لا توجد علاقات دبلوماسية بين الدولة الصهيونية وإندونيسيا أكبر دولة إسلامية، ولكن صحف ومسؤولين إسرائيليين تحثوا في الآونة الاخيرة عن علاقات “سرية” في الخفاء، على المستوي الرسمي، وزيارة سياح إندونيسيين للقدس لإنعاش السياحة الإسرائيلية.
ووفقًا لاستطلاع أجرته “بي بي سي” العام الماضي أظهر أن 70% من الإندونيسيين ينظرون إلى نفوذ إسرائيل بنظرة سلبية، بينما أبقى 12% منهم على وجهة نظر إيجابية.
الجديد هو كشف نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي من على منصة البرلمان الإسرائيلي أن إسرائيل تقيم علاقات مع إندونيسيا، الدولة الإسلامية الكبرى في العالم، في العديد من القضايا.
حيث كشفت نائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطوبلي من حزب (البيت اليهودي)، الأربعاء 16 مارس 2016، أن: “إسرائيل لديها علاقات مع إندونيسيا في العديد من القضايا، ونحن نعمل كل الوقت على تحسين العلاقات بين الشعبين”.
نائبة وزير الخارجية ادعت أيضًا: “نحن نرى أن هناك تقدمًا وتطورًا في العلاقات مع الدول في جميع أرجاء أسيا الأمر الذي لم نشهده سابقًا”، مبررة ما قالته بأن هذا رغم أن السلطة الفلسطينية ورئيسها يفعلون كل شيء من أجل منع إقامة مثل هذه العلاقات، بما في ذلك تشويه صورة إسرائيل في المحافل الدولية في العالم.
وجاءت أقوال حوطوبلي هذه على خلفية منع إسرائيل دخول وزيرة خارجية إندونيسيا، إلى مقر السلطة الفلسطينية، ولقاء الرئيس الفلسطيني دون المرور على القدس لأنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين، حيث طُلب من الوزيرة زيارة القدس أيضًا، وبسبب عدم حدوث هذه الزيارة، تم منع الزيارة إلى رام الله بحسب المسؤولة الإسرائيلية.
ومنعت السلطات الإسرائيلية وزيرة خارجية إندونيسيا ريتنو مارسودي من القيام بزيارة رسمية لرام الله، حيث كان من المقرر لقاؤها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية رياض المالكي في 13 مارس الجاري.
وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان 13 مارس “إن الوزير المالكي توجه إلى العاصمة الأردنية عمّان للقاء نظيرته الإندونيسية ولبحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وسبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد منع تل أبيب دخولها الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وكان من المقرر، خلال زيارة الوزيرة، افتتاح قنصلية فخرية لجمهورية إندونيسيا في فلسطين.
وترجح مصادر إندونيسية أن يكون قرار المنع الإسرائيلي، جاء ردًا على دعوة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو إسرائيل إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، وكذا رفض الوزيرة المرور بالقدس ما يعني لقاءها مسؤولين صهاينة.
وأعلن الرئيس الاندونيسي “ويدودو” خلال كلمة ألقاها في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في جاكرتا الإثنين الماضي أن “على إسرائيل، كجزء من المجتمع الدولي، إيقاف أنشطتها وسياساتها غير القانونية في الأراضي المحتلة فورًا (…) وإنهاء إجراءاتها التعسفية في القدس الشريف”.
الوزير “بينيت” زار إندونيسيا
الغريب أنه رغم قطع العلاقات، فقد زار وزير إسرائيلي أكبر دولة إسلامية في العالم 10 نوفمبر 2013 في إطار مؤتمر دولي، في أول زيارة إسرائيلية رسمية منذ العام 1993.
حيث وافقت اندونيسيا على استضافة وزير الاقتصاد والتجارة الإسرائيلي، نفتالي بينيت بالرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وإندونيسيا، في إطار مؤتمر دولي تابع لمنظمة التجارة العالمية بمشاركة 150 وزير تجارة واقتصاد من كافة أرجاء العالم، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت حينئذ.
