ترجمة وتحرير نون بوست
تشير التقارير إلى أن الجهات المانحة الكبيرة في الحزب الجمهوري منذهلة ومستاءة من تصريحات دونالد ترامب السامة، حيث حذّر الملياردير الصناعي والسياسي، تشارلز كوخ، بأن السجل الذي يقترحه دونالد ترامب تجاه المسلمين في الولايات المتحدة “سوف يدمر مجتمعنا الحر”، وبعد إنفاق مئات الملايين من الدولارات في الترويج للآراء التحررية اليمينية على مدى العقود الأربعة الماضية، ورصد ميزانية تبلغ 898,000,000 دولار للانفاق في الدورة الانتخابية لعام 2016، يبدو بأن تشارلز وشقيقه، ديفيد كوخ، والدائرة المانحة التابعة للعائلة، يشعرون بخيبة أمل لعدم قدرتهم على تحقيق أي سيطرة تذكر على المرشحين الجمهوريين، “أغلب الأشخاص كانوا ليعتقدوا بأننا قد نحظى بتأثير أكبر ضمن دائرة المرشحين الجمهوريين”، قال تشارلز آسفًا في حديثه لصحيفة الفاينانشال تايمز، ولكن، في الواقع، فإن تأثير عائلة كوخ والجهات المانحة الكبرى التي تتبعها يتجلى بوضوح في خطاب ترامب الناري والمقسِّم وغير المسؤول؛ فقبل بضع سنوات، هم ذاتهم كانوا يرعون خطاب الكراهية في أمريكا.
خلال عطلة نهاية الأسبوع في 4 يوليو من عام 2010، حضرت القمة السنوية الرابعة للدفاع عن الحلم الأميركي في أوستن/ تكساس، والتي كانت تمثل في جزء منها دورة تدريبية لنشطاء حركة حزب الشاي المحلي، وكان الاجتماع مرعيًا من قبل جمعية “أميركيون من أجل الازدهار”، وهي حركة تزعم بأنها دعوية شعبوية غير حزبية مكرّسة لقضية الحكومة الصغيرة، الأسواق الحرة، والتحرر، ولكن في واقع الأمر تأسست الحركة بتمويل كبير من عائلة كوخ، والتي كان نشاطها المبكر يشكل مزيجًا من الترويج للخوف والتعصب العنصري.
كان كوخ الأب، فريد كوخ، مؤسس صناعات كوخ، وهي شركة نفط ومواد كيميائية خاصة مربحة بشكل كبير ورثها عنه أبنائه، أحد الأعضاء الأصليين لجمعية جون بيرش، وهي مجموعة محافظة متشددة اتهمت معارضيها السياسيين بالخيانة، وكانت تعمل من منصة التمييز العنصري؛ فبعد أن قضت المحكمة العليا لصالح إلغاء التمييز العنصري في المدارس العامة الأميركية في عام 1954، أطلقت جمعية بيرش حملة وطنية لعزل رئيس المحكمة العليا إيرل وارين، وفي عام 1960، كتب فريد كوخ كتاب سيرة ذاتية يصف فيه برامج الرعاية الاجتماعية باعتبارها مؤامرة حكومية سرية لاستقطاب السود من المناطق الريفية إلى المدن حتى يتمكنوا من إثارة “حرب عنصرية وحشية”، وقبل أن يعلن جورج والاس عن ترشحه للرئاسة في عام 1968، دعم فريد كوخ بشكل فاشل تجنيد عزرا تافت بنسون، وزير الزراعة الأسبق وأحد قادة الكنيسة المورمونية، وستروم ثورموند، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليقيما حملتهما من منصة الدعوة إلى إعادة نظام الفصل، وفي ذات الوقت كانت حملة جمعية بيرش متطرفة ومضللة للغاية، لدرجة أنهم زعموا بأن الرئيس الجمهوري دوايت أيزنهاور كان عميلًا شيوعيًا.
ليس من العدل ربما أن نحمّل خطايا الأب للأبناء، ولكن تشارلز وديفيد يمتلكان سجلًا حافلًا بالتورط مع المؤسسات العنصرية، فهما نفسيهما ينتميان لجمعية جون بيرش، وفي أواخر الستينات، كان تشارلز وصيًا على مدرسة تدعى “مدرسة الحرية”، تقع خارج كولورادو سبرينغز، والتي لم تستقبل أي طالب أسود، لأنه مديرها أوضح لصحيفة نيويورك تايمز بأن ذلك “سيطرح مشكلة سكن لبعض طلابه ممن يمارسورن نهج التمييز العنصري”، حيث كانت مدرسة الحرية تخطو نحو أيديولوجيتها المتطرفة المناهضة للحكومة، وتدرّس نسخة محرّفة من التاريخ الأمريكي تقول فيها بأن الحرب الأهلية لم يكن ينبغي أن تُفتتح، وكان ينبغي أن يُسمح للجنوب بالانفصال، وبأن الرق أهون من نظام التجنيد العسكري.
