تعد موريتانيا من أكثر الدول العربية الإفريقية ذات الجدلية السياسية والدستورية المعقدة في نظامها السياسي، وكما يقول الخبراء فإنها تعد الدولة الوحيدة الديمقراطية الديكتاتورية في نفس الوقت، فمنذ استقلالها عام 1960م، تعرضت موريتانيا لهزات سياسية عنيفة، أقبعتها أسيرة الحكم العسكري لفترات طويلة، مابين السيطرة الكاملة للجيش والتدخل النسبي في الحكم، وهو ما أجهض أحلام الشعب الموريتاني في تنسم عبير ” الديمقراطية المدنية” كبقية الدول عقودا طويلة.
وما أن بات الموريتانيون على أعتاب حياة شبه مدنية في تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، حيث تراجع نفوذ الجيش تدريجيا في الحياة السياسية، إلا أن الحلم لم يشأ له أن يكتمل، واستيقظ الشعب الموريتاني على انقلاب عسكري في 2005، أطاح بحكم ولد الطايع والذي امتد لقرابة 21عاما.
ومع بداية 2007 دخلت موريتانيا عصر المدنية الحقيقية بإجراء انتخابات رئاسية ديمقراطية لم تشهدها البلاد منذ استقلالها 1960م، ليصبح بعدها سيدي ولد الشيخ عبد الله أول رئيس موريتاني مدني منتخب بإرادة وطنية، لكنه لم يمكث في الحكم أكثر من عام واحد فقط، ليطيح به الجنرال محمد بن ولد عبد العزيز في انقلاب عسكري آخر، ليتقلد الجنرال العسكري الحكم ويبسط سيطرته الكاملة على أرجاء البلاد منذ ذلك الوقت وحتى ألان.
ومنذ ذلك الوقت والشارع السياسي الموريتاني يحيا حالة من الفوضى، والفرقة، وتباين الرؤى، والسجال الإعلامي والسياسي هنا وهناك، إلى أن تحول الأمر إلى ما أشبه بالحرب الباردة بين السلطة والمعارضة، وصلت إلى الاكتفاء بحروب المهرجانات بين الجانبين، هذا يستعرض انجازاته منذ وصوله للحكم ويقدم وعوده بحياة مرفهة كريمة، والأخر يسلط الضوء على فشل النظام في مختلف المجالات..والطريف أن بعض هذه المهرجانات والمهرجانات المضادة تقام بنفس المكان والزمان..فهل تحول الصراع بين المعارضة والموالاة في موريتانيا إلى حرب مهرجانات ؟!
مؤسسة المعارضة الديمقراطية
تعد مؤسسة المعارضة الديمقراطية هي المتحدث الرسمي باسم تيار المعارضة في جمهورية موريتانيا، وقد أنشئت موجب الأمر القانوني رقم 024 الصادر بتاريخ 09 ابريل 2007، و المُلغي بالقانون رقم 019-2008 الصادر بتاريخ 8 مايو 2008، و قد تم تعديل هذا القانون بالقانون رقم 047-2012 الصادر بتاريخ 22 يوليو 2012 و المُعدل لبعض مواد القانون رقم 019-2008 بتاريخ 8 مايو 2008.
تقوم المؤسسة على التمسك الراسخ بالقيم الجمهورية و الديمقراطية، و يهدف هذا النظام القانوني لإعطاء المؤسسة الوسائل القانونية و المادية و البشرية اللازمة لتعزيز الديمقراطية بالبلاد من اجل تشجيع مختلف القوي السياسية على المساهمة في عملية البناء الوطني، كما تٌعني بحماية مصالح المعارضة الديمقراطية، و بتسهيل تمثيلها على مستوي مؤسسات الدولة.
و يقوم رئيس الجمهورية و الوزير الأول باستشارة الزعيم الرئيس للمعارضة الديمقراطية، وأعضاء مجلس الأشراف بمؤسسة المعارضة الديمقراطية عند الحاجة، حول القضايا الوطنية و الأمور الأساسية المتعلقة بالأمة، هذا بالإضافة للقاء الدوري المبرمج كل ثلاثة أشهر بين الحكومة و المعارضة الديمقراطية. و يحق للمؤسسة الإطلاع بحرية على المعلومات التي تمتلكها الوزارات و المصالح العمومية.
