يبدو أن المشهد السياسي بمُلهمة الربيع العربي، يسير في طريق الهاوية، ويأبى أن تندمل جراحه العميقة التي خلفتها ثلاثة عقود من حكم بن علي، وضعت الجميع أمام حالة استئصالية وخطاب الكراهية الذي استعمله النظام السابق ضد الإسلاميين ولم تنتج الديمقراطية حتى قامت ثورة الياسمين.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
ففي الثاني من مارس الجاري، شهدت البلاد ولادة حزب سياسي جديد، من رحم حركة نداء تونس الحاكم، تجسيدًا لمدى الانقسام الداخلي بين فريق حافظ قايد السبسي “نجل الرئيس”، والأمين العام المستقيل للحركة محسن مرزوق، بالتوافق مع ذكرى مؤتمر “قصر هلال” عام 1934، حينما أعلن الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة انشقاقه رفقة عدد من القياديين عن الحزب الحر الدستوري، الأمر الذي مهد لبورقيبة الطريق لقصر الحكم، فهل تشهد تونس إعادة للتاريخ أم ينتصر نجل السبسي وينجح في الإقصاء النهائي لمرزوق وبطانته، وما هو مردود ذلك على كتلة نداء تونس بالبرلمان ومدى استفادة حركة النهضة الإسلامية سياسيًا من الأمر؟
على أرض الواقع اختلف المحللون السياسيون حول مدى تأثير الحزب السياسي الجديد على الأوضاع الداخلية بالبلاد، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وبدا أن البعض من المراقبين يرى في الحزب حالة جديدة بالمشهد السياسي، ويملك حظوظًا في شغل حيز مميز فيه، وآخرون يعتبرونه فقاعة هواء ليس إلا، لن تستطيع بخطابها المعادي للإسلاميين في تكوين أرضية جماهيرية وحاضنة شعبية، مع دولة عانت من التمييز كثيرًا ضد الإسلاميين، وتسببت فيما هي به الآن.
تبرير مرزوق
بداية برر مرزوق انشقاقه عن نداء تونس، بغياب الديمقراطية، في تسيير “ندء تونس” بسبب محاولة الشق الآخر – نجل السبسي – الاستيلاء على الحزب، إضافة إلى انحراف الحركة عن توجهاتها التي جمعت روافد عديدة ذات خلفيات يسارية ونقابية ودستورية وتجمعية.
بحسب المراقبين فإن أول من يخشى تداعيات الحزب الجديد على المشهد السياسي الداخلي بتونس هم كتلة “النداء” وليس “إخوان النهضة”، كون انشقاق ما يقرب من 27 نائبًا برلمانيًا عن نداء تونس للانضمام لتكتل مرزوق، يدفع بحزب السبسي للمركز الثاني في البرلمان، خلف حزب النهضة الذي بات بالمركز الأول الآن بـ 69 مقعدًا وباتت تمتلك الكتلة البرلمانية الأولى في البرلمان، ناهيك عن أن مرزوق نفسه يعلم صعوبة نجاح حزبه الجديد في التأثير على المشهد الداخلي لصالحه، وسيفشل لا محالة بالحصول على تمويلات تغطي مصاريفه، وبالتالي فإن مرزوق بصدد مجرد التعويض عن خسارة لحقته في حزبه الأصلي “نداء تونس”.
لكن ما هو مشروع الحزب، ودوره بالحياة السياسية وتداعياته على نداء تونس وحركة النهضة والأوضاع الداخلية؟
تجربة جديدة
وفقًا لعدد من المحللين فإن مشروع الحزب الجديد واختيار مسماه “مشروع تونس” كان خلاصة مشاورات عدة بين القادة الجدد به، وعلى رأسهم مرزوق وقاعدة جماهيرية كبيرة، تشمل معظم التيارات اليسارية والجهوية، وبعض أعضاء كتلة الحرة، استمرت ثلاثة أسابيع، وبالتالي فإنه الحزب الأول على المستوى العربي، وربما المنطقة ككل الذي يتأسس من القاعدة للقمة، وليس العكس كما هو معروف عنه، ما يعني درجة جديدة من الممارسة الديمقراطية بالبلاد – وإن شابته خطاباته المعادية للإسلامين في البلاد – وهي ديمقراطية غابت عنها لعقود طويلة في عهد بن علي، لكن التساؤل الأهم ماذا سيضيف الحزب رقم 181 بتونس لم ينجح في إضافته 180 حزبًا سابقًا عليه، خصوصًا أن حزب نداء تونس هو الأصل ووريث الحركة الإصلاحية فيما يعتبر الحزب الجديد فرعًا عنه؟
في المقابل يرى مؤسسو حزب “مشروع تونس” أن العكس هو القائم الآن، فما تبقى من حزب نداء تونس هو الفرع الآن، وليس الأصل، حيث ورثت القاعدة المؤسسة لحزب مشروع تونس مبادئ الحزب القديم، وقاعدته الشعبية الكبيرة ، ومشروعه الإصلاحي وآلية العمل المتعلقة بالممارسة الديمقراطية، التي حادت عنها مؤخرًا كتلة “نجل السبسي” ضد رفقاء الأمس.
مشروع مبهم
بالنسبة للمشروع، فإن الحركة ترى أن مشروع الحزب النهائي سيتم الإعلان عنه في العشرين من مارس الجاري، باعتبار أن بناء الحزب هو بناء أفقي وليس رأسي، تصوت فيه القاعدة الجماهيرية على الإيديولوجية والآليات والنسق التنظيمي، بعد عدد من المشاورات والجلسات الشعبية، لكن الحزب الوليد أشرك في مؤتمره التأسيسي الأولي كوادر تعود لحساسيات سياسية قديمة، ومشارف فكرية مختلفة، بعضها محسوب تمامًا على بن علي وعلى الأخص صادق شعبان، أحد وزراء بن علي ومدير حملته الانتخابية في العام 1999م، وهو ما تبرره الحركة بأن كل المنتمين للنظام السابق وليست عليهم اتهامات عدلية وقضائية ومالية من حقهم العودة للحياة السياسية، فهل تكون لحظة ميلاد الحزب إعادة لحالة الخلاف بين بقايا نظام بن علي والإسلاميين؟
وإن كان مرزوق نفسه قد أعلن مسبقًا بعد انفصاله عن “النداء” في أواخر العام 2015، بأنه بصدد إنشاء حزب أو بناء ديمقراطي “وطني حداثي” منفتح على جميع القوى الحداثية، التي رفضت الانضمام في وقت سابق لـ”النداء”، رغم تأكيده في ذات الوقت أنه ملتزم بـ “المشروع الوطني الإصلاحي العصري المتواصل مع الفكر البورقيبي”، الذي يقوم عليه أساسًا حزب نداء تونس، ولذلك لجأ لاستمالة رموز بن علي وبعض مسؤولي حزب “التجمع الدستوري الديموقراطي” الذي تم حله عقب الثورة، ما يعني أن الحزب الجديد بمثابة بوابة لقدامى بن علي لإعاد توحيد القوى الدستورية في كيان سياسي جديد، قد يشكل “بديلاً محتملاً” لحزب نداء تونس المشتت.
وفي المقابل تثور المخاوف بين أعضاء – أو المتبقين – من حزب نداء تونس من خوض الحزب الجديد “حركة مشروع تونس” للانتخابات البلدية المقبلة ما يعني تفتيت القاعدة الجماهيرية بين شقيقي الأمس، لصالح حركة النهضة الإسلامية، ما يعني أن البلاد قد تشهد عودة جديدة لتعملق “النهضة” بعد تشظي نداء تونس، وسيكون مشروع تونس هو طريقها الجديد للحكم.