وأصبحت هذه الزيارة هي الزيارة الأولى التي يجريها وزير إسرائيلي إلى إندونيسيا، منذ زيارة رئيس الحكومة إسحاق رابين إليها في العام 1993، حيث التزمت إندونيسيا بعدم وضع صعوبات على الوفد الإسرائيلي، وفعلاً، فقد حصل الوزير بينيت وكافة أفراد حاشيته على تأشيرة دخول إلى إندونيسيا دون أي صعوبة.
واستغلت جهات في إسرائيل هذه الدعوة في ذلك الوقت للحديث عن أهمية هذه الزيارة في أن تتيح لإسرائيل فتح أسواق جديدة في آسيا، وخاصة في دول مثل إندونيسيا وماليزيا، التي لا تقيم معهما إسرائيل علاقات دبلوماسية.
وكانت إسرائيل قد أدارت سابقًا محادثات دبلوماسية مع إندونيسيا، ولكن هذه العلاقة فترت كثيرًا في السنوات الأخيرة، في العام 2004، حاولت إسرائيل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إندونيسيا، وأرسلت بعثة إغاثة إنسانية وطبية بعد السونامي.
وانضم إلى طائرة البعثة حينئذ مدير عام وزارة الخارجية في حينه، رون بروشاور (سفير إسرائيل في الأمم المتحدة حاليًا)، ولكن الإندونيسيين لم يستجيبوا لطلبه اللقاء مع نظيره في الدولة، واضطر إلى العودة إلى إسرائيل حتى من دون الهبوط من الطائرة.
رفض استضافة حماس
ضمن المواقف المتضاربة لإندونسيا، وافق مجلس النواب في ديسمبر 2014 على إقامة مكتب رسمي تابع للحركة، ولكن الحكومة في جاكارتا غيّرت القرار بتأثير ضغط السلطة الفلسطينية وما قالت إنه “للدول العربية المعتدلة”.
وحظرت حكومة إندونيسيا على حماس فتح ممثلية رسمية في البلاد، رغم أن البرلمان في العاصمة جاكارتا قد قرر السماح للحركة بالعمل في مناطق تابعة للدولة، بحسب تقرير من يوميات “جاكارتا بوست”.
جاء في التقرير “أن حركة حماس طلبت فتح مكتب رسمي في إندونيسيا، يركز على تجنيد الأموال وإدارة علاقات حماس في الشرق الأقصى، وإن إندونيسيا التي يقطن فيها أكثر من 250 مليون شخص وهي الدولة الإسلامية ذات الكثافة السكانية الأكبر في العالم، كان بوسعها أن تكون هدفًا كاملاً لنشاط الحركة، ولكن قررت حكومة جاكارتا رفض الطلب”.
جاء في توضيح الحكومة الرسمي للبرلمان أن جاكارتا فيها ممثلية رسمية للسلطة الفلسطينية، وهي “ممثلية شرعية” للشعب الفلسطيني، ولذلك ليست هناك حاجة إلى إقامة مكتب من قِبل حماس.
سياح إندونيسيا طوق نجاة للسياحة الإسرائيلية
وقال تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية يونية الماضي 2015، إن الإحصاءات الصهيونية تشير إلى حدوث ارتفاع كبير خلال السنوات الأخيرة في عدد الزوار المسلمين الذين يصلون إلى مدينة القدس (بخلاف المسيحيين العرب)، معتبره أن الزوار المسلمين طوق نجاة للسياحة الإسرائيلية في القدس التي عانت من انخفاض بنسبة 20%.