و قد اقتصرت مهام المؤسسة في السابق على القيام ببعض البعثات الخارجية لبعض الدول المجارة من قبل المسئولين الرئيسيين بالمؤسسة(الزعيم الرئيس و الأمين العام)، و قد تمت الإشادة بهذه الزيارات من طرف الفاعلين السياسيين بالدول التي تمت زيارتها ساعتها.
و تتكون مؤسسة المعارضة الديمقراطية من هيئتين هما، مجلس الإشراف: و هو هيئة مداولة يرأسها الزعيم الرئيس للمعارضة، الذي تم تنصيبه من قبل المجلس الدستوري في نوفمبر 2014، هيئة إدارية و فنية: يشرف عليها الزعيم الرئيس و يتولي تنسيق أعمالها الأمين العام للمؤسسة .
تضم المؤسسة قوى المعارضة الممثلة في البرلمان، ويكون رئيس المؤسسة من نصيب الحزب الأكثر تمثيلا، وكان حزب حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني المعارض”تواصل” نال 16 مقعدا من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية (الغرفة الأولى للبرلمان) وعددها 147 مقعدا في الانتخابات التشريعية الأخيرة, متصدرا بذلك أحزاب المعارضة.
وبلغ إجمالي مقاعد المعارضة 37 مقعدا من أصل 147 مقعدا، في حين حصل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم على 74 مقعدا، وجاء حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي تاليا في ترتيب أحزاب المعارضة بحصوله على عشرة مقاعد في حين توزعت بقية المقاعد على الأحزاب الصغيرة الأخرى.
وبموجب الدستور الموريتاني يتمتع زعيم المعارضة بامتيازات مادية ومعنوية، ويحظى بالامتيازات البروتوكولية والمالية التي يتمتع بها أي وزير في الحكومة الموريتانية.
دعوات الحوار المتعثر
أزمة طاحنة تشهدها الساحة السياسية الموريتانية منذ عدة سنوات بين السلطة والمعارضة، وصلت في بعض أوقاتها إلى حد القطيعة التامة، وهو ما حدث في الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو 2014م، والذي فاز فيها ولد عبد العزيز بفترة رئاسية ثانية، وهو ما أنعكس بصورة سلبية على الحياة العامة داخل البلاد.
وبالرغم مما أعلنه التيار المعارض من أن مقاطعته للانتخابات الرئاسية احتجاجا على رفض السلطات الاستجابة لبعض الشروط المتعلقة بالإشراف السياسي على الانتخابات، وحياد الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة النظر في مهام وعمل الوكالة المسئولة عن الوثائق المدنية، والمجلس الدستوري الذي يعد الحكم في قضايا الانتخابات، إلا أن الخبراء والمحللون عزوا هذه المقاطعة إلى ما هو أبعد من ذلك.
وبعد الانتخابات وفي ظل تواصل الاحتجاجات، تقدّمت الحكومة إلى أحزاب المعارضة بوثيقة تتضمّن عرضا لوجهة نظرها حول موضوع الحوار لتجاوز الأزمة السياسية القائمة في البلاد.
الخبراء أشاروا أن تلك الوثيقة تعدّ في نظر الحكومة بمثابة أرضية ومسوّدة للحوار، وتتألف من 15 نقطة، من بينها: بناء الثقة بين السلطة والمعارضة، إجراء انتخابات برلمانية وبلدية توافقية، منع تدخل الجيش في الأنشطة السياسية، محاربة الفساد، تحقيق الشفافية في تسيير المال العام، وتعديل السن القانونية للترشح لمنصب رئيس البلاد التي ينص الدستور على أنّها محصورة بين 40 و75 سنة.
