“هذا أسوأ شيء يمكن القيام به” الأسطورة الهولندية يوهان كرويف.
في مدينة مانشستر في الشمال الغربي الإنجليزي كان القطب الأزرق للمدينة في حالته التي اعتاد عليها مشجعوه، حيث لا جديد تحت سماء المدينة الصناعية، فنادي مانشستر سيتي إما قابع في دوري الدرجة الثانية يحاول الصعود للدوري الممتاز أو أنه يصارع على البقاء في الدوري الممتاز، وفي أفضل الأحوال يقبع في وسط جدول الدوري الممتاز، لم يخل التاريخ الأزرق من بعض المفاجآت السعيدة العابرة، إلا أنه ورغم تلك المفاجآت التي قدمها النادي لمشجعيه لم يستطع فريق “السيتيزينس” كما يحلو لمشجعيه مناداته حجز مكان دائم له ضمن كبار إنجلترا.
فالفريق الذي تأسس في 1880م لم يعتبر يومًا من ضمن الأربعة الكبار على المستوى المحلي، ولم يكن يومًا ذا شأن كبير على المستوى الأوروبي، كان نادِ لا يعيره أحد ذلك الاهتمام الذي يحصل عليه غريمه التقليدي اليونايتد، لكن مجرى التاريخ في ليلة وضحاها وتغير كل هذا مع قدوم أموال الخليج التي تصنع المعجزات.
بدأت القصة مع شراء الشيخ الإماراتي منصور بن زايد 90% من أسهم النادي الإنجليزي، بقيمة تراوحت بين الـ210 مليون باوند، قبل أن يُجهز على الـ10% الأخيرة والتي كان يمتلكها مالك النادي السابق ورجل الأعمال “شناواترا” والذي تمت إدانته في قضية فساد، ليصبح الشيخ الخليجيّ مالكًا للنادي الإنجليزي في سابقة هي الأولى من نوعها.
بدأ بن زايد في ضخ الأموال بجنون وبذخ، حيث رصد مبلغ 500 مليون باوند لتطوير النادي وجلب أبرز النجوم على الساحة العالمية، وبالفعل فقد تم إنفاق قرابة الـ320 باوند في جلب اللاعبين ما بين بداية عام 2008 وحتى نهاية عام 2009، حيث قام الفريق الأول للنادي بثورة داخلية تم فيها الاستغناء عن الكثير من اللاعبين القدامى وجلب بعض نجوم العالم في صفقات قياسية للنادي، حيث تم استقطاب النجم البرازيلي “روبينيو” بقيمة 32.5 مليون باوند قبل أن يأتي بعده بالنجم الأرجنتيني “أجويرو” من أتليتكو مدريد بقيمة 38 مليون باوند، وتم جلب أيضًا النجم الويلزي “جريك بيلامي” والإيفواري “يايا توريه” والأسباني “ديفيد سيلفا” في فترات زمنية متعاقبة، في عملية تطوير مستمرة للنادي أتت أكلها في فترة قصيرة، حيث أعتبر النادي من أغنى خمسة أندية في إنجلترا عام 2009-2010.
أما على مستوى البطولات فقد فاز النادي بعدة بطولات منذ تولي الخليجيون زمام الأمور، فبدأ بكأس الاتحاد الإنجليزي عام 2011 تلاه بعد ذلك الدوري الإنجليزي عاميّ 2012 و2014 وكأس رابطة المحترفين عام 2014 ودرع المجمع عام 2012.
