لحظة مؤلمة في أوروبا بعد الوصول إلى تسوية مع الجانب التركي أخيرًا وبعد معاناة شديدة في مسألة اللاجئين، نجح خلالها الأتراك في فرض شروطهم على الاتحاد الأوروبي بعدما تعود الأوربيون قبل ذلك على فرض شروطهم دومًا على الجانب التركي.
اضطرت أوروبا للقبول بشروط تركيا من أجل إيقاف تدفق اللاجئين إلى الدولة الأوروبية “اليونان” عن طريق تركيا عبر بحر إيجه، وهو الطريق الذي عبر من خلاله قرابة مليون لاجئ إلى العواصم الأوروبية العام الماضي، وقد وصل قرابة 155 ألف آخرين إلى أوروبا بالفعل هذا العام الغالبية العظمى منهم في اليونان، ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية فإن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع تحول الطقس أكثر دفئا في الشهور المقبلة إذا لم تتصدى تركيا للوضع القائم.
ولكن بعد قرابة 10 أيام متواصلة من المفاوضات والشد والجذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي وبين الدول الأعضاء أنفسهم في الاتحاد، وصل الاتفاق إلى نقطة النهاية التي أقر فيها أنه بعد منتصف ليل اليوم السبت سيعامل اللاجئين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية بقواعد جديدة طبقًا لهذا الاتفاق.
حيث ستتم إعادة كافة اللاجئين من جميع الجنسيات منذ هذا التاريخ إلى تركيا مرة أخرى، فيما ستلتزم أوروبا باستقبال لاجئ سوري شرعي من تركيا أمام كل لاجئ سوري غير شرعي مردود إلى تركيا فيما يبدو أنه لاعتبارات أمنية بحتة، على أن يلتزم الاتحاد الأوروبي باستقبال 72 ألف لاجئ سوري فقط موزعين على دوله.
أما تركيا فقد ربحت مقابل هذا 6 مليارات يورو، وفتح الفصل السابع عشر في مفاوضات عضوية الاتحاد الأوروبي الذي تم بالفعل في نهاية العام الماضي، وكذلك نجحت تركيا في انتزاع فتح الفصل 33 في المفاوضات، وهو ما سيمهد لدخول الأتراك إلى منطقة الشينجن الأوروبية دون الحاجة إلى تأشيرة عبر سياسة الإعفاء كدولة مرشحة للانضمام للاتحاد، ولكن يتوقف هذا على مجموعة من الشروط فرضت على تركيا لتنفيذها قبل حلول يوليو المقبل.
أما على الجانب الآخر أحدث هذا الاتفاق شرخًا كبيرًا في جدار الاتحاد الأوروبي الذي يُعاني بعيدًا عن مسألة اللاجئين ويوصف بأنه في أضعف حالاته منذ قيامه، حيث انقسم الأوروبيون بين مؤيد ومعارض لهذه المساومات التركية.
تزعمت ألمانيا الفريق المؤيد لإنهاء هذه المسألة بأسرع ما يمكن مع الأتراك، بينما قامت دول شرق أوروبا بخلق حالة معارضة لسياسة ميركل في الاتحاد الأوروبي، مما أثر على حرية الحركة بين بلدان أوروبا والتي تعد من أهم أساسيات هذا الاتحاد، الأمر الذي استدعى حشد عسكري على الحدود لمنع تدفق اللاجئين واستخدام تقنيات متطورة لرقابة الحدود، وتشجيع لدول ممر اللاجئين لقمعهم، وكلها ظواهر رصدت من قبل الأمم المتحدة وجمعيات حقوق إنسان دولية، وحذرت منها بشكل صريح.
هذه الحالة انطلقت إلى الوحدات الأوروبية القطرية التي أصبحت فيها ورقة اللاجئين ورقة سياسية بين الساسة في البلدان الأوروبية، فأصبحت البرامج المطروحة على الجمهور في بلدان أوروبا تتضمن الموقف من سياسة استقبال اللاجئين، وبدأت الخريطة السياسية في بعض البلدان تتغير وتتشكل طبقًا للموقف من استقبال اللاجئين والتعامل معهم، وهو ما حدث في ألمانيا والنمسا وكثير من بلدان شرق أوروبا.
مع حالة الانقسام هذه والتململ في التوافق مع تركيا، هدد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان صراحة بفتح الحدود للاجئين إذا لم تحسم أوروبا موقفها سريعًا، وهو الأمر ربما الذي ساعد على الوصول إلى الاتفاق الأخير منذ نوفمبر 2015 إلى اتفاق هذا الشهر.
تركيا حققت إنجازًا بفضل اللاجئين السوريين في مسألة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لم يحدث منذ أكثر من 25 عامًا، حيث فتح لتركيا رسميًا فصل الانضمام إلى الاتحاد بصورة جدية بعيدًا عن المساومات الأوروبية والمماطلة، ونجحت تركيا في انتزاع حق الإعفاء من تأشيرة شينجن لمواطنيها، وهو حلم كان يُراود كافة الأتراك أصبح قيد التحقيق خلال بضعة أشهر.
