شهدت الهجرة اليهودية إلى “إسرائيل” تراجعا بنسبة 38% في الأشهر الأخيرة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، وذلك حسب ما صرحت به وزارة الاستيعاب الإسرائيلية.
وأضاف مدير عام الوزارة “حبيب كتساف” خلال جلسة لجنة الهجرة والاستيعاب والمهاجر اليهودية التابعة للكنيست: “إن عام 2015 سجل هجرة 31400 يهودي بزيادة نسبتها 13% قياسا مع عام 2014”.
تواجه ” إسرائيل” في الفترة الحالية أهم التحديات المعرقلة للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، المتمثلة بقلة هجرة اليهود إلى فلسطين من باقي دول العالم، وكثرة اليهود المهاجرين من الكيان إلى الخارج “الهجرة المعاكسة”.
هذه المعضلة الكبيرة بالنسبة للاحتلال جعلته أمام تحدي كبير لإيقاف الهجرة المعاكسة، واستقطاب المزيد من اليهود بالدول الغربية للعيش داخل دولتهم المزعومة، وتعتبر فترة الانتفاضة الثانية وانتفاضة القدس الحالية مرحلة مفصلية لتنامي الهجرة المعاكسة لليهود، إذ بلغ عدد الإسرائيليين الذين هاجروا إلى الخارج في العقد الأخير نحو 200 ألف.
كثرة الحروب الإسرائيلية في السنوات الأخيرة على لبنان وغزة واندلاع انتفاضة القدس الحالية، أدت إلى تعاظم عوامل الطرد الديمغرافي لليهود من”إسرائيل” بسبب المخاوف الأمنية وانعدام الأمن، واستمرار عمليات المقاومة التي تؤدي إلى شعورهم بعدم الاستقرار.
تشير التوقعات الإحصائية والدراسات الإسرائيلية إلى تزايد نسبة التعداد السكاني للفلسطينيين لدرجة تجعل نسبة اليهود أقل بـ 50% بحلول العام 2020، إذا استمرت الهجرة المعاكسة، وزادت وتيرة عمليات المقاومة وانعدام الأمن.
بينت الدراسات أن 59% من اليهود في إسرائيل توجهوا أو يفكرون بالتوجه إلى سفارات أجنبية للاستفسار وتقديم طلبات للحصول على جنسيات أجنبية، و78% من العائلات اليهودية أبدت دعم أبنائها الشباب للسفر إلى الخارج، حيث هناك 1.5 مليون إسرائيلي يحملون جوازات سفر أجنبية، ونصف مليون يحملون الجواز الأميركي، فضلا عن 250 ألف طلب جنسية معلق في سفارة واشنطن بتل أبيب، إضافة إلى مئة ألف يحملون الجواز الألماني.
تقديرات الاحتلال تشير إلى أن نسبة 43% من يهود العالم يقيمون في إسرائيل، لذلك يسعى الاحتلال والحركة الصهيونية في الخارج إلى تكثيف الحملات الدعائية المشجعة للهجرة إلى “إسرائيل” وزيادة الامتيازات المادية وغيرها لجذب 300 ألف يهودي من الأرجنتين وأميركا اللاتينية والهند وإثيوبيا وجنوب أفريقيا لتوطينهم في “إسرائيل”.
وبينت دراسة ” الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين” التي أصدرها مؤخرا مركز ” مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية التطبيقية”، أن تستمر نسبة اليهود في فلسطين بالهبوط في الأعوام القادمة إذا ما واصلت معدلات الخصوبة والولادة لدى الفلسطينيين ارتفاعها، واستمرت الهجرة اليهودية المعاكسة بالارتفاع، وشددت على أن الهجرة المعاكسة إشكالية وجودية بالنسبة لإسرائيل لأنها دولة هجرة واستيطان استعماري.
وأشارت الدراسة إلى أن عوامل الطرد الديمغرافي من “إسرائيل” تعاظمت، فأصبحت أعلى من عوامل الجذب إليها، وأن العوامل الأمنية بعامّة، وتحديدا الهواجس الأمنية للعديد من اليهود الإسرائيليين وانعدام الشعور بأمنهم الشخصي في عمق جبهتهم الداخلية، تشكل القوة الدافعة الأهم “للهجرات” اليهودية المعاكسة، أكثر من العوامل الاقتصادية المتمثلة في الضائقة المعيشية والوضع الاقتصادي.
إن استمرار ارتفاع معدلات “الهجرة” المعاكسة، مع ازدياد عملية الاستنزاف البشري والاقتصادي في المجتمع الصهيوني وامتدادها لفترة طويلة، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم عوامل الانهيار الداخلي لبنْية دولة “إسرائيل”كما بينت الدراسة.
ويعاني كيان الاحتلال من ظاهرة هجرة الأدمغة الإسرائيلية إلى الخارج، بحثا عن فرص مهنية وعلمية تضمن لهم معيشة أفضل، وحياة آمنة ورفاهية لم تستطع دولة الاحتلال توفيرها لهم.
وبينت الدراسة إلى أن مواجهة عسكرية مكثفة طويلة الأمد، تمتد لأشهر طويلة أو سنوات، سوف تعني استنزافا متواصلا في البنية البشرية الصهيونية، ممّا سيحفز بقوة تعاظم الهجرة اليهودية المعاكسة، وسيدفع العديد من اليهود إلى “النزوح” نحو الخارج، وبخاصة أولئك الذين يملكون جوازات سفر أجنبية.
وتوصلت الدراسة إلى استنتاج استراتيجي مفاده أن تحول اليهود إلى أقلية (في فلسطين التاريخية) سوف يعني اقتراب “إسرائيل” من الحد الديمغرافي الحرج الناتج عن الهجرة اليهودية المعاكسة، وإن امتدت عملية الاستنزاف البشري وبالتالي عوامل الانهيار الداخلي لبنية دولة “إسرائيل” لفترة طويلة الأمد، فعندئذ سيتحول الحد الديمغرافي الحرج إلى مستوى الضرر الديمغرافي، الذي يعني الدخول في مرحلة الخطر الإستراتيجي الحقيقي على مجرد الوجود البشري والمؤسسي للدولة اليهودية.