لكن المعارضة تحفظت على بعض نقاط مسوّدة الحوار، ومن ثم تقدمت بعدة شروط تمهيدية للدخول في حوار مع الحكومة، أهمها: ضرورة البدء بحكومة توافقية كشرط أولي للدخول في أي حوار “جدي” مع السلطات، وعدم المساس بالدستور، وحل كتيبة الحرس الرئاسي، وإعلان الرئيس عن ممتلكاته الخاصة، ووضع مؤسسات انتخابية ذات مصداقية تضمن حياد الإدارة (السلطة) على مستوى التحضير، وتعيين شخصيات تحظى بثقة الجميع على هذه المؤسسات، وهو ما أعتبره بعض المقربين من السلطة الحاكمة تجاوزا وفرضا لشروط مسبقة لا يمكن قبوله، ومن ثم تعثرت عملية إطلاق الحوار بين الجانبين حتى الآن.
مهرجانات الموالاة: البلاد تحيا في الرخاء والهناء
بدلا من تكثيف الحكومة الموريتانية جهودها لحل مشاكل المواطنين، والحيلولة دون تفاقمها، والعمل على وضع الخطط والسياسات التي من علاج الأزمة الاقتصادية الراهنة، سعت وبشكل مكثف في الآونة الأخيرة لزيادة حضورها الشعبي من خلال تنظيم العديد من المهرجانات الدعائية الرامية إلى إلقاء الضوء على إنجازات فترة حكم ولد عبد العزيز، والتقليل من التهم الموجهة للنظام من قبل المعارضة.
الرئيس الموريتاني في تصريحات صحفية له نٌشرت مؤخرا على هامش المشاركة في تلك المهرجانات، أكد على أنه لا توجد أي أزمة اقتصادية في موريتانيا، كما نفى وجود أي عجز في الميزانية، مشيرا أن هناك أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بكل دول العالم، وموريتانيا جزء من هذا العالم، ومن ثم فأي مشكلة تواجه البلاد هي جزء من مشكلة دولية، وعلى أساسه لا يمكن القول أن هناك أزمة داخل الدولة.
ولد عبد العزيز أراد من خلال هذه التصريحات أن يطمئن شعبه من خلال الترويج لغياب أي خلاف بينه وبين المعارضة، مؤكدا للصحفيين أن الاتصالات بين الأغلبية والمعارضة مستمرة بشأن الحوار السياسي، وأنه لا توجد أي عقبات تعترض طريق الحوار الذي سينطلق في القريب العاجل.
بدوره قلّل الدكتور بيت الله ولد أحمد الأسود الناشط السياسي المؤيد لنظام ولد عبد العزيز من الاتهامات التي تروجها المعارضة، قائلا “أن موريتانيا عكسا لما تروج له المعارضة، تعيش حالياً في رخاء وهناء”.
الأسود استعرض في تصريحات أدلى بها مؤخرا لقناة الساحل انجازات نظام محمد ولد عبد العزيز في مختلف المجالات، من طرق معبدة، وكهربة المدن، وتطوير للقطاع الصحي وبناء وتجهيز للمستشفيات بأحدث المعدات الطبية، إضافة إلى توفير الأمن، وإنشاء وتجهيز جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد.
وتابع: أن موريتانيا لا تعيش أية أزمة سياسية أو اقتصادية، وأن ما يوجد من هذه الأزمات هو فقط في مخيلة المعارضين للنظام، وأن ما يقوم به بعض أعضاء الحكومة حالياً من زيارات للداخل ليس بهدف التشويش على أنشطة المعارضة، بل من أجل تفقد أوضاع السكان، والاطلاع على مشاكلهم.
مهرجانات المعارضة: الأزمات تطحن الدولة
في الأسبوع المنصرم نظم التيار المعارض ثلاثة مهرجانات سياسية ضخمة في ولايات الحوض الشرقي والغربي والعصابة ذات الكثافة السكانية العالية، ومن قبله عدة مهرجانات في العاصمة وغيرها من المدن الأخرى.
المعارضة اكتفت من خلال هذه المهرجانات بإلقاء الضوء على سلبيات النظام الحاكم وفضح فشله في بعض الملفات الحيوية سواء الداخلية أو الخارجية، ولم تقدم رؤية واحدة لحل أي من تلك القضايا التي رفعت شعاراتها لنقد وتشويه سياسة ولد بن عبد العزيز وحكومته.
