لنبدأ المقال الثاني ( يمكنك قراءة المقال الأول هنا) بالحديث عن قضية التفكير الاستراتيجي والتكتيكي والخلط بينهما بين المنفذين والمخططين في إطار الثورة.
لعلنا لن نذكر تعريفات ومصطلحات أكاديمية للتعريف بين الاستراتيجي والتكتيكي، لكن سنحاول شرح ما نريده؛ فالاستراتيجي نعني به ذلك المستوى الزمني الأبعد والمستوى الفكري الأوسع في التخطيط، فإذا اعتبرنا أن إعادة الخلافة هي هدف استراتيجي للهدف الأكبر وهو تمكين الإسلام على سبيل المثال، فإنه قد تكون الثورة في هذا المستوى من الأهداف التكتيكية، في حين أن التفكير في الثورة كاستراتيجية فسيحتم ذلك سلك المنهج العنيف أو اللاعنيف كتكتيك، وهكذا من مراحل التفصيل وعمليات التكبير والتصغير.
فالهدف الاستراتيجي في مرحلة قد يكون تكتيكيًا في مرحلة أخرى وهكذا.
فالعنف أو اللاعنف بناء على الهدف الاستراتيجي (إسقاط النظام الانقلابي) يندرج في إطار التكتيك، لكن طبيعة العملية التنفيذية كالاعتصامات فهي عمليات تكتيكية داخل الاستراتيجية الأكبر وهي منهجية اللاعنف.
إذًا نحن نناقش المنهجين في الحقيقة كتكتيكين لهدف أكبر هو إسقاط النظام الحالي.
لذلك قد يحدث تداخلات بين التكتيكين في بعض الأحيان وقد يعطل تكتيك لصالح آخر مرحليًا وقد يتم تعطيله نهائيًا في حال عدم إثبات نجاحه، وما نحاول إثباته هنا أن عملية التغيير الناجحة للوصول إلى نتيجة للثورة المصرية تدور في فلك دائري بين التكتيكين بمراحل زمنية مختلفة نسبيًا قد تنقسم إلى مرحلة ما قبل سقوط الانقلاب حتى سقوطه والمرحلة الانتقالية الانتقامية التالية لسقوط الانقلاب ثم استتباب الأمر بعدها.
ما نحاول إثباته أنه خلال المرحلة المتعلقة بالمدة الزمنية ما قبل سقوط الانقلاب – أي من الآن وحتى إسقاطه – فإن استخدام تكتيك العنف وفلسفته هو أمر مضر بخط السير الخاص بالعملية التغيرية بما في ذلك من عمليات نوعية خشنة تستهدف أشخاص من الجيش أو الشرطة أو تستهدف منشأة حكومية أو بنى تحتية متعلقة بالدولة وذلك لعدد من الأسباب المهمة.
جدول المشاركة والتغيير
لعل السؤال الدائر عن نجاح استراتيجية اللاعنف أمام الأنظمة القمعية الشديدة هو محل اهتمام وتحدٍ كبير للنظرية وفي الجدول التالي سنوضح أكبر 10 حركة تغيير بكلا المنهجيين العنف واللاعنف في الفترة الزمنية محل الدراسة لتوضح معدلات النجاح والفشل والهدف من الحركة أيضًا.
يظهر في الجدول السابق أكبر 25 حركة تغيير من حيث المشاركة العددية التقريبية حسب إحصائيات مركز NAVCO وتوضح فيه طبيعة الأهداف الخاصة بكل حملة ونتائجها وطبيعة الحملة ومما هو ملاحظ أن نسبة الحركات اللاعنيفة أربعة أضعاف نظيرتها من العنف، وأن معدل نجاح اللاعنف سبعة أضعاف العنف بمعدل نجاح 14 حركة لاعنيفة من أصل 20 حركة لاعنيفة، بينما نجحت حركتا عنف فقط من أصل 5 مع فشل 6 حركات لاعنيفة من أصل 20 وفشل 3 حركات عنيفة.
