ترتكز عدد من أزمات الدولة والمجتمع العراقي على العرب السنة خاصة فيما يتعلق بالشراكة بالحكم والتمثيل السياسي وإندماج النظام وشرعيتهِ وإستمراريته ، لأن السنة في العراق لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم إلا من خلال الدولة وبغياب السنة في الدولة بعد 2003م وإقصاءهم وأستهدافهم ؛ ضاعت الدولة والعرب السنة معآ ولا عودة للدولة إلا بعودة السنة ، ناهيك عن المشاكل التي يتعلق مُعضمها بالسلطة والفساد والمشروع الوطني. أن فكرة غياب العرب السُنة في قرارات الدولة السيادة والشراكة في الحكم وأثر ذلك على الإستقرار السياسي والأمني في العراق تُعد معادلة تاريخية مهمة تعرفها الولايات المتحدة جيدآ ومراكز بحثها المُتخصصة ، ويَعرفها المُطلعون على التاريخ العراقي والعقلاء من السياسيين والباحثين العراقيين أصحاب الفكر السياسي.
ارتأت الولايات المتحدة بعد إحتلالها للعراق أن يكون النظام العراقي الجديد نظامآ فدراليآ تعدديآ وبأسس مذهبية وعرقية ولا يُقصى ولا يُهمش فيهِ أحد ، بحسب وجهة النظر الأمريكية. إلا أن العرب السنة في العراق كان لهم رأى آخر أو آراءُ أخرى حول المشاركة من عدمها أو رفض النظام الفدرالي برمته لأنهٌ جاء مع المُحتل وبُني على أسس مذهبية وعرقية قد تدفع إلى تمزيق العراق وتقسيمهِ مستقبلآ ، وقد تم رفض المشروع سواء من المشاركين في العملية السياسية ومن غير المشاركين ومن قِبل من حمل السلاح ، بل وحتى من قِبل المتفرجين على الساحة العراقية في الداخل والخارج ، وقد صدرت فتاوى دينية وتصريحات سياسية لقادة العرب السنة في هذا الشأن.
شَكل ذلك إطالة لفترة التحول الديمقراطي وتأجيل أمريكي لفرض ذلك النظام لِحين تهيئة المناخ والبنية الإجتماعية والسياسية العراقية والحاجة الإجتماعية وخاصة حاجة العرب السنة تحديدآ لحفظ أنفسهم بكيان مُنسجم سنيآ بخطهِ العريض، ومتنافس حزبيآ وديمقراطيآ وعشائريآ فيما بينهُ كالحالة السياسية الكردية في إقليم كردستان والحالة السياسية الشيعية في فترة ما قبل تنظيم الدولة .أن الحالة السياسية العراقية اليوم بعد حالة التشظي التي يعيشها العراق تتطلب تطبيق النظام الفدرالي ، ليس لأنهُ نتاجآ لبرامج ديمقراطية وحِراكآ سياسيآ وحزبيآ وإنما نتاجآ للضرورة ومن أجل حماية الحقوق لكل مكون مُستهدف ، ولهذا السبب أطلقت في السابق يد المليشيات الشيعية تقتل وتُهجر وتنتهك الحُرمات وما تزال وعلى مرآى ومسمع القوات الأمريكية التي أدعت بناء نظام تعددي لا يُقصى فيهِ أحد ولا يُستهدف لكن بشرط إذا تم قبولهُ من قِبل المكونات.
اليوم أصبحت فتاوى وتصريحات الأمس بالتحريم والتجريم التي طالت من يُفكر فقط بالفدرالية ، تُعتبر فتاوى قديمة لا تُواكب متطلبات الحالة العراقية والحاجة الإجتماعية ، وأصبح سياسيوا الأمس الرافضين للفدرالية متمسكون بها كآلية لحفظ الحقوق والشراكة بعد فشل الحكومات العراقية الطائفية من بناء مشروع وطني يستوعب السنة أو تطبيق الحد الأدنى من فكرة حماية الأقلية ، بعد تطبيق ما يُعاكسها فما أراده هو أحترام رأى الأكثرية وسحق الأقلية لتقبل بالفدرالية وتحمي نفسها من خلال هدف أمريكي غير مباشر.
أن غالبية القوى الشيعية كانت خاضعة لفكرة تطبيق الفدرالية في بداية الإحتلال وأن القوى الشيعية هي أول من سَعى لتطبيقها خوفآ من السنة أومن عودة نظام البعث بإنقلاب أو تكتل سني كبير قد يُشكل حكومة تؤدي لعودة الدولة مرة أخرى ، فهم لا يرغبون عودة الدولة ولا آليات مدنية لانهم ينشطون في الفوضى فقط ، ولكن بعد صِراعات سنية سنية وسيطرة القوى الشيعية على الدولة تغيرت فكرة القبول والشراكة في الحكم بعد فشل السنة في توحيد صفوفهم كان لسان حالهم يقول ” لماذا نأخذ أقليم شيعي ؟ فمن الأفضل أن نأخذ العراق في ظل غياب أو تغييب السنة سياسيآ “
أخيرآ ، لقد تحول الرفض السني إلى قبول ، والقبول الشيعي إلى رفض بعد 13 عامآ من الفوضى ، وقُلبت فكرة التخوين من السنة للشيعة إلى الشيعة للسنة ! ، مع بقاء الموقف الكردي ثابتآ وواضحآ تجاه الفدرالية والشراكة في الحكم لمعرفتهم بالسياق الأمريكي وما يريدوه وبدون نظرة قيمية خاطئة أساسآ للآليات السياسية فأختصروا الزمن. أن القوى السياسية السنية بعد أكثر من عقد بدأت تفهم كيف تتعامل مع الخطوط العريضة والرئيسية للسياق الأمريكي وفكرة الحل الفدرالي أو اللامركزية الإدارية الواسعة وهي احدى أهم آليات الإستقرار السياسي وإرساء الديمقراطية والشراكة في الحكم أصبحت خيارآ سنيآ مطروحآ لا يتعارض مع نظرة الولايات المتحدة للعراق وسوريا أيضآ وربما المنطقة.