكومي، ممثلة بالنقاط الحمراء، ويتبين من الرسم بأن أحزاب اليمين المتطرف التي تنتهج سياسات معاداة الأجانب شهدت صعودًا في بلدان مختلفة ومتنوعة كالسويد، المملكة المتحدة، هولندا، والمجر.
في الإنفوجرافيك التالي توضيح لهذه النقطة، إذ يظهر الرسم البلدان التي تتمتع بها أحزاب اليمين المتطرف بوجود في البرلمان، أو بوجود في البرلمان الأوروبي، ويظهر من ذلك الدولة الأكثر ميلا نحو اليمين في أوروبا. يمكنك الضغط هنا لرؤية الإنفوجرافيك بحجمه الأصلي
في معظم الحالات، استغلت هذه الأحزاب وركبت على موجة اللاجئين والمهاجرين الأوروبية لتثبيت موطئ قدم لها في السلطة؛ ففي الوقت الذي بدا فيه الأوروبيون متشككين لبعض الوقت من الهجرة، أججت الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين في العام الماضي مشاعر معاداة اللاجئين لديهم بشكل كبير؛ مما أدى بالتبعية إلى زيادة أعداد أصوات أحزاب اليمين المتطرف حول أوروبا، فشبيعة رابطة الشمال في إيطاليا على سبيل المثال، ازدات بنسبة أربعة أضعاف عمّا كانت عليه في عام 2013.
تظهر أبحاث العلوم السياسية بأن الدعم الأوروبي لأحزاب اليمين المتطرف مدفوع أساسًا بمشاعر الخوف من الهجرة، حيث حاولت إليزابيث إيفارسفلاتن، أستاذة العلوم السياسية المقارنة في جامعة بيرغن في النرويج، تحديد سبب صعود أحزاب اليمين المتطرف في سبع دول أوروبية في ورقة بحثية لعام 2008، محاولة استطلاع الأسباب التي تدفع الشعب إلى أحضان اليمين الشعبوي، هل هي عدم الرضا عن الاقتصاد، عدم الثقة في المؤسسات السياسية، أو المشاعر المناهضة للمهاجرين.
النتائج التي توصلت إليها كانت واضحة بشكل لا لبس فيه، حيث تقول “مع تحول تفضيلات سياسة الهجرة لتضحي أكثر صرامة، ازدات نسبة احتمال زيادة التصويت لأحزاب اليمين الشعبوي بشكل كبير”، وعلى النقيض من ذلك، تبين بأن الناخبين الذي يحوزون وجهات نظر اقتصادية يمينية بالكاد كانوا أكثر ميلًا من الناخبين العاديين للتصويت لأحد أحزاب اليمين المتطرف، والأمر عينه ينطبق على أولئك الذين لا يثقون بالسياسيين بشكل كبير، والرسوم البيانية أدناه توضح ذلك:
الاحتماليات المتوقعة للتصويت لأحزاب اليمين المتطرف في سبع دول أوروبية خلال عامي 2002 و2003.
المحور الأفقي في جميع الصور البيانية يمثل احتمالية التصويت للأحزاب اليمينية المتطرفة، أما المحور العمودي فيمثل نسبة الدعم الشعبي لتقييد سياسات الهجرة (المخطط في أعلى اليسار)، وجهات النظر الاقتصادية اليمينية (المخطط في أعلى اليمين)، عدم الثقة بالسياسيين (المخطط في أسفل اليسار)، وعدم الثقة البرلمان الأوروبي (المخطط في أسفل اليمين).
“هذه الدراسة تنهي إلى حد كبير النقاش الدائر حول أي نوع من المظالم يوحد جميع أحزاب اليمين الشعبوية، والجواب هو المظالم الناشئة عن أزمة الهجرة المستمرة في أوروبا”، اختتمت إيفارسفلاتن.
