ترجمة حفصة جودة
بينما لم يكن هناك أي سؤال واحد عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل خلال عشرات المناظرات لمرشحي الرئاسة الديموقراطيين، فقد عاد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى بؤرة الأحداث في الجانب الجمهوري بالسباق الرئاسي لعام 2016.
كان سبب عودة الخلاف مرة أخرى وارتباطه بالمحافظين واستهلاكه الكثير من الوقت مثل أي موضوع آخر في مناظرات الحزب الجمهوري، هو أن دونالد ترامب كان قد وعد بأن يكون وسيطًا “محايدًا” في عملية السلام.
هذا الوعد الذي أعطاه ترامب قد منح فرصة لمنافسيه الرئاسيين في الحزب الجمهوري لمهاجمته من اليمين، والذي يعني أن تيد كروز وماركو روبيو وجون كاسيتش قد نفضوا الغبار عن نقاط الحديث الناتجة عن ولائهم للوبي الإسرائيلي.
النقطة الأبرز كانت الافتراض الذي يقول إن الفلسطينيين هم جميعًا مفجرين انتحاريين قيد الانتظار، “يستند مفهوم الحياد إلى إيمان اليسار بالنسبية الأخلاقية والتي غالبًا ما تكون منبوذة في وسائل الإعلام، فلتسمعوا، الأمر ليس متساويًا، فعندما تجد الإرهابيين يربطون الديناميت حول صدورهم ويفجرون ويقتلون النساء والأطفال الأبرياء، لا يساوي ذلك أبدًا قيام ضباط الجيش الإسرائيلي بحماية إسرائيل، ولن أتظاهر أبدًا بأن الأمر متعادل” هذا ما توعد به كروز المنافس الأقرب لترامب.
الاتجاه السائد في الخطاب السياسي بالولايات المتحدة، يعرض الفلسطينيين وكأنهم دمويون يقتلون اليهود، وأنهم يعيشون بجانب دولة إسرائيل، التي تم تصوريها على أنها “فورت أباتشي”(صورة مركبة)، يحيط بها السكان الهمج الذين لا يريدون السلام.
“لقد انسحبت السلطة الفلسطينية من جهود متعددة وعروض سخية جدًا من الجانب الإسرائيلي لتحقيق السلام” هذا ما يؤكده روبيو، ويتابع “بدلاً من ذلك، فما يفعله الفلسطينيون هو تعليم أطفالهم من عمر أربع سنوات أن قتل اليهود عمل عظيم، أما حماس فهي تقوم بإطلاق الصواريخ وتنفيذ الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل بصورة مستمرة”.
“الفلسطينيون مجرمون متعطشون للدماء، ويرغبون في الصراع لا السلام، وخلاصة القول أن الاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين، بالنظر للتركيبة الفلسطينية الحالية هو أمر غير ممكن” يقول روبيو.
غالبا ما تلتف الرواية الإسرائيلية حول فشل محادثات كامب ديفيد للسلام عام 2000، حيث اتهموا ياسر عرفات زورًا بأنه انسحب من الاتفاق الذي عرض على الفلسطينيين تحقيق 90% من مطالبهم، “إنها خرافة مفزعة، بأن ياسر عرفات هو المسؤول فقط عن هذا الفشل الكارثي، الأطراف الثلاثة جميعها وقعت في الخطأ، وفي مثل هذه المفاوضات المعقدة، جميع الأطراف تكون مسؤولة، ولا يمكن إلقاء اللوم على طرف بعينه” هذا ما قاله المبعوث الأمريكي الخاص للقدس لجريدة النيويورك تايمز.
حتى إن رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض، شالوم بن عامي، قال “كامب ديفيد ليست فرصة الفلسطينيين الضائعة، ولو كنت فلسطينيًا لكنت رفضت مفاوضات كامب ديفيد أيضًا”,
إذا كان الفلسطينيون لا يرغبون في السلام، فلماذا تُظهر استطلاعات الرأي أن ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة مؤيدون لمفاوضات السلام مع إسرائيل؟ لا تعلمون السبب!
لماذا لن يرغب الفلسطينيون في السلام؟ الأمر ليس وكأن الفلسطينيين يمتلكون قوات بحرية وقوات جوية وجيش، أو أن قضية التحرر الفلسطيني تدعمها قوى عسكرية كبرى، وليس وكأن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل.
كانت السلطة الفلسطينية قد حثت الولايات المتحدة على البدء في محادثات سلام متعددة الأطراف مؤخرًا في نوفمبر 2015، “يحاول نتنياهو إقناع أوباما والعالم كله بأن القضية هي كراهية الفلسطينيين لإسرائيل” يقول حسام زملط، أحد كبار مساعدي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ويتابع “الفلسطينيون مثل الآخرين، يكرهون الظلم والاحتلال والحرمان لعقود طويلة من حقوقهم الأساسية”.
رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الاقتراح الفلسطيني بينما تجاهلته الولايات المتحدة.
كانت موجة العنف الفلسطينية الأخيرة قد قام بها جيل ما بعد أوسلو والذي لا يرى أي أمل في عملية السلام، فثلاثة عقود من محادثات السلام بوساطة أمريكية لم تقدم أي شيء، فلا هي ساعدت على إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافيًا، ولم تقم حتى بوضع حد للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
فمنذ أوسلو، ازداد عدد المستوطنين الإسرائيلين الذين يعيشون في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، من 250.000 إلى 750.000، لذا يبدو واضحًا أن الإسرائيليين هم من يرفضون السلام وليس الفلسطينيون.
وجد استطلاع جديد لمركز بيو أن حوالي 50% من الإسرائيليين يعتقدون بأن العرب يجب أن يُطردوا من إسرائيل، وهذا يعني بشكل ما أن حوالى نصف اليهود الإسرائيليين يدعمون التطهير العرقي، وفي عام 2008 أظهر استطلاع رأي آخر أن حوالى 64% من اليهود يعبرون عن مستويات عالية من كراهية الفلسطينيين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الاستطلاع قد تم بعد ثلاث سنوات من الانتفاضة الثانية، وثلاث سنوات بدون أى هجمات من جانب المقاومة.
تتحدث الحكومة الإسرائيلية بلغة معادية للسلام، حيث تقوم بالدفع أكثر فأكثر في اتجاه زيادة نمو سكان المستوطنات وزيادة نشاطهم السياسي، وقال نتنياهو إن حل الدولتين لن يحدث أبدًا في عهده، وقالت نفتالي بينيت، وزيرة التعليم، إنه قد حان الوقت لتقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية، بينما دعا وزير العدل الإسرائيلي إلى إبادة جماعية للفلسطينيين.
كانت بادريج أومالي، التي ساعدت في مفوضات السلام بإيرلندا الشمالية ومؤلفة كتاب “وهم الدولة الثانية” قد لاحظت أن هناك تغيرات ديموغرافية في إسرائيل، “وأن إسرائيل القادمة ستكون أكثر عدائية تجاه الفلسطينيين، وتميل بشكل مثير للقلق للتعبير عن كراهيتها، ومتطرفة في قوميتها، ومشبوهة أكثر في العالم العربي، ومتطرفة يمينيًا، وأقل التزامًا بالقيم الديموقراطية، وأقل تسامحًا، ولن تثق في معظم المؤسسات عدا قوات الدفاع”.
بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، قال يوسي جينوسار، عضو الوفد الإسرائيلي ومسؤول الشاباك السابق، إن الإسرائيليين غير قادرين على التفكير في إيجاد حل سلمي للنزاع لأن المجتمع الإسرائيلي لا يستأنس الفلسطينيين، “إنني أعتقد أنه حتى يقوم الإسرائيليون بأنسنة الفلسطينيين كمجتمع وكأفراد وبالتالي عقلنة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الوقت لم يحن بعد لإبرام معاهدة سلام، فقد فشلت حكومتنا في أنسنة المجتمع الفلسطيني في عيون الإسرائيليين عامةً، وأن تجعل الإسرائيليون ينظرون للفلسطينيين كأي مجتمع طبيعي، وكمجتمع نحتاج لأن نتعلم معاملة الفلسطينيين كبشر لهم نفس الأصالة التي ننتسب إليها، أعتقد أننا لسنا مستعدين للقيام بذلك بعد” يقول جينوسار.
هناك طريقة سهلة لتحديد أي الجانبين يرغب بالفعل في تحقيق السلام، وذلك بالتساؤل عن أي الجانبين مستفيد من بقاء الوضع الراهن، ولا يحتاج الأمر لمعدلات مرتفعة من الذكاء والثقافة للتحقق من أن 1.8 مليون فلسطيني لا يستفيدون اقتصاديًا أو اجتماعيًا من سجنهم في قفص غزة، ولا حتى الـ 2 مليون فلسطيني الذي يعيشون في الضفة الغربية المحتلة خلف جدار الفصل العنصري.
بالنسبة للعقلية الإسرائيلية، فمحادثات السلام تعتبر تهديدًا للوضع الراهن، فهي تطرح تساؤلات حول التزام إسرائيل بالسلام، ولم تظهر الحكومة الإسرائيلية أي استعدادات لإنهاء احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية أو حتى حصار غزة.
وإذا استمر الأمريكيون في تصديق أكاذيب مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة حول الفلسطينيين وطبيعة الصراع، فلن يكون هناك ضغطًا سياسيًا كافيًا على رئيس الولايات المتحدة القادم للقيام بدور”وسيط نزيه” في عملية السلام.
المصدر : ميدل إيست آي