كان تشارلز كوتش مفتونًا بمدرسة الحرية لدرجة أنه دفع أشقاءه الثلاثة والعديد من الأصدقاء للدراسة فيها، وكان يأمل أن يقوم بتوسيعها لتضحي جامعة معتمدة، ولكن بدلًا من ذلك عانت المدرسة من جنوح مالي، ومع ذلك، شكّلت هذه المدرسة الخطوة الأولى في الحملة المستمرة التي استخدمت فيها عائلة كوخ ثروتها الواسعة لإعادة تشكيل الأوساط الأكاديمية والسياسة الأمريكية بما يتماشى مع أيديولوجيتها الخاصة.
بطبيعة الحال، تلك الاتجاهات حصلت منذ فترة طويلة، وكثير من الأشخاص طوروا وغيّروا وجهات نظرهم حول التمييز العنصري خلال العقود التي تلت ذلك، وفي السنوات الأخيرة، تبرعت عائلة كوخ بمبالغ كبيرة لصندوق كلية نيغرو المتحد، ولكن في مقابلة له في عام 2011 مع صحيفة ويكلي ستاندارد، ردد ديفيد كوتش المزاعم الجوفاء التي أطلقها المحافظ دينيش دسوزا، حول كون نظرات وتطلعات أوباما تعبّر بطريقة أو بأخرى عن أصوله الأفريقية بدلًا من كونه أميركيًا، حيث ادعى بأن أوباما، الذي ولد في أمريكا وتركه والده الكيني وهو طفل صغير، استمد آرائه “المتطرفة” من تراثه الأفريقي، وجاء في مقابلته: “لقد كان والده اشتراكيّا متشددًا في كينيا، وعلى الرغم من أن أوباما لم يتعامل حقًا مع والده وجهًا لوجه، ولكنه كان على ما يبدو، ووفقًا لما قرأت، معجبًا بشكل كبير بوجهة نظر والده، لذلك كانت تتنازعه طوال حياته نوع من تأثيرات معاداة الأعمال ومعاداة المنافسة الحرة”، ويكمل كوخ قائلًا بأن أوباما “يوضح لك ما الذي قد يحققه رجل يمتلك لسانًا فضيًا”.
محاولة مهاجمة أوباما، ليس من باب المعارضة السياسية الشرعية لديمقراطي منتخب من الشعب الأمريكي بل باعتباره تهديدًا أجنبيًا على بقاء الدولة، كانت واضحة وجلية في قمة الدفاع عن الحلم الأميركي في أوستن خلال صيف عام 2010، حيث ترأس تلك القمة بيغي فينابل، الذي كان آنذاك مدير فرع ولاية تكساس لجمعية “أميركيون من أجل الازدهار”، والذي كان يتمتع باسم دائم منذ عام 1994على جداول المرتبات التي دفعتها مختلف المجموعات التابعة لعائلة كوخ، وفي ذلك المؤتمر سلّم فرع ولاية تكساس جائزة مدون السنة جائزة لامرأة اسمها سيبيل ويست، التي وصفت أوباما بأنه “مدمن محظوظ في قمة الهرم”، وبأنه يعاني من “المس الشيطاني (المعروف أيضًا باسم مرض انفصام الشخصية، وما إلى ذلك)”؛ إذن وعلى الرغم من أن الطبقة الجمهورية المانحة قد أضحت اليوم تتبرأ من هذه اللغة الحقيرة، ولكنها قبل ست سنوات كانت تكرمها بالجوائز.
