عندما يأتي الحديث عن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تدور دفة الحوار في الأغلب عن التكنولوجيا والعلوم الحاسوبية والرقمية، ليقع معظم البشر في أغلب الأوقات في فخ التكنولوجيا وهم مسحورون بها، نعم، التكنولوجيا هي السبب في جعلك تقرأ هذا الكلام الآن، والتكنولوجيا أيضًا هي التي ساعدت في كتابته، ولكن ألا تسأل نفسك أن للإنترنت خصائص خفية تبعد كل البعد عن التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، ألم تفكر في إمكانية الإنترنت من التلاعب في عقلك وأفكارك أثناء تصفحك الإنترنت بشكل يومي، ماذا عن الأخبار التي قرأتها اليوم؟، أمن الممكن أن ييتم التلاعب بها بشكل ما ليتم توجيهك بشكل لا إرادي نحو فكر أو نمط أو حتى مجتمع معين، ماذا عن الجانب النفسي الذي يستغله الإنترنت للدخول إلى عقولنا؟
نحن الآن في حقبة جعلت من الإنترنت وسيلة تساعدنا على البقاء على قيد الحياة، وليس كوسيلة لحياة أفضل، وبالتالي، يمكن إعتبار الإنترنت من أكثر الوسائل تأثيرًا على المجتمع في الوقت الحالي، والذي يدفعنا إلى عدم الثقة في كل ما نستقبله من الإنترنت، إذ أنه من أكثر الأشياء التي نتعامل معها بشكل يومي ومستمر، وبخاصة أن الأغلبية التي تتعامل مع الإنترنت ليست بالنضج الكافي للتمييز بين الحقيقة والخيال، أو للتمييز بين التلاعب بالأخبار أو لا، أثبت خبراء علم النفس أن هناك خاصية يعتمد عليها ناشري الأخبار أيا كانت نوعها، وهي ” عدوى العاطفة” “emotional contagion”، وهي باختصار إنتقال التأثر العاطفي من شخص إلى شخص بدون ان يتواجدوا نفس المكان، حيث يتم ذلك بدون إرادتهم.
قامت شركة فيسبوك حديثًا بتجربة ” عدوى العاطفة” عن طريق مراقبة منشورات العديد من مستخدمي الموقع، ووجدوا أنه عندما يقوم العديد من مستخدمي الموقع بنشر منشورات سلبية، يرتفع مؤشر المنشورات السلبية لدى من هم لديهم على قائمة الأصدقاء، والعكس صحيح، فعند مراقبة رد فعل الأصدقاء على الموقع، وجدوا ان مؤشر المنشورات الإيجابية يرتفع عندما يقوم الناس بنشر منشورات إيجابية على صفحاتهم الخاصة، ذلك كله وهم في أماكن مختلفة عن بعض وربما في بلاد مختلفة، وكانت النتيجة بأن الفيسبوك بالفعل له القدرة على التحكم في مشاعرك.
هل يقتل الإنترنت التعاطف؟
هناك علاقة وطيدة بين التعاطف والخلفية الجنسية والدينية وأحيانًا الخلفية المحلية، فبغض النظر عن مباديء الإنسانية المُعتَرف بها، يمكن ألا تثير صورة طفل أسود البشرة أو طفل ذو ملامح شرق أوسطية مقطوع الذراع نفس الضجة التي تثيرها صورة طفل أوروبي بنفس الحالة، يعمد البشر على التعاطف مع من يشابهم الملامح، ويتطور الأمر عند بعض المتشددين ليكون التعاطف لمن يشاركهم نفس الدين أو الجنسية أو اللون، ومن الوارد جدًا حدوث العكس، يتعرض البشر لصدمة حينما يشاهدون من يشبههم في الملامح أو من يشترك معهم في الجنسية ينخرط في الأعمال الإرهابية، أو يتحول مظهره من المظهر الأوروبي المُنفتح إلى الملابس المحافظة أو الملابس الإسلامية.
هذا ما يستغله تنظيم الدولة الإسلامية في خطابه للمجتمع الغربي، فلا يقحم في خطابه دائمًا الملامح الشرق أوسطية أو الملامح العربية، بل يرى الإنسان الأوروبي شخص مثله يشبهه في الملامح ويتحدث بنفس لغته يُحدثه عن العمليات الجهادية التي يتوعد داعش الغرب بها، هنا يظل الإنسان في حيرة من أمره، ما إذا يركن للتعاطف مع الشخص الذي يشبهه، أم يقع في دوامة من الحيرة والشك والخوف.!
السؤال هنا يبدو محيرًا للغاية، هل يقتل الإنترنت التعاطف أم من المفترض أن يزيد منه، الإنترنت من المفترض أن يجعل العالم أصغر، ويجعل علاقتنا بالبشر من هم خارج دوائرنا الشخصية وخارج ثقافتنا أكثر قربًا، وأكثر إتصالًا وتفهامًا، ولكن يبدو أن الإنترنت يعمل على محورين، بالفعل هو يزيد من تعاطفنا لمصائب غيرنا من البشر في صراعات تبعد كل البعد عن بلادنا، ولكن في نفس الوقت يمكنه قتل التعاطف بشكل خطير، إما بعرضه بشكل متكرر لصور الحروب الأهلية الدائرة في الشرق الأوسط في الأيام الحالية على سبيل المثال، وإما بعرضه لصور الضحايا بشكل مبالغ فيه من التعابير الإنسانية والتي يمكن وصفها بالدرامية أحيانًا، والذي يجعل العديد منا ينفر من قراءة الخبر بسبب صورته التي بدت لعقلنا اللاواعي متكررة بشكل مبتذل.
يبدو أنه كلما زادت علاقات البشر مع دوائر تختلف تمامًا في الشكل واللغة والدين عن دوائرهم الأصلية كلما قل التعاطف، وهذا ما سببه الإنترنت و كذلك مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واضح، كلما صغر العالم واتجه نحو مبدأ القرية الصغيرة كلما قلت الروابط بين البشر فيه على عكس ما توضحه الصورة الخارجية، لذا فإن هناك علاقة وطيدة بين التعاطف والتكنولوجيا في الألفية الحديثة.
دور مواقع التواصل الاجتماعي في التلاعب بالأخبار :
صلِ من أجل باريس، صلِ من أجل أنقرة، هذا ما تتلاعب به مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة تناولك للخبر بطريقة غير مباشرة، توّجهك مواقع التواصل الاجتماعي نحو التيار من المستخدمين الذين اختزلوا الأمر برمته إلى مجرد شعار يضعوه على صورهم الشخصية، وستجبرك بشكل مستمر على التعاطف مع العديد من الأخبار والصور والتغريدات يمكن لك في الأصل ألا تتعاطف معها، ليصبح رأيك الشخصي ليس عائدًا لك بالضرورة وإنما هو رأي مواقع التواصل الاجتماعي، ويصبح المبدأ الذي تتبعه هو مبدأ مزروع في رأسك بطريقة غير مباشرة.
التكنولوجيا تجعلنا نصل للمعرفة ، لكن ليس بالضرورة أن نتعاطف مع ما نعرفه، وأن نفهم مدى عمقه، وأن نتناوله كما تملي علينا ضمائرنا، بل تجعلنا نسير مع التيار، سواء كان التيار العام أو التيار الإخباري، وكل منهم مُسيس بطريقته الخاصة.