حواجز التغيير الأربعة
تعتمد الفلسفة الناشئ عنها تغيير على أربعة حواجز رئيسية إذا كسرت جميعها أو معظمها فإن فعلاً تغييريًا سيحدث نتيجة زيادة الرقعة المشاركة في التغير سواء قامت الحملة العنيفة بكسر هذه الحواجز أو قام المنهج اللاعنيف بكسرها.
ما نحاول إثباته أن المنهج اللاعنيف هو الأيسر والأقدر على كسر هذه الحواجز الأربعة وبالتالي هو الأقدر على زيادة رقعه المشاركة وتجنيد عدد أكبر من عموم المجتمع لمنهج اللاعنف وبالتالي هو الأقدر على إحداث التغيير المطلوب.
الحواجز الأربعة للمشاركة:
– الحاجز الأخلاقي
– الحاجز المعلوماتي
– حاجز الالتزام والانضباط
– حاجز المشاركة الذاتية
الحديث عن زيادة الرقعة المشاركة أو (تضخم المشاركة المجتمعية) في حركات التغيير لا يعني فقط المشاركة العددية، لكنه يعتمد على كل من العدد وتنوع الطيف المشارك، بمعني أنه كلما أتسع لون الطيف المشارك في الحركة التغيرية كلما اقتربت الحركة أكثر من تحقيق النجاح المطلوب.
لكن مشاركة عدد كبير من طيف واحد من المجتمع له عدة سلبيات تؤثر على نتائج الحركة:
1- ينتج عن وحدة الطيف القدرة على عزل هذه الطائفة عن باقي المجتمع وتحويل مطالبهم وإن كانت مشروعه إلى طلبات فئوية أو نوعية لا تخص باقي المجتمع.
2- يسهل مهاجمتهما إعلاميًا من حيث إنها قد تضر بمصالح باقي الأطياف المجتمعية.
3- تحصر أصحاب المطالب في مساحة ضيقة من التفاعلات والتكتيكات المتاحة أمامه لتقيده بلغه خطاب طيفه فقط ومطالبه.
4- ينتج عنها سهولة إظهار أنها معركة خاصة شخصية لا تمت إلى باقي المجتمع بصلة، فينظر إليها من منطق صراع بين طرفين لا دخل لباقي الأطياف به.
5- ينتج عنه عزلة شعورية داخل الطيف المناضل فهو لا يستطيع تحقيق نجاحات ولا يستطيع التفاعل مع المجتمع غير المشارك له في قضيته.
6- يسهل استئصالها ومحاربتها وذلك لسهولة تعيينها وتحديد أفرادها بالسمات المتفق عليها داخل هذا الطيف أو توحدهم على مطالبهم.
7- تحتم عليه في أحيان كثيرة تحت شدة القمع أن يعمل في الظلام خوفًا على العدد المتواجد معه، خصوصًا أن الأرقام بالنسبة له تصبح مهمة جدًا.
تحت وطأة القمع أيضًا قد ينتج نتيجة عكسية من عدم المشاركة أو اليأس في الحل بهدف الخوف على الحياة.
8- يتحتم على المجموعة المناضلة أن تسعي إلى مصادر تمويل لها، إما من أفرادها أو من الخارج مما يجعلها تتغذي على أفرادها ومقدراتهم من أجل إعانة باقي أفراد الطيف مما ينذر بصعوبة في القدرة على استكمال مساحة الإعانات أو التمويل.
9- يسهل اصطياد عقولها المدبرة والقدرة على تتبعهم في حالة محاولتهم التخطيط أو الظهور مما يدفع الحركة دائمًا إلى لظلام.
هذه الأسباب وإن زادت رقعه المشاركة العددية بشكل كبير فإنها لن تصل بنهاية المطاف إلى نتيجة ناجحة إذا استمرت على نفس أسلوب حركتها مما يحتم عليها الخروج والبحث عن أطياف أخرى للانضمام لتحقيق الشرط الآخر المتعلق بالكيفية أو نوعية المشاركين.
طيف مختلف + عدد واسع= اقتراب أكثر للنجاح
في المقال القادم سنتحدث بالتفصيل عن كل حاجز من الحواجز الأربعة وتعريفه وأهميته وكيفية كسره.