يطل علينا الرئيس المصري الجهبذ “عبد الفتاح السيسي”، كل فترة، في تصريحات صحفية بالغة الإبداع والاستحداث فريدة النوعية، ليبشرنا بعدد من المشاريع الاقتصادية الجديدة التي ستنقل مصر إلى ذروة النجاح الاقتصادي الباهر، لتصبح أحد أقوى دول العالم اقتصاديًا بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من إغداق الرئيس المصري واسع العطاء مصر بعدد من المشاريع الاقتصادية البّراقة، إلا أن مؤشرات المؤسسات الدولية “المتعاونة مع الإخوان المسلمين” تُظهر أن الاقتصاد المصري في حالة تهاوي غير مسبوقة، حيث أشارت المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل منظمة النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما، إلى أن مصر، منذ تولي السيسي لنظام الحكم وحتى الآن، كُبدت بخسائر اقتصادية جسيمة قدرت بأكثر من 100 مليار دولار.
ويمكن التمعن في حجم الخسائر الهائلة التي مُنيت بها مصر خلال عامي 2014 و2015، من خلال التصوير الإنفوغرافيكي الذي تم إعداده من قبل موقع “عربي 21” الإخباري الذي اعتمد في تحضيره على المؤشرات الاقتصادية المحلية والدولية المتعلقة بمصر.
وعلى غرار الخسائر الفادحة في جميع القطاعات الاقتصادية، فإن الجنيه المصري أيضًا كان له نصيبه في الانزلاق نحو الهاوية، حيث شهد تضاؤلاً ملحوظًا الأسبوع الماضي، ليصل إلى ما يقارب 8 جنيه مقابل الدولار الواحد، ويُعود حجم هذا الانخفاض الباهظ إلى الهبوط الشامل الذي أصاب كافة أضلع النظام الاقتصادي في مصر.
وفي ضوء الجهود المضنية التي يبذلها بعض الخبراء الاقتصاديين في مصر، فقد أكّد بعضهم أن نظام تعويم العملة سيكفل تحسين الأوضاع الاقتصادية لمصر، ولإدراك إمكانية نجاح نظام التعويم في إنقاذ مصر من محنتها الاقتصادية الحالكة، لا بد من تدبر تعريف نظام التعويم ومستلزماته للنجاح وما تحتاجه مصر من إجراءات يمكن لها أن تكلل نظام التعويم بالنجاح.
نظام التعويم
يُعرف نظام تعويم العملة، حسب القاموس الاقتصادي، على أنه نظام بمقتضاه يُترك معدل صرف تبادل العملة المحلية بالعملة الأجنبية وفقًا لاتجاهات الطلب والعرض الخاصة بالعملة المحلية، ففي حين ارتفع الطلب على العملة المحلية، من خلال عدة عوامل مثل رفع عمليات تبادل البضائع التجارية ووفود عدد من السياح وغيرها من العوامل، فإن قيمة العملة ترتفع وفي حين انخفض الطلب عليها فإن قيمتها ستتهاوى أيضًا.
وباعتبار الدولار العملة الأجنبية الدولية الأكثر تداولاً، فهذا يعني أن لها تأثير مباشر على أسعار جميع العملات الأخرى، فإذا حدثت زيادة في الطلب عليها في سوق النقد الأجنبي، فهذا سيرفع من قيمتها وبالتالي سيخفض من قيمة صرف العملات الأخرى مقابلها، والعكس في ذلك صحيح.
عوامل نجاح نظام التعويم في دولة ما
تتجه الدول، بشكل عام، نحو تطبيق نظام التعويم، لوضع توازن على الطلب والعرض الخاصين بالعملة، وبالتالي انتظام تدفق العملة إلى السوق، وحفاظها على سعر متوازن مقابل العملات الأخرى وبالتالي يتم القضاء على الخلل بين العرض والطلب في سوق النقد الأجنبي الذي يمكن أن ينتج عن زيادة البنك المركزي لعرض العملة المحلية حسب حاجته أو حسب مخزونه من الدولار دون الرجوع إلى عناصر العرض والطلب الحاكمة للسوق، وهذا ما يتمخض عنه آثار سلبية على أسعار العملة، وتحاول الدول القضاء على هذا الخلل من خلال نظام التعويم، حيث يُصبح البنك المركزي، في هذا النظام، ليس المحدد الأساسي لسعر العملة بل يصبح مراقب فقط لخط سير العملة، إذ يتدخل البنك المركزي فقط في وضع سعر مركزي للعملة المحلية مقابل الدولار وسقف أقصى وأرضية قصوى، وبناءً على هذه المحددات يتدخل في حين حدث انهيار جسيم لسعر العملة في نظام التعويم.
هناك بعض العوامل التي يمكن لها أن تصل بنظام تعويم العملة إلى النجاح، أهمها:
ـ فروق معدلات التضخم على الصعيدين الداخلي والخارجي: إذا حدث ارتفاع في معدل التضخم في مصر، كمثال، بشكل أكبر من معدل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا يعني انخفاض القيمة الشرائية للجنيه المصري، وبالتالي انخفاض في قيمة الجنيه مقابل الدولار، والعكس صحيح.
ـ فروق معدل الفائدة في الخارج والداخل: ارتفاع معدل الفائدة الخاصة بالجنيه المصري، سيزيد من حجم الإيداعات عليه، وبالتالي سيزيد الطلب عليه، ولكن إذ ارتفعت الفوائد الخاصة بالدولار أكثر من فوائد الجنيه، فإن الطلب سينخفض على الجنيه وبالتالي ستنخفض قيمته.
ـ عجز وفائض ميزان المدفوعات: ميزان المدفوعات هو عبارة عن سجل محاسبي منتظم لكافة المبادلات الاقتصادية التي تمت بين دول ما والدول الأخرى، خلال فترة زمنية، عادة ما تكون عام. ويتعمد ميزان المدفوعات في هيكله على 3 عناصر:
- حساب العمليات الجارية: ويشمل الحساب التجاري الذي ينقسم إلى حساب التجارة المنظورة “الصادرات والواردات من السلع المادية”، والتجارة غير المنظورة “الخدمات”، وحساب التحويلات التي يقوم بها الأفراد أو المنظمات من داخل دولة ما وخارجها.
- حساب العمليات الرأسمالية: وتشمل الاستثمارات التي تقوم بها الدولة والمؤسسات الخاصة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتُعد إيجابية إذ كان حجم الاستثمارات القادمة من الخارج أكبر من حجم الاستثمارات الخارجة من داخل الدولة، والعكس صحيح.
- حسابات السهو والخطأ: يقيد هامش الأخطاء الغير مبررة محاسبيًا أو اقتصاديًا.
ـ الاستقرار السياسي: حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها مصر حالة يرثى لها الجبين.
وفي الختام؛ يجدر الإشارة إلى أن مصر طبقت نظام التعويم عام 2003، ويُعتبر هذا النظام غير جديد بالنسبة لها، وقد حصل قرار تطبيقه آنذاك على العديد من المآخذ والانتقادات من قبل الخبراء والمراقبين الاقتصاديين، مبررين ذلك بعدم استعداد مصر اقتصاديًا لتحمل العواقب التي يمكن أن تتمخض جراء تطبيق هذا النظام.
وقد أتت مآخذ المراقبين في وقت كانت تنعم به مصر الاستقرار السياسي نوعًا ما، ونشاط اقتصادي معقول، وعلى الرغم من ذلك إلا أن ذلك لم يغنها في الاستفادة من تعويم العملة، لوجود العديد من الأمور المختلة في نظامها الاقتصادي، واليوم وبعد ازدياد نقاط الخلل أصبح من المستحيل أن يفلح نظام العملة في إنقاذ مصر من محنتها الاقتصادية.
تحتاج مصر اليوم إلى فائدة مرتفعة على الجنيه وكم هائل من الصادرات إلى العديد من الدول وأفواج ضخمة من السياح الذين يمثلون روح الصادرات الخدماتية وأعداد ضخمة من مشاريع الاستثمار المباشرة، مثل إنشاء المصانع، واستقرار سياسي كبير.
وعلى ما يبدو فإنه في ظل الظروف التي تمر بها مصر، والتي يبدو أنها ستستمر طويلاً، فإن نظام تعويم العملة الذي يُطبق في مصر منذ عام 2003 ولم ينجح في جعل مصر دولة مزدهرة اقتصاديًا، لن يتمكن من إنقاذ مصر من محنتها الاقتصادية الحالية.