على خلفية مباشرة لانعقاد محادثات جنيف بخصوص الأزمة السورية، واجتماع المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، مع وفد المعارضة السورية الذي تمثله الهيئة العليا للمفاوضات، وبشأن آخر التطورات الحاصلة فيما يتعلق بالمحادثات التي تتزامن مع الهدنة المفروضة دوليًا في سوريا.
تحدث نون بوست مع الدكتور رياض نعسان آغا المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات المتواجدة في جنيف الآن، في لقاء خاص وحصري للموقع، بعد دقائق من انتهاء لقاء البعثة المفاوضة بالمبعوث الدولي، دي ميستورا، ضمن جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة في مدينة جنيف السويسرية.
الدكتور رياض آغا أكد لنون بوست أن المفاوضات الآن بشكل عام منصبة على مناقشة مسألة هيئة انتقال السلطة أو ما يعرف بـ”هيئة الحكم الانتقالية” في ظل إصرار من وفد المعارضة المفاوض على مناقشة هذه القضية، بينما يُصر وفد النظام بحسب ما قال نعسان آغا على عدم مناقشة هذه المسألة بُعيد مقابلة دي ميستورا قبل لقاء الوفد المعارض، مؤكدًا أن هذه الإشكالية الآن التي سيعمل دي ميستورا على حلها اليوم الأربعاء في مقابلة أخرى مع وفد النظام.
وعن قراءة وفد المعارضة السورية المفاوض لإعلان روسيا الأخير عن سحب أغلبية قواتها العاملة من سوريا، أكد أن المعارضة السورية ترحب بأي انسحاب للقوات الأجنبية من سوريا، مضيفًا أنهم على أمل أن يأتي يوم قريب لا يجدوا فيه أجنبيًا عسكريًا على الأراضي السورية، ومهما كان حجم هذا الانسحاب فالمعارضة ترحب به، مع الترقب لحجم الانسحاب الحقيقي ولمداه في الأيام المقبلة، متمنيين أن يكون انسحابًا كليًا لا جزئيًا.
كما أضاف الدكتور رياض آغا أنهم يفهمون هذا الإعلان بأنه رسائل أولها للنظام وللمنطقة المحتقنة، لذلك فهم يأملون أن يروا تحولًا حقيقيًا في موقف روسيا، مذكرًا بدور روسيا السياسي في صياغة بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254 بما يقتضي منها دعم السلام والحل السياسي بقوة، حيث أن هذه القرارات الأممية جميعها تتحدث عن هيئة حكم انتقالية التي هي مسار خلاف حاليًا.
سألنا الدكتور رياض آغا سؤالًا مباشرًا عما إذا كان طُلب من المعارضة تقديم أية تنازلات تجاه هذا الانسحاب، خاصة في ظل انتشار التكهنات حول احتمالية كون قرار بوتين الأخير يطرح فكرة التخلي عن الأسد لصالح اتفاق غير معلن مع الجانب الأميركي لتفعيل انتقال السلطة.
وأجاب بأن هذا الأمر غير صحيح، مؤكدًا أنهم تلقوا خبر الانسحاب كوفد معارض من وسائل الإعلام، إذ لم يطلب منهم أحد أي شيء، ولكن استكمل أن الأمر في إطار القراءة السياسية التي لا تمتلك معلومات كافية يمكن الإشارة إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي في باريس عندما علق على تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وأكد أنه على روسيا وإيران الالتزام بما تم الاتفاق عليه، دون أن يُشير إلى ما هو الأمر الذي تم الاتفاق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران، مكتفيًا بالإشارة إلى التوافق على البحث في المفاوضات عن مصير الأسد.
انتقلنا للحديث مع المتحدث باسم هيئة المفاوضات عن مسألة الفدرلة والتقسيم في ظل انتشار الأحاديث التي تتداول موضوع تحول سوريا إلى جمهورية فيدرالية، خاصة ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريباكوف، بأن موسكو تأمل أن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية.
وقد تحدث آغا لنون بوست مؤكدًا أن: “هذا الأمر في اعتقادهم سابق لأوانه، لأنه لا يمكن الحديث عن فيدرالية أو غير فيدرالية دون أن يكون هناك توافق على هيئة الحكم الانتقالية، ولكنه أشار إلى أنهم يفهمون الفيدرالية فهمًا مختلفًا، بأنها تعميق لمفهوم اللامركزية، وأنها تعميق لمفهوم الإدارة المحلية، وهذا أمر وارد في الحكومات السورية القديمة ما قبل الثورة، ولا مانع من أن تكون هناك إدارات محلية لا مركزية تمتلك بعض الصلاحيات الخدمية على أساس محافظات محلية، ولكن لا يمكن أن نفهمها على أنها مناطق عرقية أو مذهبية أو دينية”.
ويضيف الدكتور رياض آغا: “هذا الأمر لا يمكن أن يُطبق في سوريا لأنه لا توجد منطقة ذات عرق خالص أو ذات دين خالص، فنحن نعيش في منطقة نجد بيننا قرابة 20 نوعًا من المكونات الاجتماعية في هذه المنطقة الواحدة، مؤكدًا رفض الهيئة العليا للمفاوضات لتقسيم سوريا شكلًا ومضمونًا لأن هذا الأمر غير مطروح في قرار مجلس الأمن بالأساس الذي على خلفيته قامت المفاوضات”.