بطبيعة الحال، أزمة الهجرة اليوم هي أشد سوءًا مما كانت عليه عندما نشرت إيفارسفلاتن بحثها في عام 2008، وهذا يفسر بالتالي سبب صعود حزب كحزب البديل من أجل ألمانيا في بلاد كان يرعبها صعود أحزاب اليمين المتطرف على مدار السنوات الـ70 الماضية، كما ويفسر السبب في استمرار صعود أحزاب اليمين المتطرف على نطاق أوسع في كامل أنحاء أوروبا.
3- سياسة ميركل حول اللاجئين تحيي آمال تقويض اليمين المتطرف في الوقت الراهن
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
هناك شعاع جيد من الأمل ضمن هذه الأخبار السيئة؛ فأولًا، لم يكتسب حزب البديل من أجل ألمانيا ما يكفي من القوة لتشريع جدول أعماله، وثانيًا ليس من المرجح أن يسفر صعوده عن الضغط على ميركل للتخلي عن موقفها المؤيد للاجئين.
من خلال النظرة المتفحصة التي أجراها كاتب صحيفة الجارديان، ألبرتو نارديلي، على النتائج التي صدرت يوم الأحد، يتبين بأن المرشحين الذين كانوا موالين للاجئين أو مؤيدين للمهاجرين لم يكونوا الخاسرين دائمًا؛ ففي بادن فورتمبيرغ، على سبيل المثال، فَقَدَ حزب ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، عددًا كبيرًا من الأصوات، لأن مرشح الحزب الرائد لرئاسة وزراء الولاية قد نأى بنفسه عن نهج فتح الحدود الذي تنتهجه ميركل تجاه أزمة المهاجرين، ولكن على النقيض من ذلك، فاز مرشح حزب الخضر، الذي تبنى موقف ميركل، في انتخابات الولاية لأول مرة في التاريخ الألماني.
“ضمن انتخابات الولايات الثلاثة ككل، أيّد غالبية الناخبين سياسة المستشارة بشأن الهجرة”، قال نارديلي، وتابع: “الرواية السائدة في أغلب عناوين الصحافة التي صدرت صباح يوم الاثنين، والتي تقول بأن النتائج تعبّر عن رفض سياسة أنغيلا ميركل تجاه اللاجئين، هي سطحية وساذجة”.
بدلًا من ذلك، يفسّر نارديلي نتائج الانتخابات باعتبارها تفصح عن أن جزءًا من المجتمع الألماني قد أضحى مخلصًا على نحو متزايد في معارضته لسياسة الترحيب باللاجئين والمهاجرين، وهذه المجموعة ما تزال في الوقت الحاضر أقلية نسبية، وهذا يعني بأنه من المستبعد للغاية أن تغيّر ميركل سياساتها نحو اللاجئين، سواء في ألمانيا أو في المفاوضات الأوروبية المقبلة.
“ليس صحيحًا بأن سياسة اللاجئين ككل خسرت ببساطة دعم الشعب الألماني” قال أندرياس كلوث، مدير صحيفة الإيكونوميست في برلين، في مقابلة مع قناة CNBC، وتابع: “هنا، اكتشفت ميركل بأنها بحاجة إلى اتخاذ موقف محدد”.
ولكن مع ذلك، ليس هناك ضمانة بأن هذا الأمر سيبقى صحيحًا في المستقبل، حيث يتحدد السؤال الكبير فيما إذا كانت الأحزاب المتطرفة، كحزب البديل من أجل ألمانيا، ستكون قادرة على بناء قاعدة دعم لها، أو ستبدأ المشاعر الأساسية التي تدعم حملتها، كالمشاعر المعادية للمهاجرين، بالتلاشي والاضمحلال.
“المزيد من الناخبين أصيبوا بالملل وتحولوا إلى التطرف، وهذا أكثر خطرًا من أي تغيير فوري لسياسات اللاجئين قد تتخذه أنغيلا ميركل، وهو أمر أستبعد شخصيًا حدوثه”، خلص كلوث.
المصدر: فوكس