وأوضحت الصحيفة أن غالبية الزوار يأتون من دول إسلامية ليست عربية كتركيا والهند وإندونيسيا وماليزيا، إضافة لمجموعات أخرى تصل من تونس والمغرب والأردن وحتى من دول الخليج، بالإضافة إلى مجموعات إسلامية تصل من الدول الأوروبية.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أنه من المتوقع حدوث ارتفاع في أعداد الزوار المسلمين للقدس، بعد صدور فتوى عن مجموعة من المشايخ في دول الخليج، تسمح للمسلمين والعرب بزيارة القدس.
ولم تذكر الصحيفة أدلة قوية على هذه الزيارات التي ربطتها بصور لإندونيسيين في القدس، واكتفت بالنقل عن وكلاء سياحيين، ما يثير شكوك حول دقة هذه المعلومات وهل الهدف منها دعائي لترويج السياحة الإسلامية للقدس ما يعني التطبيع مع الدولة الصهيونية.
وكان مفتي مصر السابق علي جمعه قد زار القدس في أبريل 2012 ما أثار انتقادات في مصر، وحاول نفي أن زيارته تطبيع بدعوى أنه جاء من الإردن ولم يمر على جنود إسرائيليين.
كما زارها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح سبتمبر 2014 الماضي في أول زيارة لمسؤول كويتي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ثم زارها الداعية الحبيب الجفري في أوائل أبريل 2012 وأشاد بزيارة الدكتور علي جمعة مفتي مصر حينئذ إلى القدس.
ونقلت صحيفة هآرتس عن رائد عطية، صاحب وكالة السفريات HLA TOURS من بيت لحم، وهو متخصص في إحضار مجموعات السياح المسلمين إلى البلاد، قوله: “إن أعداد الذين يرغبون بزيارة القدس في تزايد، وإذا غيرت إسرائيل من توجهها فأنا أعتقد أنه سيصل ملايين المسلمين إلى القدس، أنا متأكد من عدم وجود فرق بينهم وبين الحجاج من أوروبا وأمريكا”، حسب قوله.
ويصل غالبية الزوار إلى الأراضي المحتلة عبر معبر الكرامة الحدودي بين الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلية، وقلة منهم عبر مطار اللد (بن غوريون)، وتابع عطية: “كثير من الزوار يريدون الوصول إلى القدس عبر المطار لكنهم يخشون لأنه يخضع للسلطة الإسرائيلية، فنشرح لهم أن كل المعابر تخضع للسيطرة الإسرائيلية”.
ويقول أحد متابعي زيارات المسلمين للصحيفة الإسرائيلية إن إسرائيل تسمح للزوار الذين يصلون لزيارة واحدة بالدخول دون ختم جوازات سفرهم على المعبر الإسرائيلي كي لا تثقل عليهم لدى دخولهم إلى بلدان عربية، حسب زعم الصحيفة.
وبحسب هآرتس: “بدأ الحوار الإسلامي حول هذا الموضوع عام 2012 عندما دعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المسلمين لزيارة القدس، لكن حماس تعارض ذلك حتى لو كان لأغراض دينية، خوفًا من التطبيع والاعتراف بإسرائيل”.
وفي القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ، ناشد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه رؤساء الدول العربية إلى دعم فلسطين وحماية القدس ودعم أهلها، عبر تشجيع الزيارات إلى القدس، قائلاً: “أدعوكم للقدوم إلى القدس والصلاة فيها”، مستدركًا: “وهذا لا يعني تطبيعًا مع الاحتلال”.
وتزامنت دعوة أبو مازن مع تأكيد شركات سياحية مصرية سفر 3 آلاف مسيحي مصري للقدس في موسم الحج المسيحي بما يعكس تناقصًا واضحًا عن العام الماضي، الذي بلغ عدد المسافرين به 10 آلاف مسيحي.
وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن “الخلاص لقطاع السياحة في المدينة قد يأتي من مصدر مفاجئ هو الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص”، بعد الفتوي التي نشرتها مجموعة من الفقهاء من دول الخليج العربي، في الأسبوع الماضي، والتي تسمح وتوصي بزيارة القدس.
المصدر: إيوان 24