“نحن نلتزم بقرار مجلس الأمن ولا نلتزم بتصريحات الوزراء والسفراء”، هكذا كان رد الدكتور رياض نعسان آغا على أحاديث التقسيم والفيدرالية التي ذهبت إلى احتمالية القبول بتأسيس كيان كردي بحكم ذاتي في الشمال السوري أو القبول ببقاء الأسد فيما أضحى يُسمى بسوريا المفيدة، نافيًا بشدة القبول بهذا الأمر اعتمادًا على ما نص عليه بيان الرياض وقرار مجلس الأمن أن سوريا موحدة أرضًا وشعبًا.
وفي الحديث بنظرة مستقبلية حول مفاوضات جنيف الحالية وعن إمكانية الوصول بالمحصلة النهائية إلى تنحي نظام الأسد عن السلطة، سألنا المتحدث باسم هيئة المعارضة عن الخطط التي يضمرها الجانب المعارض فيما يتعلق بسوريا المستقبل.
وقد صرح لنون بوست: “أن هذا موضحًا أيضًا في قرار مجلس الأمن عندما تنتهي مرحلة المفاوضات وهي 6 أشهر لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة انتقالية مدتها 18 شهرًا، في هذه المرحلة سيتم عقد جمعية تأسيسية أو لنقل مؤتمر وطني شامل بهدف وضع دستور جديد للبلاد، وبعد هذا الدستور يمكن أن تكون هناك انتخابات برلمانية يتم عقبها اختيار شكل الحكم إذا ما كان سيكون رئاسيًا أو برلمانيًا حسبما سيتم التوافق عليه في الدستور السوري الجديد، ومن الصعب أن يتكهن أحد بشكل الحكم في غياب دستور يصوت عليه الشعب السوري، ولكن يمكن القول أن العنوان العريض هو (دولة مدنية تعددية)” بحسب تصريحات نعسان آغا.
وفي سؤاله عن إمكانية استغلال التنظيمات الجهادية المقاتلة في سوريا للفراغ السلطوي في المرحلة الانتقالية ما قد يؤدي لتوسيع نفوذها، أجاب أنهم يعتقدون أن هذه التنظيمات سوف تتلاشى حين تنتهي الصراعات بين الشعب والسلطة، لأن القضية الرئيسية الآن هي الخلاص من الحكم الاستبدادي، وإذا ما تم التوافق على حكومة انتقالية فلن تجد هذه التنظيمات ما تعيش عليه من حاضنة شعبية بحسب رأيه، وقد ربط الدكتور رياض آغا بين تواجد هذه التنظيمات وتواجد النظام ضاربًا المثال بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مضيفًا أنه فيما يتعلق بخيار المواجهة أنهم لن يسمحوا بإقامة إمارات دينية في قلب سوريا مثلما يرفضون عملية تقسيم سوريا.
وعن الموقف الروسي في المفاوضات توجهنا بسؤالنا إلى المتحدث باسم هيئة الوفد المفاوض التابع للمعارضة السورية عن احتمالية رفض الروس لتنحي الأسد فماذا سيكون رد الفعل حينها؟
“نعتبر أن مؤتمر جنيف لم يكن، وتستمر الصراعات، ويستمر العمل الثوري، ونعود إلى حيث كنا” هكذا بدأ رياض نعسان آغا حديثه ردًا على هذا التساؤل، مشيرًا إلى أن مؤتمر جنيف عمره بضعة أشهر في المقابل الثورة السورية مستمرة منذ 5 سنوات، ولا بديل عن استمرار المعركة حينها التي ستجلب شلالات جديدة من الدماء وهو ما لا تريده المعارضة بالطبع التي ذهبت إلى جنيف من أجل إيقاف سيل الدماء السورية.
رد الدكتور رياض آغا بعدها على تساؤلات متعلقة باتهامات العديد من الأطراف الداخلية منها والخارجية بعدم تمثيل الوفد المعارض لشريحة معتبرة على الأرض كافية لتحقيق زخم ضمن المفاوضات أو لفرض الشروط على طرف النظام بقوله:
“لا أدري حقيقة عن أي شريحة يتحدثون، فربما لا نمثل المؤيدين للنظام وهذا بالطبع حقيقي، حتى إننا لا نمثل جبهة النصرة، ولا نمثل داعش أو جند الأقصى أو أيًا من المنظمات المتطرفة فهذا صحيح، ونحن على المقابل نمثل الغالبية العظمي من الفصائل الثورية التي وقعت معنا قرار الهدنة، وهي أكثر من 100 فصيل عسكري وقعوا، وإلا كيف حدثت الهدنة؟”.
وتابع: “نحن لن نفرض شروطًا، لأن هناك قرار دولي وشرعية دولية ومجلس أمن كله وافق بالإجماع وكذلك المجموعة الدولية، وعلى هذا ذهب الوفد المعارض إلى جنيف ضمن إطار حل سياسي دولي للقضية السورية المدولة، وعلى النظام أن يوافق على قرار الشرعية الدولية”.
واختتم المتحدث باسم هيئة المفاوضات حديثه لنون بوست بالتعليق على ذكرى الثورة السورية التي تمر في هذه الأيام قائلًا: إن الشعب السوري دفع ثمن الحرية غاليًا، مشيرًا إلى تضحيات الشعب السوري من لاجئين ومشردين وصلوا إلى 12 مليون سوري، ورغم ذلك أكد أن الشعب السوري أدهش العالم بقدرته غير الطبيعية على تحمل المأساة على مدى خمس سنوات مطالبًا بالحرية، وبالتالي فإنهم سيقدمون هدية لجيل المستقبل اسمها “الحرية”.