ولقد كان فوز الفريق بالدوري عام 2012 حدثًا مميزًا ليس فقط على المستوى الإنجليزي ولكن على المستوى الأوروبي، حيث فاز الفريق بالدوري على حساب غريمه التقليدي في الثانية الأخيرة من عمر الدوري، حيث كان مانشستر سيتي في الصدارة بفارق نقطة واحدة عن مانشستر يونايتد، ويحتاج للفوز في مباراته الأخيرة أمام نادي كوينز بارك رينجرز، كانت المباراة تقام على أرضه ووسط جماهيره، لكن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن الزرقاء في البداية، فتأخر الفريق في النتيجة بهدفين لهدف حتى الدقيقة الـ92، وعلى الجانب الآخر كان القطب الأحمر قد حسم مباراته وفاز بها وكان ينتظر الدقائق الثلاث الأخيرة لمباراة منافسه على اللقب، وعندما وصل نبأ تأخر السيتي في النتيجة حتى الدقيقة الثانية والتسعين بدأت جماهير اليونايتد في الاحتفال باللقب، لكن جنون الكرة ضرب ملعب الاتحاد وسجل السيتي هدفين في دقيقة واحدة وفاز باللقب بشكل دراماتيكي ملهم، ليكون هذا اللقب هو التتويج الأغلى لشيوخ الخليج.
أهداف اللقاء المثير
الاستثمارات الخليجية في نادي العاصمة الباريسية
قامت مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية في العام 2011 بشراء 70% من أسهم النادي الفرنسي بقيمة تصل إلى 50 مليون يورو لتمتلك بذلك أغلبية أسهم النادي، وفي العام الذي يليه قامت المؤسسة بشراء الـ 30% المتبقية لتكون بذلك المالك الوحيد للنادي وقد بلغت القيمة الإجمالية لصفقة الشراء كاملة 100 مليون يورو.
انتهج القطريون نهج نظرائهم الإماراتيين فيما يتعلق بأساليب الاستثمار الرياضي في الأندية الأوروبية، ففي الفترة ما بين العام 2011 وحتى العام2014، وصلت المبالغ التي قامت المؤسسة القطرية بإنفاقها برئاسة كلمة السر ناصر الخليفي، الرجل الذي يقف خلف كل الإنجازات الرياضية القطرية، إلى ما يقارب الـ 360 مليون يورو، هذه الأموال أحدثت تغييرًا جوهريًا في النادي بأكمله، إذ كانت هذه الأموال كفيلة بإغراء نجوم العالم للعب في “حديقة الأمراء” ومغرية أيضًا لاستقدام أبرز المدربين.
فرأينا الأسطورة الإنجليزية “ديفيد بيكهام” بالقميص الباريسي، ونجوم كبار آخرين يتقدمهم السويدي إبراهيموفيتش والأوروجويانيّ كافاني والأرجنتيني دي ماريا والبرازيلي تياجو سيلفا ونجوم كثر استطاعت الأموال القطرية جذبها بسهولة بالغة.
ارتفع سقف الطموحات بشكل كبير للباريسيين تحت قيادة الإدارة القطرية الجديدة، فنجح في تحقيق إنجازٍ لم يحققه منذ عام 1994م، بفوزه بلقب الدوري الفرنسي في ثلاثة مواسم على التوالي 2012-2013، 2013-2014، 2014-2015، وهو في طريق مفتوح الآن للفوز باللقب الخامس تواليًا، حيث إنه يفصله عن صاحب المركز الثاني 25 نقطة كاملة.
لكن وبإلقاء نظرة سريعة على سوق الانتقالات التي دخلها النادي، سنجد أن الإدارة القطرية للنادي الباريسي قامت بإبرام عدد من الصفقات الكبيرة وبأرقامٍ فلكية لتعزيز صفوف الفريق، فبادرت بجلب نجمي فريق ميلان الإيطالي زلاتان إبراهيموفيتش وتياغو سيلفا بمبلغ بـ 65 مليون يورو.
ولكن الصفقة الأغلى في تاريخ النادي هي التوقيع مع نجم منتخب الأوروجواي إديسون كافان، حيث بلغت قيمة هذه الصفقة 55 مليون يورو.
طموح الإدارة القطرية المتمثلة في ناصر الخليفي كبير جدًا، حيث يطمح القطريون إلى أن يكون النادي الباريسي في مصاف عمالقة أوروبا في الأعوام القليلة القادمة، وتحديدًا الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا، ومع أموالٍ كهذه فإن هذا الطموحَ سيكون حقيقة إذا ما أحسنت الإدارة استغلال هذه الميزانيات الطائلة.
………..
مقررًا الهروب من كل هذا الضجيج والصخب الذي يملأ العالم، أقرر فتح التلفاز لمتابعة مباراة دور الـ 16 في بطولة دوري أبطال أوروبا بين نادي الأرسنال الإنجليزي وبرشلونة الأسباني، بالطبع ستكون مباراة نارية، يبدأ المعلق في ذكر تشكيلة كلا الفريقين ومن ثم يذكر اسم الملعب، ملعب “الإمارات” في قلب العاصمة لندن!
تتجول الكاميرا لتأخذ صورة لنجم العالم الحالي “ليونيل ميسي”، على صدر القميص دعاية للخطوط الجوية القطرية، قميص برشلونة الذي ظل عصيًا طوال تاريخ النادي أمام الإغراءات لوضع دعاية على قميصه، انهزم أخيرًا أمام أموال القطريين.
لا أستطيع تقبل كرة القدم الحديثة، حيث لا مكان للانتماء حينما تتكلم الأموال، لا ثوابت، لا رموز تاريخية، الكل يرحل من أجل بضعة يوروهات زائدة متخليًا عن جماهير لطالما تغنت باسمه وبحّت حناجرها لأجله، صحيح أن نار الكرة الحديثة بدأت منذ مدة ليست بالقصيرة، لكن الخليجيين بأموالهم هم من أزكوا نارها وزادوها اشتعالًا، وليس هذا فحسب بل إنهم تسببوا في تضخم أسعار اللاعبين بشكل كبير، فتجد لاعبين سعرهم لا يتعدى الـ20 مليون يورو يقومون بشرائهم بـ50 مليون يورو!
يقول الأسطورة الهولندية وصانع الفلسفة الكتالونية يوهان كرويف:
“هذا أسوأ شيء يمكن القيام به في عالم كرة القدم، هذا أكبر خطأ، يمكن منح اللاعبين الكثير من الأموال لكن ذلك لا يضمن النجاح، لأن كرة القدم هي لعبة بين فريق من 11 لاعبًا، وفريق آخر من 11 لاعبًا، حتى لو امتلكت مال العالم، لا يمكنك الزج بلاعب إضافي في تشكيلتك، فلنعد قليلًا إلى تاريخ اللعبة، ما هي الفرق الأبرز؟ بايرن ميونيخ مع لاعبيه الألمان، أياكس أمستردام مع لاعبيه الهولنديين، ميلان أيضًا مع مدربه أريغو ساكي ولاعبيه الطليان وثلاثة هولنديين”.
وأضاف حامل الكرة الذهبية لأعوام 1971 و1973 و1974: “اليوم برشلونة هو أفضل فريق في العالم بفضل مدرسته، فريق كرة القدم لا ينشأ من خلال المال، بل يتم بناؤه، إذا أراد أحد الأمراء الاستثمار في كرة القدم، يجب أن يفكر بالشبان، بدلًا من التعاقد مع عدة لاعبين، يجب أن يتعاقد مع شخص واحد لينشئ نظام تكوين للاعبين، أعود بالذاكرة إلى برشلونة، فأطفال العالم يحلمون بارتداء قميصه، لأنهم يتماهون مع فلسفة النادي، لا يمكن شراء ذلك بالمال.
كما قال الأسطورة هذا أسوأ شيء يمكن فعله، أنتم تفقدون الكرة متعتها ولذتها، تغيرون العقلية التي تم بناؤها في قرابة المائة عام، تهدمون قيم الوفاء والانتماء التي ترسخت لسنين طويلة.