ترجمة وتحرير نون بوست
مر اليوم 15 مارس آخر، ليتم الاحتفال مرة أخرى بذكرى ولادة المظاهرات السلمية التي ركب خلالها السوريون الشوارع مطالبين بحقوقهم.
تحت أنظار العالم، تم اختطاف الثورة ببطء من خلال حرب الوكالة، حيث أسفرت الأزمة السورية حتى الآن عن إزهاق أرواح حوالي نصف مليون مواطن سوري، وأجبرت أكثر من نصف عدد سكان سوريا الأولي على مغادرة منازلهم.
يشكّل السوريون اليوم أكبر عدد من اللاجئين على وجه الأرض، وبالنسبة للمملكة المتحدة، يعادل عدد الفارين السوريين عدد سكان ويلز بأكملها، لكن هذه الأرقام الكبيرة لا تخبرنا بشيء عن المعاناة الإنسانية التي أراها يوميًا في خضم عملي مع أسر اللاجئين السوريين.
هذه الأرقام تقلل من حجم المعاناة، فهي لا تخبرنا عن أولئك الذين فقدوا أجزاءً من جسمهم، ولا تفصح لنا عن عدد المرضى، أو الذين فقدوا أفراد أسرتهم، لا تتكلم عن اليتامى، الأرامل، والعاطلين عن العمل، كما أن هذه الأرقام لا ترقى لتلبية أحلام الملايين المكسورة وآمالهم المفقودة.
اليوم، وبعد خمس سنين عجاف شهد فيها الشعب السوري انهمار القنابل على بيوته ومدارسه ومستشفياته، استطاع اتفاق وقف إطلاق النار الهش، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا، أن يوفر على مدى الأسابيع الماضية راحة تشتد الحاجة لها بالنسبة للمدنيين السوريين من ويلات الحرب.
شعاع حاسم من الأمل
يشكل ذلك شعاعًا حاسمًا من الأمل لأولئك الأشخاص الذين شعروا منذ فترة طويلة بتخلي المجتمع الدولي عنهم، حيث فاضت الشوارع بالمتظاهرين مرة أخرى، ووجد الأمل طريقه إلى قلوب السوريين في شتى أنحاء العالم، وأضحى بإمكاننا أخيرًا أن نشهد نقطة تحول حقيقية في الكارثة الدموية السورية.
ولكن في حال تقاعس العالم عن رعاية هذا الأمل، فإن إخفاق هذه الصفقة قد يسفر في الواقع عن تكثيف العنف؛ مما قد يضطر مئات الآلاف من السكان على الفرار، وسيرسل إشارة خطيرة لجميع الأطراف بأن العالم متسامح بشكل مقلق مع حوادث القتل والتعذيب وإخضاع مدن بأكملها للحصار.
الشعب السوري يرغب بل ويحتاج وضع حد لأعمال العنف، وبحاجة لأبسط أساليب الدعم؛ فمئات آلاف الرجال والنساء الذين يتضورون جوعًا حتى الموت في المدن المحاصرة، بحاجة إلى شحنات تسليم مستمرة من الغذاء والدواء والمساعدات الحيوية الأخرى، لا شاحنات إغاثة معزولة ومتفرقة، أو محاولات فاشلة لإسقاط المساعدات جويًا.
سمح المجتمع الدولي لفترة طويلة للغاية للأطراف المتحاربة استخدام التجويع كسلاح في الحرب، كما وأقر لهم الاعتراض على إيصال المساعدات، وقصف المدنيين السوريين الأبرياء حتى الموت.
وعلى الرغم من أن الشعب السوري بحاجة ماسة الآن إلى المساعدة الإنسانية، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون بديلًا عن التقدم السياسي، أو ستارًا لاستمرار الهجمات الروسية ضد المدنيين؛ فالفشل في وقف قذف البراميل المتفجر، في كبح جماح جرائم الحرب، وفي تأمين الأجواء الآمنة التي يمكن للسكان بموجبها أن يعيشوا حياة طبيعية، لن يعمل إلا على تغذية المزيد من التطرف، بغض النظر عن عدد القنابل التي تسقطها الولايات المتحدة أو روسيا، كما هذا الإخفاق لن يساعد على الحد من تدفق اللاجئين اليائسين والفارين إلى بر الأمان.
كاميرون يضغط لمساعدة السوريين
في الشهر الماضي تحدثت في لندن مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وغيره من قادة العالم في مؤتمر عالمي حول الأزمة السورية.
كاميرون يستحق الثناء حقًا لقيادته جهود ضغط متزايدة بغية مساعدة السوريين، ولكن المملكة المتحدة لا يمكنها أن تستمر في تهنئة نفسها على جهودها في الوقت الذي يستمر فيه المدنيون السوريون الأبرياء بالعيش في خوف على حياتهم؛ فالدعم الذي يحتاجه السوريون اليوم حقًا يتثمل باحتجاج يطلقه ديفيد كاميرون، أنجيلا ميركل، والزعماء الأوروبيون الآخرون، يفصحون من خلاله عن حقيقة أنهم لن يتسامحوا مع استمرار المذبحة المستمرة ببطء في سوريا، ويعبّرون فيه عن وجوب وضع حد للعنف الدائر في تلك البلاد.
يتعين على زعماء العالم الوقوف مع السوريين العاديين، وأن يوضحوا لجميع أطراف الصراع الرئيسية ومؤيديهم، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا، بأن العالم قد بلغ نقطة حاسمة؛ فإما التوسط في حل سياسي حقيقي لسوريا الآن، أو السماح لحرب الوكالة القاتلة بمواصلة تجذرها وترسخها، بالتلازم مع العواقب الوخيمة والمروعة التي تعكسها على المنطقة والعالم، والأهم، على السوريين أنفسهم.
رغم جميع الصعاب، ما زال السوريون يحملون الأمل، فبعد خمس سنوات، خرج السوريون مرة أخرى إلى الشوارع، وبعد أن فقدوا أسرهم، أصدقاءهم، وجيرانهم، وبعد أن تم محو مدن بأكملها من على الخريطة، ما زلنا نحلم بسوريا الديمقراطية والسلمية، ولا يمكننا أن نقبل بالعودة إلى الوضع الراهن، لن نقبل بذلك.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية