يعاني العديد من المواطنين في دول مختلفة من قانون يجرّم محرر الشيك الآجل الدفع بالسجن لحين السداد، وهذا ما يساهم في مشاكل في السوق التجارية داخل تلك الدول من قبيل إفلاس الكثير من التجار وسجن البعض الآخر أو تصفية أعمالهم وبيع بعض من ممتلكاتهم للتخلف في السداد.
والسودان إحدى تلك الدول التي شهدت جدلًا واسعًا في الفترة الأخيرة بين من يقول بإلغاء قانون حبس من تخلف عن سداد الشيك الآجل وآخرين مصرين على إبقائه فضلًا عن الضغوط الدولية التي تواجهها الخرطوم لتطبيقها مادة في القانون الجنائي تقتضي بسجن المتخلف عن السداد، باعتبارها تتعارض مع المادة 11 التي تعتبر أن الحقوق الأساسية والمدنية الدولية تمنع حبس المدين، علمًا أن هذا الشيك أخرج الكثير من التجار من السوق وأفلس آخرين وتسبب بسجن ما يقرب من 4 آلاف شخص في أحد أكبر السجون في السودان فقط.
حتى إن السلطة بدأت تشتكي من كثرة المحبوسين في الشيكات الآجلة حيث تنفق الدولة عليهم في السجن أكثر من قيمة الشيك، وقد أكد ذلك مدير الإدارة العامة للسجون والإصلاح أبو عبيدة سليمان في تصريح سابق أن نزلاء الحق الخاص يشكلون عبئًا كبيرًا على الدولة، وقال إن تكلفة إقامة النزلاء تبلغ 22 مليون و55 ألف جنيهًا سودانيًا وتبلغ تكلفة علاج النزلاء على نفقة الدولة مليار وتسعمائة ألف جنيه عدا عن تكاليف النقل والترحيل للمحاكم والمستشفيات.
تنص المادة في القانون الجنائي السوداني على سجن كل من أصدر شيكًا آجل السداد ولم يعمد إلى سداد المبلغ خلال التاريخ المصدّر أو المُحرر في الشيك، جاء هذا بعد إدخال تعديلات على القانون الجنائي فور وصول النظام الحاكم إلى السلطة بحيث تم اعتبار الشيكات الآجلة جريمة وقضية جنائية يعاقب عليها بالحبس بدون تحديد مدة، وأدرجت المادة “179” ضمن مواد القانون والتي تؤكد على حبس صاحب الشيك إلى حين السداد بينما كان يعتبر قبلها قضية مدنية لا تقود للحبس لحين السداد.
فأحيانًا يشتري التاجر سلعًا بشيك آجل السداد تحت ضغط الحاجة ثم ولسبب ما ولعوامل عديدة يضطر لبيعها في السوق بثمن بخس، لتوفير السيولة المالية اللازمة والمسارعة لتسديد ما عليه من شيكات قبل مجيء وقت السداد وفي حال مجيء موعد السداد ولم يسدد فإن مصيره واقع بين خيارات لا مفر منها إما السجن أو الهرب أو تصفية تجارته وبيع بعض من ممتلكاته لتسديد المبلغ.
المبررات التي ساقتها الحكومة لاستصدار هكذا قانون، هو تعرض البلاد لأزمة مصرفية كبيرة بسبب تعثر كثير من المقترضين عن السداد، حيث أقدم البعض على أخذ أموال من المصارف دون ضمانات كافية وتهربوا من السداد، ما أدى إلى زيادة في معدل التضخم وأضرار جسيمة لحقت بالاقتصاد الوطني، وعلى إثر ذلك أقرت هذه المادة فضلًا عن قانون الأموال المرهونة كجزء من الإصلاحات التشريعية.
بينما يرى آخرون العكس ويبررون رواية معاكسة عن تلك بقولهم أن المادة فرضت بشكلها الحالي للتخلص من خصوم ومعارضين للسلطة ما أسهم بالفعل في إفلاس البعض وحبس آخرين.
أنواع الشيك ووظائفه
نقطة مهمة جدًا قبل البدء بتعريف الشيك وذكر أنواعه ووظائفه هي الخلاف بين الدول على نوع “الشيك المؤخر التاريخ أو الآجل” حول من يسمح به ومن يمنع تداوله، فقد يعمد الساحب (المحرر) عند تحريره الشيك إلى تأخير سحبه، قاصدًا بذلك تأخير تقديم الشيك للوفاء بقيمته، حتى يستفيد من فترة تأجيل الدفع وإرسال المبلغ المالي “مقابل الوفاء” إلى المصرف المسحوب عليه، علمًا أن هذا المفهوم يعارض إحدى الخصائص والأركان الأساسية للشيك وهي أنه يستحق الوفاء بمجرد الإطلاع وأنه لا يعد أداة للائتمان.
والشيك هوعبارة عن إذن صرف أو أمر أدء مكتوب صادر إلى مصرف من شخص له حساب فيه يكلفه عند الإطلاع عليه دفع مبلغ معين من النقود لشخص محدد يسمى المستفيد، وهو أداة وفاء الديون، يقوم بوظيفة النقود في التعامل بين الناس، إذ إنه واجب الدفع بمجرد تقديمه إلى المسحوب عليه (المصرف)، كما أنه من أكثر أنواع الأوراق التجارية انتشارًا في العمل لأهميته البالغة في المعاملات، ويتميز بأنه يقلل من الحاجة إلى استعمال العملة الورقية فيحد من كميتها المتداولة في الأسواق، كما أنه لا يجبر الساحب على الاحتفاظ بالنقود في حوزته للوفاء بها ويؤدي ذلك إلى التقليل من مخاطر ضياع أو سرقة النقود.
وللشيك خصائص منها أنه مستحق الدفع لدى الإطلاع، ووسيلة وفاء، ولا يمكن أن يتضمن تاريخًا محددًا للاستحقاق ولذلك فهو يستحق الدفع فور تقديمه إلى المصرف.
وتتحدد وظائف الشيك في أنه وسيلة سهلة لدفع الديون النقدية من دون سحب المبالغ وحملها، والحماية من فقدان النقود وسرقتها، ووسيلة لإثبات وضمان الدفع.
أما أنواع الشيكات فتتنوع تبعًا للحاجة، فمنها السياحي للتخفيف من مخاطر السرقة أو ضياع الأوراق المالية التي يحملها المسافر، حيث تمكن المسافر من استخدام الشيكات السياحية بدلًا من النقود فيسلم المسافر النقود للبنك ويسلمه شيكات بدلًا منها.
ومنها شيكات البريد: حيث تقوم مصلحة البريد ببعض عمليات البنوك فهي تتلقى ودائع نقدية وتجيز لأصحابها سحبها عن طريق شيكات يمررونها عليها، فشيك البريد هو أمر بالدفع لدى الإطلاع، بمقتضاه يتمكن الساحب من قبض كل أو بعض النقود القائمة والمعتبرة لحسابه لدى البريد.
والشيك المسطر: هو الذي يرسم على صدره خطان متوازيان بينهما فراغ، والغاية من الخطين لفت نظر المصرف المسحوب عليه إلى وجوب الامتناع عن دفع مبلغ الشيك إلا إذا كان مقدمًا من أحد المصارف أو من عميل للمصرف المسحوب عليه تبعًا لما كان التسطير عامًا أم خاصًا، والغاية من تسطير الشيك هي التقليل من المخاطر كضياع الشيك أو سرقته، لذلك لايجوز تحصيل قيمة الشيك إلا بمعرفة أحد المصارف، ويتعذر على من يعثر على الشيك إذا فُقد أو سُرق أن يحصّل قيمته بنفسه، كما يتعذر عليه تكليف أحد البنوك لتحصيل مبلغه، لأنها لا تقوم بالتحصيل عادة إلا لحساب عملائها الذين تتأكد من شخصياتهم، أي أنها لا ترتضي تحصيل مبلغ الشيك لحساب الغير إلا إذا تأكدت من شخصية حامل الشيك.
وقد يكون التسطير خاصًا أو عاماً، ففي حال كان عامًا يُترك الفراع بين الخطين دون كتابة أي كلمة أو إذا كُتب لفظ بنك من غير تعيين اسم البنك بعينه، في حين يكون خاصًا عندما يتم تحديد اسم البنك بين الخطين المتوازيين وفي هذه الحالة يتعين على المسحوب عليه عدم وفاء قيمة الشيك إلا للمصرف الذي سمي بين الخطين.
الشيك المعتمد: هو شيك محرر في شكل الشيك العادي فضلاً عن أنه يحمل توقيع البنك على صدر الشيك بما يفيد اعتماده مع ذكر التاريخ ويترتب على اعتماد الشيك تجميد مقابل الوفاء لصالح الحامل فيصبح الوفاء بالشيك مؤكدًا.
الشيك الممزق: إذا حرر الساحب الشيك ثم مزقه بحيث أصبح تمزيقه دليلاً على انصراف إرادة الساحب إلى إلغاء الشيك فلا يجوز للبنك دفع الشيك حتى لو جمع الحامل القطع الممزقة وأعاد لصقها أما إذا تمزق الشيك دون أن يؤدي ذلك إلى انقسام الورقة شطرين أو أكثر جاز للبنك دفع قيمة الشيك وإذا ساوره شك جاز له أن يرده إلى العميل دون صرف قيمته.
وهناك فرق بين الشيك والكمبيالة، أن الشيك مستحق الدفع بينما الكمبيالة تكون مضافة الأجل، ويمكن أن نلخص الفرق بالتالي:
1- يجب أن يتوافر للشيك مقابل وفاء وقت إصداره لأنه مستحق الدفع لدى الإطلاع بينما يمكن أن يتراخى مقابل الوفاء في الكمبيالة إلى موعد استحقاقها.
2- يعاقب على إصدار الشيك بدون رصيد بينما لا يعاقب على إصدار كمبيالة دون أن يكون لها مقابل وفاء
3- يعد الشيك دائمًا أداة وفاء والكمبيالة أداة ائتمان.
وفي النهاية فإن الأزمة الحاصلة في السودان لن تحل إلا من خلال تشريع يعيد الموازين لنصابها الصحيح، والاستجابة للمطلب الدولي الذي يقضي بعدم حبس المدين لإن هذا يقضي على تجارته ورأس ماله، والتجربة في الفترة الماضي كانت خير برهان حيث أضرت بالفعل في الأسواق التجارية السودانية وبالتجار. وبما أن المادة أُقرت بظروف معينة تتعلق بتعثر في سداد القروض من المصارف، فالواجب إلغاء المادة حال تحسن مؤشر التعثر في السداد الذي بات اليوم يشهد تحسنا ملحوظا حيث أصبح قريبًا من المؤشر العالمي عند 7% تقريبًا.