عدد من المصادر المقربة من التيار المعارض أشار إلى أن الهدف من تنظيم هذه المؤتمرات هو تبصير المواطنين بفشل السياسات الحكومية في جميع المجالات وبخاصة في مجال الأسعار والغلاء وتدني خدمات الصحة والتعليم.
وتركزت محاور النقد اللاذعة التي وجهتها المعارضة لنظام ولد عبد العزيز في عدد من المحاور، أبرزها “صفقة بيع عبد الله السنوسي مدير مخابرات القذافي بمبلغ 200 مليون دولار لحكومة عبد الرحمان الكيب” حسبما أشار أحمد ولد داده، رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أكبر أحزاب المعارضة.
ولد داده قدم بدوره اعتذار الشعب الموريتاني للشعب الليبي بعد ثبوت هذه الواقعة التي وصفها بـ ” الفضيحة” في حق الموريتانيين أنفسهم، مؤكدا أنها وصمة عار على جبين النظام الحاكم وحده الذي أجرم في حق الشعب والوطن.
وفي فشل آخر للحكومة الموريتانية من وجهة نظر المعارضة، كشف رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية أن الاتفاق الموقع بين موريتانيا وتنظيم القاعدة يعتبر تواطؤاً مع الإرهاب، ويهدد مستقبل البلاد امنيا وسياسيا، وتابع : إن اتفاق الحكومة مع القاعدة، اتفاق مشين ومخالف للقوانين والمواثيق الدولية، كما أن التواطؤ مع هذه المجموعات هو على حساب الجارة مالي التي يعتبر أي اعتداء عليها تهديداً لموريتانيا.
وفي السياق نفسه، انتقد محمد الأمين الفاظل، القيادي في المعارضة، مساعي حكومة الرئيس لإفشال مهرجانات المعارضة من خلال التشويش عليهم بمهرجانات موازية في نفس المكان، حيث دفع ولد عبد العزيز بوزراء ه خارج مكتبه لتنفيذ هذه المهمة التي عبر عنها الفاظل بـ ” الشغل الشاغل لهم”.
كما حذر ولد الفاضل من مشاركة كبار ضباط الجيش في مهرجانات التأييد للنظام وسلطانه، قائلا «لو كنا في بلد ديمقراطي لما شاهدنا ضباطاً يعبئون ويحشدون ويحضرون من بعد ذلك بزيهم الرسمي لمهرجانات حكومية أقيمت من أجل التشويش على مهرجانات للمعارضة، مضيفا : إن الذين يدفعون بعناصر من الجيش إلى مثل هذه المهرجانات السخيفة هم الذين يسيئون إلى المؤسسة العسكرية، وهم الذين ينزلونها في منازل لا تليق بها، ويجعلونها بذلك عرضة لحديث الناس.
وتابع القيادي المعارض في مقال نشر مؤخرا له : لقد كان منظر الوزراء وهم يلهثون خلف موكب المنتدى المعارض من المناظر التي تثير الشفقة، ففي العادة فإن فرقة من الدرك أو الحرس هي من تتولى مرافقة الوفود، ولكن في هذه المرة، فقد كان الوزراء هم من يتولى مرافقة موكب المنتدى، ولو دخل موكب المنتدى «حجر ضب» لسبقهم إليه الوفد الوزاري المرافق.
وبعد هذا السجال المستعر بين النظام والمعارضة، وسعي كل طرف لخدمة مصالحه الخاصة دون النظر لهموم وألام المواطنين.. هناك تساؤل يطرح نفسه على ألسنة الملايين من الشعب الموريتاني، يبحث عن إجابة: هل تكتفي حكومة ولد عبد العزيز باستعراض انجازاتها ومسيرتها التي تراها مميزة من خلال المهرجانات هنا وهناك، دون أن تسعى لعلاج الأزمات التي تطحن الشعب طحنا؟، وفي المقابل هل توقفت المعارضة عن تقديم الحلول البديلة لتلك الأزمات، والعمل على حلها من خلال رؤية واقعية تعوض فشل الحكومة، واكتفت هي الأخرى بمهرجانات التشويه والنقد للنظام؟