يقود زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حملة هجوم حادة على الحكومة العراقية الحالية بزعامة حيدر العبادي، على إثرها صعد الأمر إلى حد احتشاد أنصاره اليوم قرب المنطقة الخضراء ببغداد في بداية اعتصام للضغط على الحكومة لإقرار إجراءات للقضاء على الفساد، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة شملت قطع طرق رئيسية في العاصمة العراقية.
يقود الصدر هذه الحملة فيما أسماه بدء مرحلة جديدة من الاحتجاجات الشعبية تصل إلى الاعتصام أمام المنطقة الخضراء –يتواجد بها مقر الحكومة والبرلمان والسفارات الأجنبية-، حتى انتهاء مهلة الـ45 يومًا التي حددها يوم 12 فبراير الماضي لرئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل إجراء إصلاحات شاملة، ومن ثم تشكيل حكومة تكنوقراط غير طائفية تحارب الفساد في البلاد.
وقد جاءت هذه الخطوة الصدرية ربما لإثبات جدية أنصاره والمتظاهرين في تمسكهم بضرورة تنفيذ مطالبهم بالإصلاح وإحداث تغيير حكومي شامل ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات.
أما العبادي فكان رده باتهام مقتدى الصدر نفسه بالفساد واتهمه أيضًا بفرض شخصيات بعينها “فاسدة” على حقائب وزارية في الحكومة، وهو الأمر الذي أدى لتصاعد اللهجة بين الطرفين، قاما على إثره باستدعاء الحلفاء للوقوف أمام بعضهما البعض في هذه المواجهة المحتدمة.
الصدر استدعى عمار الحكيم للاجتماع، وهو أحد أهم رؤوساء الكتل البرلمانية في البرلمان العراقي لكن هذا الاجتماع لم يسفر عن شئ بين أطرافه، ربما بسبب اتجاه كتلة المواطن التي يترأسها الحكيم للتحالف مع العبادي الذي ينتوي الخروج من حزب الدعوة بعدما حسم نوري المالكي وتياره الصراع الداخلي معه.
هذا الأمر الأخير الذي استدعى العبادي والتيار المساند له إلى تشكيل رؤية مبدأية حول تشكيل تكتل آخر عابر لحدود حزب الدعوة “الطائفية” بحسب تعبيرهم مرشح أن ينضم إليه كتلة عمار الحكيم والتحالف الكردستاني وبعض من اتحاد القوى الوطنية.
الجدير بالذكر أن العبادي هو الذي قاد ما يُسمى بعملية الإصلاح الحالية وانقسمت التيارات العراقية حينها حول مبادرته بين مؤيد ومعارض، ومن المفارقة أن التيار الصدري كان من الداعمين لإجراء هذه الإصلاحات لكن كان الصدر دائم التأكيد على أنها يجب أن تكون إصلاحات حقيقية خاصة فيما يخص تشكيل حكومة جديدة تقودها كفاءات متخصصة “تكنوقراط” لتتمكن من مواجهة الأزمة الحالية.
ومن هنا ظهر الخلاف بين مكونات قوى التحالف الوطني الذي ينتمي إليه العبادي والصدر حيث برزت التناقضات في رؤية كل منهم للإصلاح، وبدأت عملية تبادل الاتهامات أن كل طرف يريد عملية إصلاح على الشكل الذي يحفظ له مصالحه ومكاسبه في العملية السياسية، وعلى إثر ذلك غابت إمكانية الاتفاق على تشكيلة الحكومة الجديدة وآليات عملها وبرنامجها.
الصدر بدأ بالتصعيد بتظاهرات متتالية وسط تهديد باقتحام المنطقة الخضراء عن طريق مليونيات جماهيرية، كما هدد بالانسحاب من التحالف الوطني، وأعطى مهلة الـ 45 يومًا لتنفيذ برنامجه الإصلاحي.
يتهم المناصرون لتحركات الصدر العبادي بالخضوع لابتزاز المليشيات الشيعية المنضوية تحت تحالف الحشد الشعبي من خلال التلويح بالقوة العسكرية واختلاق المشاكل، وقد برزت حدة الخلافات بين زعماء الفصائل المسلحة بعد التظاهرات الاحتجاجية التي قادها مقتدى الصدر في بغداد خلال الجمعتين الماضيتين ما دفعهم إلى تبني مواقف متباينة من التغيير الحكومي وتحركات الصدر.
وعلى الرغم من وقوف العبادي ضد هذه المليشيات التي تتحرك بدعم من غريمه المالكي الذي يسعى لصدارة المشهد إلا أنه يقف أمامها عاجزًا وهي تهدد بالانسحاب من المعارك أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مختلف أنحاء العراق.
المشهد الذي يقوده الصدر يقول أنه ليست المليشيات المسلحة وحدها هي القادرة على التغيير بالقوة، فظهوره بأنصاره بهذه الطريقة تشي بالتلويح بالتدخل العنيف للتغيير بما يعني أن معادلة القوة ليست في يد غيره فقط، وإنما انتقلت إليه بالأساس وهي رسالة مزدوجة للمالكي والعبادي.
ربما يكون الصدر والعبادي متفقان في الغاية وهي إبعاد المالكي وحزب الدعوة ودولة القانون عن مصادر القرار والمواقع السيادية، التي تقف وراء عداء حملة الإصلاح بشقيه الصدري والعبادي، ولكنهما مختلفان في الآليات، وهو ما سيؤكد نشوب الحرب داخل التحالف الوطني بين مكوناته، وهو ما سيعرقل تشكيل الحكومة العراقية القادمة.
إذن على العبادي أن يقف بين خيارين أحلاهما مر وهو تشكيل حكومة تخضع لتحالفاته الانتخابية والدستورية، أو الانصياع لتهديدات الصدر التي يلزمه فيها بتجاهل هذه التحالفات، لينتقل بمصادر القوة إلى يده –أي الصدر-.
هذه الخلافات المحتدمة قد تقود إلى انهيار العملية السياسية في العراق برمتها، وهو ما سيستدعي تدخلًا أمريكيًا لحسم الموقف المضطرب، حتى لا يتأثر الموقف العسكري لحكومة العبادي أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التي يعتمد عليها الأمريكان في حربهم أمام داعش، حتى لا يضطروا إلى التدخل العسكري مجددًا على الأراضي العراقية.