نشرت وكالات الأنباء خبرًا في منتصف فبراير الماضي، عن لاجئين عراقيين وصل عددهم إلى الآلاف، كانوا قد وصلوا إلى فنلندا العام الماضي، قرروا إلغاء طلبات اللجوء والعودة طواعية إلى بلادهم.
وقال مسؤولون فنلنديون إن نحو 4100 طالب لجوء ألغوا حتى الآن طلباتهم وإن العدد سيرتفع على الأرجح إلى 5000 خلال الأشهر القليلة القادمة، وقد وصلت نسبة اللاجئين العراقيين الذين تقدموا بطلبات للعودة إلى بلدهم نحو 70% من جملة العراقيين في فنلندا، ويمثل هؤلاء نحو 80% من المهاجرين العائدين، بينما طلب 22 شخصًا فقط من بين 877 سوريًا و35 شخصًا من بين 5214 أفغانيًا تقدموا بطلبات لجوء العام الماضي، العودة إلى بلادهم.
القرار جاء وفقًا للاجئين بسبب صعوبة الحياة في فنلندا، كما أن عملية طلب اللجوء الطويلة لم ترق إلى توقعاتهم، بالإضافة إلى أنهم لا يشعرون بترحاب هناك، كما لعبت أحوال الطقس عاملاً مهمًا في قرار العديد منهم بمغادرة البلاد.
وقد ساعدت الحكومة الفنلندية هؤلاء اللاجئين على اتخاذ قرارهم هذا، إذ بدأت في تسيير رحلات مستأجرة خاصة لبغداد من الأسبوع القادم لنقلهم إلى العراق.
لم تكن هذه النهاية متوقعة، فقد أظهرت فنلندا منذ بداية أزمة اللاجئين ترحيبًا بهم، إذ استضافت مئات اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى استضافتها آلاف اللاجئين الآخرين من العراق جاءوا على مدار السنوات الماضية، ونظمت جمعيات فنلندية حفلات موسيقية وفلكلورية احتفاءً باللاجئين السوريين، وأقامت البلديات برامج تثقيفية ودورات مكثفة في اللغة لمساعدة الوافدين الجدد على التأقلم مع قيم المجتمع وقوانينه، وسط دعوات حكومية للبلديات على استقبال المزيد من اللاجئين.
وشهدت فنلندا في ذلك الوقت (الربع الأخير من 2015) موجة غير مسبوقة من المظاهرات ضد العنصرية على خلفية تصريحات معادية للمهاجرين ولقوانين الهجرة، أطلقها أحد البرلمانيين من حزب أقصى اليمين وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي.
وامتد الترحيب إلى رأس الحكومة الفنلندية نفسها، مع إعلان رئيس الوزراء “يوها سيبيلا” في سبتمبر أنه سيعرض منزله الخاص على طالبي اللجوء بدءًا من العام الجديد، داعيًا كل الفنلنديين لإظهار التضامن مع اللاجئين.
قبل يوم من هذه التصريحات، ضاعفت الحكومة الفنلندية تقديراتها لعدد طالبي اللجوء إليها هذا العام إلى نحو ثلاثين ألف شخص بعد أن كانت قد رفعتها قبل ذلك بأسبوعين إلى 15 ألفًا، بالمقارنة مع 3600 طلب العام الماضي، وفي أكتوبر ارتفع العدد إلى 50 ألف، قبل أن تعود التقديرات مرة أخرى إلى ما بين ثلاثين ألفًا و35 ألفًا.
إلا أن سيبيبلا تراجع عن عرضه الخاص بإيواء اللاجئين في منزله بعد ذلك بشهر واحد “لاعتبارات أمنية” وفقًا لما صرح به، لكنه قال إنه “سيدعم أسرة لاجئة بأشكال أخرى حتى يتغير الوضع”، وجاء قرار رئيس الوزراء على ما يبدو نتيجة الضغوط التي تعرض لها وحملة الدعاية المضادة من جانب المعارضة التي اتهمته بتشجيع اللاجئين على القدوم إلى فنلندا بهذا العرض.
كما تصاعدت موجة الكراهية والعنف الموجهة إلى اللاجئين في البلاد، وشهدت مناطق بالبلاد موجة عارمة من الاحتجاجات العنصرية وأعمال العنف، مثل محاولة إحراق مبنى سكني تقطنه عشرات العائلات المهاجرة في أكتوبر الماضي، كما شهدت مدينة “أولو” الواقعة شمال غرب فنلندا قرب الحدود السويدية موجة من الاضطرابات العنصرية بعد تزايد اللاجئين الجدد القادمين إليها.