يرى البعض أن الخطة الواردة في الاتفاق مبنية على تقييم متفائل لقدرات اليونان والنوايا التركية وقدرة الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الأكثر حساسية سياسيًا.
حيث يشككون في قدرة اليونان على الالتزام بما نص عليه الاتفاق بشأن إعادة اللاجئين وفحص طلبات اللجوء بشكل دقيق، وعليه فإن اليونان تعتبر الحلقة الأضعف في هذا الاتفاق، بسبب عدم توافر القدرة المالية أو الإدارية لتنفيذ دورها في هذا الاتفاق، لذلك سوف تحتاج اليونان إلى دعم كبير من أوروبا أكثر بكثير مما هو حاليا.
كما أنه على أوروبا أن تجد تكييفًا قانونيًا لتبعات هذا الاتفاق حتى لا يتصادم مع مواثيق حقوق الإنسان، حيث بدأت منظمات حقوقية دولية تتهم الطرفين الموقعين على الاتفاق (الاتحاد الأوروبي – تركيا) بخرق القانون الإنساني الدولي، متهمين البدء في إجراءات التنفيذ بمثابة إعلان حقبة ترحيل جماعي، ومن غير المرجح أن تردع هذه الإجراءات مافيا مهربي البشر.
هذا وحذرت مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة بشكل صارم من خطط إعادة اللاجئين المعتمدة إلى تركيا، كما أعلنت المفوضية أنها اتخذت موقفًا حذرًا بشأن الصفقة. وأكدت أن العالم بحاجة الآن ليرى كيف سيتم العمل على هذا الخطط من الناحية العملية، وذلك تمشيا مع الضمانات المنصوص عليها في الاتفاق.
حاولت ميركل وفريقها في الاتحاد الأوروبي تخطي هذه العقبات الحقوقية والقانونية بشتى الطرق، حتى تم التوصل إلى حل في النهاية يتحايل على القانون الدولي الذي يجرم عملية الترحيل الجماعي للاجئين بموجب اتفاقية جنيف للاجئين وبروتوكول نيويورك المكمل لها.
حيث تضمن الخطط الإجرائية لتنفيذ الاتفاق مع تركيا فحص طلبات اللجوء في اليونان بشكل فردي مع أن النتيجة معدة سلفًا وهي “الرفض” وهو ما سيترتب عليه إعادتهم إلى تركيا حسب الاتفاق، وذلك في محاولة للتحايل على شبهة الترحيل الجماعي التي أدانتها الأمم المتحدة.
هناك بعض المخاوف التي حذر منها مراقبون في أوروبا من الإفراط في التفائل بهذا الاتفاق، حيث أكدوا أنه منحاز لقراءة بعينها في الصراع السوري تقول بقرب انتهاء الأزمة، والواقع إذا لم يتماشى مع هذه القراءة، وعادت الحرب مرة أخرى في سوريا، فإنها ستخلف موجات لجوء لن تستطيع تركيا أو أوروبا التصدى لها.
كما أشار تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية إلى عقبة أخرى أمام هذا الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، حيث أكدت أنه على المحك بسبب النزاع الطويل بشأن جزيرة قبرص المقسمة بين تركيا واليونان.
ذكرت الصحيفة أن الاتفاق الذي وافق فيه الاتحاد الأوروبي على العرض المقدم لتركيا في قمة بروكسل، سيواجه عقبة عندما تعهدت قبرص بعرقلة أي اتفاق من شأنه تسريع انضمام أنقرة إلى الاتحاد.
ومن جانبه، حذر رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس في السابق بأنه لن يوافق على استئناف محادثات انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي ما لم توافق على فتح موانئها ومطاراتها أمام البضائع القبرصية، وفقا لأحكام اتفاق قائم. وقال “إذا وفت تركيا بالتزاماتها وفقا لبروتوكول أنقرة والإطار التفاوضي فلن تكون هناك مشكلة، ولكن بدون ذلك لا يمكن أن نفعل شيئا”.
وعلى الرغم من أن الاتفاق يمثل خطوة مهمة في الجهود الرامية إلى إيجاد حل لأزمة اللاجئين ووضعها تحت السيطرة، إلا أنه من غير الواضح إذا ما سيكون الأمر حلًا ناجعًا أم أن اللاجئين قد تأهبوا لخيارات أخرى ستحول الاتفاق إلى إصلاح مؤقت.
حيث يتوقع البعض انتقال الصداع الأوروبي من اليونان إلى إيطاليا في حال تنفيذ الاتفاق، وذلك عندما يبدأ المهربون في تحويل مسار اللاجئين إلى إيطاليا عن طريق ليبيا، ويتوقعون أيضًا أن يُساعد الوضع الداخلي الليبي على ذلك بسبب ما يُطلق عليه وصول ليبيا إلى مرحلة الدولة الفاشلة ذات الرأسين في طبرق وطرابلس.