ترأس تيد كروز، الذي كان المدعي العام لولاية تكساس سابقًا، مأدبة الغداء التي أُقيمت في القمة، وعلى الرغم من أن عائلة كوخ مستاءة اليوم من خطاب ترامب، إلا أنه وفي ذلك الوقت، لم يعترض أحد عندما قال كروز بأن كلية القانون بجامعة هارفارد، التي حضرها مع أوباما، كانت مُخترقة من قِبل الشيوعيين، حيث جاء في حديث كروز: “الجمهوريون المعلنون كانوا أقلية في الكلية أمام الشيوعيين، فمقابل كل جمهوري واحد، كان هنالك اثنا عشر شخصًا ممن يقولون بأنهم ماركسيون ويؤمنون بإسقاط الشيوعيين لحكومة الولايات المتحدة”، كما جاء في حديث كروز بأن أوباما “من شأنه أن يكون رئيسًا مثاليًا لكلية هارفارد للقانون، لأنه مؤمن حقيقي، وملتزم بمصادرة اقتصادنا وحياتنا”.
مارس كبار المانحون ذات هذا النمط من المعركة الملتهبة ضد قانون رعاية أوباما؛ فبدلًا من مناقشة خطة الرعاية الصحية الخاصة بأوباما باعتبارها قضية سياسية، قامت عائلة كوخ والجهات المانحة المتحالفة معها بضخ الأموال ضمن مجموعة المال المظلم التي تُدعى مركز حماية حقوق المرضى، والتي شنت حرب عصابات لترويج الخوف والنقد اللاذع، حيث تميزت الإعلانات التلفزيونية التي ترعاها المجموعة بالادعاء بأن خطة أوباما تهدف لـ”سيطرة الحكومة” على الرعاية الصحية، كما نعتت صحيفة البوليتي فاكت خطة الرعاية الصحية بـ”كذبة العام” في عام 2010.
وفي الوقت عينه، انبثقت عن مجموعة “أميركيون من أجل الازدهار” مجموعة تُسمى “المرضى متحدون الآن”، والتي نظمت حوالي 300 مسيرة مناهضة لمشروع رعاية أوباما في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مسيرة رفع المحتجون خلالها لافتة تظهر جثثًا من معسكر داخاو النازي، قاصدين من خلف ذلك أن سياسات أوباما من شأنها أن تسفر عن حوادث قتل جماعي، وفي مظاهرة أخرى نظمتها مجموعة “المرضى متحدون الآن”، تم تصوير شنق عضو ديمقراطي من الكونجرس على شكل دمية، وتم الاستيلاء على مركز اللقاءات المفتوح التقليدي، الذي يلتقي ضمنه أعضاء الكونجرس المحليين مع ناخبيهم، من قِبل الجماهير الغاضبة، وفي هذا الشأن، اعترف شون نوبل، وهو ناشط سياسي جمهوري كان متعاقدًا مع عائلة كوخ، في وقت لاحق قائلًا “لقد قمنا بتعبئة مراكز البلدات بالناس الذي كانوا يصرخون بمعاداتهم لخطة أوباما للرعاية الصحية، لقد كنا نعلم بأنه يتوجب علينا أن نجعل صيف ذاك العام جحيمًا مطلقًا”، كما جاء في لقاء معه ضمن صحيفة ناشيونال ريفيو في عام 2014.
في أحد الاحتجاجات التي خرجت للاعتراض على مشروع قانون رعاية أوباما ضمن الكابيتول هيل تحت مسمى “اقتلوا مشروع القانون”، اتهم تيم فيليبس، رئيس جمعية “أميركيون من أجل الازدهار”، أوباما بأنه “يحاول أن يحشر هذا القانون المؤلف من 2000 صحفة في أسفل حلق الشعب الأمريكي”، وبعد أيام، وفي مسيرة أخرى أمام الكابيتول هيل، بصقت الحشود الغاضبة المتجمعة على عضو ديمقراطي بالكونجرس أثناء مروره، سخروا من بارني فرانك، عضو الكونغرس مثلي الجنس من ولاية ماساشوسيتس، وأطلقوا نعوتًا عنصرية ضد ثلاثة أعضاء سود في الكونجرس، هم: جون لويس، إيمانويل كليفر، وجيم كليبورن.
إذا كان كبار المانحين في الحزب الجمهوري يدركون الآن بأن هذا الخطاب ليس قبيحًا فحسب وإنما يستبطن أيضًا خطورة داهمة، كما يتبين من العنف المتفجر من خطابات ترامب، فإن هذا تغيير مرحب به حقًا، ولكن شكوى ذات كبار المانحين الذين صبوا الزيت على النار عندما كانت الرياح تهب في مصلحتهم من أن حملة ترامب اليوم أصبحت خارج نطاق السيطرة، هو تصرف أقل ما يقال عنه بأنه تصرق منحدر من طبقة أغنياء، لا معنى له.
المصدر: النيويوركر