كما بدأت صعوبات عدة تظهر على السطح وتحديات تشكل عائقًا أمام اندماج اللاجئين، مثل صعوبة تعلم اللغة والشعور بالرفض من السكان الأصليين، مضافًا إليها البرد القارس، حيث تتدنى الحرارة إلى ما دون الثلاثين درجة مئوية تحت الصفر.
بدأت مرحلة التحول في ديسمبر الماضي، بعد إقرار الحكومة إجراءات تهدف إلى الحد من الهجرة، بينها إعادة تقويم وضع طالب اللجوء مرتين في العام عند الضرورة، وإلغاء تصريح الإقامة عند اللزوم، وإلزام اللاجئين بالعمل بلا مقابل، وإسقاط الدعم المقدم لطالبي اللجوء الأفغان الذين يقولون إنهم قد يواجهون خطر التعذيب والموت في حال عودتهم إلى بلادهم، والإسراع في عملية ترحيل طالب اللجوء الذي لا تنطبق عليه المواصفات، والذين تبلغ نسبتهم نحو الثلثين.
وكشف رئيس الوزراء صراحة أن هذه الإجراءات إنما تهدف إلى “تشديد ممارساتنا وإلغاء عناصر الإغراء الممكنة لدى طالبي اللجوء الجدد”.
كانت الحكومة الفنلندية قد أعادت تقييم الوضع في العراق في أكتوبر، وقررت تشديد معايير لجوء العراقيين بناء على هذا التقييم، ليستند إلى “ظروف الفرد” فقط، وليس مجرد كونه قادمًا من العراق.
وقد اتبعت الدنمارك نفس الطريق الذي سلكته فنلندا فيما يتعلق بإجبار اللاجئين على العمل دون مقابل، ولكن بشكل مختلف، إذ أقر البرلمان في يناير الماضي مشروع قانون ينص على مصادرة أموال طالبي اللجوء التي تتجاوز قيمتها ما يعادل 1340 يورو وممتلكاتهم الأخرى إذا تجاوزت قيمتها المبلغ ذاته، وتأجيل السماح للاجئين باستقدام أفراد أسرهم من بلدانهم الأصلية لمدة ثلاث سنوات، بحجة استخدام الأموال المصادرة لـ “مساعدة اللاجئين على الاندماج في المجتمع الدنماركي من جهة، وإشعار الدنماركيين من جهة أخرى بأن اللاجئين ليسوا عبئًا ثقيلاً عليهم وعلى أموال الخزينة العامة” وفقًا للتبريرات التي قدمتها الحكومة الدنماركية، وكذلك “إشعار طالبي اللجوء لأهداف اقتصادية أنه ليس من السهل الهجرة إلى هذا البلد للإقامة فيه بحثًا عن عمل”.
وحمل عام 2016 الأسوأ بالنسبة للاجئين، حيث أعلنت فنلندا أنها تنوي طرد 20 ألف لاجئ من الموجودين على أراضيها، من بين 32 ألفًا تقدموا بطلباتهم.
كانت السويد قد أعلنت – قبل فنلندا – نيتها طرد ما يصل إلى 80 ألف مهاجر من 163 ألفًا استقبلتهم في 2015، وبلغت نسبة رفض الطلبات خلال الأعوام الماضية نحو 45%، وتستمر الاحتجاجات الرافضة لطالبي اللجوء الأجانب في السويد، في ظل تصاعد التوتر وتشديد الأمن، وقامت عصابة مكونة من رجال ملثمين بتهديد اللاجئين في شوارع أستوكهولم.
وفي فبراير الماضي، بدا وكأن حلم اللاجئين بلم شمل أسرهم قد بات أمرًا بعيد المنال، بعد أن فرضت فنلندا قيودًا إضافية للحصول على هذا الحق، منها اشتراط ضرورة أن يكون طالب اللجوء لديه دخل شهري مستقر ومسكن، بالإضافة إلى ضرورة إتقان اللغة للحصول على عمل.
ويتوقع أن تبدأ عمليات ترحيل اللاجئين الذين رفضت طلباتهم في مارس الجاري، تزامنًا مع قرار آلاف اللاجئين الآخرين بالمغادرة الطوعية، ليشكل الطرفان إرهاصات نهاية قصة فنلندا مع اللاجئين، التي أصبحت بمثابة الجنة الزائفة.